أقصر الطرق للتغيير في السودان.. ?الثورة بالنص?

أحجمت عن الكتابة في حينها حتى لا أقفز فوق أسوار الواقع السوداني إلى أحلام المستقبل، وقد أصاب بلادنا الكثير من العلل والأمراض، وقد كنت شاهد عيان مؤخراً لبعض من أبناء جلدتنا وهم يمتهنون السرقة والخراب في عاصمتنا الحبيبة في وضح النهار.
كثيراً ما تستوقفني عبارات نحن، كنا؛ والسودانيون هم من فعلوا هذا وذاك قبل غيرهم من الشعوب.
ليس أدل على أنها مزاعم لا تمت لواقعنا الحالي بصلة، أكثر من قولنا الشائع بأننا أمة متسامحة، وبلادنا اليوم تعج بالحروب الأهلية والصراعات القبلية في كل أركانها؛ بل ولازال نفر منا يتأبط السكاكين، وأخرون يتحزمون بالخناجر ويحملون العصي ?المضببة? والحراب والفؤوس والسفروقات والكرابيج والسيوف والكلاشنكوفات.
في ظني.. نحن، كنا؛ والسودانيون هم من فعلوا هذا وذاك قبل غيرهم من الشعوب ما هي إلا دلالات ومعاني لقيم ومبادئ تاريخية تميز بها سلفنا الصالح من أبناء هذا الشعب العظيم، ولكنها أضحت عند جيلنا ?الفاشل? هذا مجرد شعارات رنانة يـــُروِّح بها عن نفسه.
لا مراء في أننا كسودانيين، ?وإن اختلفنا في كل شيء? يجب ألا نسمح باندثار هذه القيم النبيلة رغم قناعتي بأن اندثارها من عدمه فرضه سلطان الخوف من المجهول وشبح الحروب والراهن المعلول وغياب قادة العمل السياسي النزيهة الذين يستحقون ثقتنا المفرطة، وذلك قياساً بما كان عليه الحال في عهد سلفنا الذي جسدته أفعال وسلوكيات رواده من أبناء الجيل العتيق لأمة الامجاد والماضي التليد التي نتغنى بها منذ نعومة أظفارنا.
لقد عادت بي الذاكرة لندوة أقامها مركز الامام الخوئي الاسلامي في لندن للراحل عبد العزيز الحكيم رئيس المجلس الأعلى الإسلامي العراقي سابقاً، وكنت حينها قد توجهت للراحل بسؤال باسم صحيفة ?الزمان? اللندنية عن مستقبل الديمقراطية العراقية الوليدة في ظل الاحتلال الامريكي فأجابني بقوله ان ?السيستاني هو من علم أمريكا الديمقراطية?؟.
تخيلوا، وقد عم العراق وقتها جدل كبير حول دور رجال الدين في الحياة السياسية والديمقراطية التي بدأت تتشكل ملامحها في أعقاب انهيار نظام الرئيس صدام حسين.
اليوم، ها هو العراق يرزح تحت وطأة صراعات طائفية يدفع ثمنها العراقيون دماً ودماراً شاملاً، بل وشمولية ممنهجة أباطرتها هم ذاتهم رجال الدين الذين زعموا بتعليم أمريكا الديمقراطية؟.
السؤال المطروح لنا كسودانيين، هل نحن كما السيستانيون من علم الدنيا قيم التسامح والصفح عند المقدرة والصبر الجميل؟
الحقيقة إن أردنا الإجابة على هذا السؤال والعودة بالسودان الى عهد سلفنا الصالح، لا بد لنا بداية من وقفة متأنية في ما بيننا حكومة وشعبا، وقد ذهبت عنا الصدمة لنتحسس ما بقي من تلك القيم النبيلة التي ظللنا نفاخر بها والتي غابت إبان الأزمة الأخيرة التي أعقبت قرار رفع الدعم عن المحروقات وعمت خلالها شوارع الخرطوم وبعض مدن السودان الكبرى حالة هستيرية من الغضب، تمثلت في الاضرار بالممتلكات الخاصة والعامة، وانتشرت معها روح الحقد التي تجسدت في تدمير المنشآت واستشهاد عدد كبير من المواطنين الأبرياء، بل والمرضى والمعوقين وذوي الاحتياجات في دور الرعاية والمستشفيات.
في تقديري السودان لم يعد ذلك البلد المتسامح أهله، وتلك حقيقة لا مناص منها؛ ولتقويم هذا الواقع يجب أن تكون البداية للتغيير بثورة حقيقية، ولنتفق بداية على تسميتها ?ثورة بالنص? لماذا بالنصف؟ تيمناً باسم أكبر الأحياء السكنية الأمدرمانية تأثرا بالتظاهرات الأخيرة، واستدلالا بالوسطية وهديها في تحمل المسؤولية وتبعاتها، حتى تشارك الحكومة مواطنيها في معالجة أسباب الأزمة الراهنة.
ثورة يبدأها المسؤولون الهائمون في ابراجهم العاجية المشيدة بأحياء الرياض والمنشية وكافوري ومدينة النيل بالنزول الى الشوارع الفقيرة في ?الثورات وأمبدات والكلاكلات? تلك الأحياء السكنية الفقيرة، التي أبكاها دخان الإطارات المحروقة ليتحسسوا ويتعايشوا بأنفسهم مع هموم الناس الذين أوقدوا النيران، وفي المقابل يعمل الناس بروح وطنية تدعم الدولة وتسهم في نشأة وتطور الاقتصاد الوطني للخروج من نفق ودوامة الأزمات وبعيدا عن التخريب.
مفارقة لا تخلو من الغرابة، في السودان تقيم الدولة إشارات المرور الضوئية في التقاطعات لتنظيم حركة سير المركبات وتأتي برجال شرطة المرور لحراسة وتنظيم السائقين في ذات المكان حتى لا يخالفوا التعليمات الضوئية، أليس هذا هو بلد العجائب؟.
وهكذا يتبادر السؤال من وحي هذه العجائب السودانية، هل الدولة هي من أخفق أم الشعب؟ علما بأنني أوقن تمام التيقن أن الإجابة في كل حالاتها، ومن الطرفين؛ المسؤولين الغوغائيين من جهة ومثيري الفتن من المتظاهرين المنفلتين من جهة أخرى ستجسد وتجدد جدل البيضة أولاً أم الدجاجة.
أستغفر الله لي ولكم وأختم بالقول كان الله في عون السودان، واذا سأل أحدكم عن أي سودان أتحدث؟ سأناقض نفسي بالقول سودان نحن، كنا؛ والسودانيون هم من فعلوا هذا وذاك قبل غيرهم من الشعوب.

صحيفة القدس العربي اللندنية
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. أوجزت وأوفيت، المقال اصاب كبد الحقيقة لابد من تغيير شامل حتى يعود السودان لسابق عهده.
    جزاكم الله خيرا

  2. العاصمة التى كانت تفجر الثورات والاحتجاجات أفرغت من سكانها الاصليين بالاغتراب
    ونزح اليها النازحون الفارون من الحروب والجوع والمرض
    صار جل سكان العاصمة من هؤلاء
    الذين يرضون بالقليل وهو بالنسبة لهم نعيم ما بعده نعيم
    توفر الكهرباء والماء ولا يهم بعد ذلك شى
    هذا هو السبب وهذه هى المصيبة

  3. مازلنا في إنتظار توضيح كامل بخصوص صفقة الستين الف التي قبضتها عبر الوكالة التركية؟؟
    موش انت توعدت الاستاذ ساتي؟؟
    الود داير يعمل نايم قال:(وقد كنت شاهد عيان مؤخراً لبعض من أبناء جلدتنا وهم يمتهنون السرقة والخراب )!!
    كويس الستين الف اللهطوها موش مال عام بتاع الغلابة

  4. كلمة حق من أفراد وأعضاء جالية وجمعية وادي النيل بلندن في حق خالد الاعيسر ردا علي تعليق (نص صديري)

    “””””””””””””””

    قناة الشرقية نيوز ومقدم برنامج الرأي سوداني خالد الاعيسر يحاكمون أنفسهم في حلقة خاصة “وفي سابقة فريدة” الحلقة بثت مباشرة يوم الأربعاء الموافق 6 مارس 2013

    نشر في سودانيزاونلاين يوم 06 – 03 – 2013

    مقدم برنامج الرأي سوداني بقناة الشرقية نيوز خالد الاعيسر يحاكم نفسه “في سابقة فريدة” من على ذات الشاشة، بعد أن اتَّهم ومؤسسته ظلمًا وعدوانًا وبغير وجه حقٍّ من صحافي السوداني (صحيفة محلية) الطاهر ساتي، الذي كتب عبارات تحمل دلالات إيحائية لا توجب حقاً قانونياً للمقاضاة ولكنها تمنح المتلقي شعورا بأنه أمام حالة فساد بتورط المؤسسة (الشرقية نيوز) ومنتسبيها أو من ينوب عنهم في استلام مبالغ مالية من وكالة الاخلاص التركية “الوكالة التي تقدم خدمات تلفزيونية من الخرطوم”، علماً بأن الوكالات هي التي تستحق أن يدفع لها مقابل خدماتها وليس العكس.
    نشرت هذه التهم الباطلة، التي لا تستند الى أي مستندات وأدلة في سياق حرب كلامية بين ادارة التلفزيون السوداني ومديره مع بعض المفصولين من قناة النيلين الرياضية وعلى رأسهم مديرها السابق المقال كمال حامد لسوء الأداء وضعف المردود المهني والذين زَجْوًا باسم قناة الشرقية نيوز وسربوا أخباراً كاذبة للصحف عن التلفزيون السوداني وادارته، فعلوا كل ذلك من خلال هجمة اعلامية وإشاعات مغرضة استخدموا من خلالها أرذل الحيل بمساعدة قلة من الصحفيين المحليين المشكوك في مهنيتهم والذين تتجاذبهم اليوم القضايا الجنائية بالجملة.
    هذه السابقة جاءت في ثنايا الحوار الذي أجرته كاميرا برنامج الرأي سوداني الذي قدمه خالد الاعيسر من العاصمة السودانية الخرطوم مع الدكتور عبد الله على ابراهيم المفكر، الاعلامي، الأكاديمي، المرشح الرئاسي السابق ورئيس اتحاد الكتّاب السودانيين للحديث حول الطريق الثالث للحل السلمي في السودان.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..