أخبار السودان
بعد تعثر الانقلاب… القوى السياسية والمدنية لا تثق في وعود البرهان

ستة أشهر ولم يبرح (حمار الانقلاب) عقبته، فلا المقاومة الشعبية توقفت، ولا المساعدات الاقتصادية الإقليمية والدولية تدفقت، ليتسنى لقادة الانقلاب بسط سلطتهم، لذا لم يكن غريباً أن يقر قادة الانقلاب بفشلهم في إدارة الفترة الانتقالية، وقال قائد الجيش عبدالفتاح البرهان: “فشلنا في إدارة الفترة الانتقالية بشكل صحيح، سواء في بناء توافق أو تلبية طموحات المواطنين، البلاد ظلت تعاني من التظاهرات والمسيرات، ومن المشاكل الاقتصادية والصراعات القبلية والتفلتات الأمنية”. ودعا الجميع للعمل على إيجاد حلول لهذه المشكلات.
وكشف رئيس مجلس السيادة عن الشروع في إجراءات إطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وقال إنهم سيكونون طلقاء خلال يومين أو ثلاثة لتهيئة المناخ للحوار، ليساهموا مع الآخرين في تحقيق الوفاق، معلناً استعداد الجيش للتنحي وتسليم السلطة للمدنيين حال حدوث توافق بين القوى السياسية.
مواقف سياسية
استقبلت القوى السياسية والمدنية دعوة ووعود البرهان بالتشكيك في نواياه، على خلفية مواقفه وانقلابه مرتين على عملية الانتقال الديمقراطي: في يونيو 2019، وفي أكتوبر 2020.
ورهن حزب الأمة القومي الاستجابة لدعوة رئيس مجلس السيادة الانقلابي، عبد الفتاح البرهان، للحوار، بشرط تنفيذ إجراءات، حددها في: إنهاء حالة الطوارئ، ووقف العنف والقتل في مواجهة المتظاهرين، ومساءلة الذين ارتكبوه، ووقف الاعتقالات وسط لجان المقاومة، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، وإلغاء كافة التهم الجنائية الكيدية ضدهم.
وقال الأمة القومي في بيان إنه “يرحب بأي دعوة لحلول سلمية متفاوض عليها لعودة الشرعية وإنهاء الانقلاب واستكمال الفترة الانتقالية، بما يحقق أهداف ثورة ديسمبر المجيدة”، مشيراً إلا أن الدعوة التي أطلقها رئيس السلطة الانقلابية غير كافية في حد ذاتها، ومتناقضة مع ممارسات السلطة المستمرة باعتقال شباب لجان المقاومة بكثافة عشية الدعوة وبعدها.
في السياق، شدد رئيس حزب المؤتمر السوداني، عمر الدقير، على عدم الاعتراف بالانقلاب ولا بسلطته غير الشرعية، أو القبول بها كأمرٍ واقع، تحت أي ذريعةٍ كانت، مؤكداً أنه سيزول بأمر الشعب، مثلما زالت الانقلابات التي سبقته.
وأضاف الدقير أن الحديث عن قرب إطلاق سراح المعتقلين السياسيين لا يتسق مع حملة الاعتقالات المسعورة التي حدثت خلال اليومين الماضيين، وطالت العشرات من لجان المقاومة والناشطين في مناهضة الانقلاب، ولا تزال الملاحقات مستمرة.
تابع: “أيّاً كان الأمر، فإنّ اعتقال عضو المكتب السياسي للمؤتمر السوداني، وزير شؤون رئاسة مجلس الوزراء السابق، خالد عمر يوسف، وبقية قيادات لجنة تفكيك التمكين السابقة، هو اعتقال سياسي تعسفي بامتياز – ولا معنى له غير ذلك – في سياق الإجراءات القمعية المستمرة، منذ وقوع انقلاب 25 أكتوبر، والتي جرى تهيئة المسرح لها بإعلان حالة الطوارئ وإعادة صلاحيات جهاز المخابرات التي نُزِعت منه بأمر ثورة ديسمبر المجيدة”.
وزاد: “سنظل ندعو ونسعى لانتظام قوى الثورة في جبهة عريضة بقيادة تنسيقية موحدة – باعتبار أن ذلك هو الشرط الحاسم لإنهاء الانقلاب – مع التوافق على ترتيبات دستورية تنشأ بموجبها سلطة مدنية كاملة لتنفيذ مهام متفق عليها، خلال ما تبقى من عمر الفترة الانتقالية، انتهاءً بانتخابات عامة حرة ونزيهة تضع بلادنا على درب التداول السلمي للسلطة وفقاً لإرادة الناخبين”.
وأكد الدقير أن الانقلاب الحالي سيزول بأمر الشعب مثلما زالت الانقلابات التي سبقته، لكن يبقى التحدي المطروح هو الاعتبار من دروس التاريخ حتى لا يكرر المستقبل خيبات العقود الماضية وفشلها، داعياً إلى “خلق عقل وطني جماعي يُنتِج التوافق الواعي على خطة استراتيجية شاملة للبناء الوطني، تُنَفّذ بمنهج إدارة علمي نزيه وشفاف على كل الأصعدة، والتي تشمل بناء واستدامة النظام الديموقراطي والسلام والتنمية والجيش الواحد والإصلاح المؤسسي وسائر مطلوبات بناء الدولة الحديثة التي تسع جميع أهلها بلا تمييز وتُحقِّق لهم شروط الوجود الكريم”.
لجان المقاومة أشارت إلى أن “الشارع السوداني، خاصة فئات الشباب، لا يثق في أي وعود أو تصريحات للبرهان، الذي يعتقد أنه وصي على المواطن السوداني، فضلاً عن أنه – حتى هذه اللحظة – تلاحق أجهزته الأمنية لجان المقاومة والناشطين للزج بهم في المعتقلات.
وبحسب ناشطين في لجان المقاومة تحدثوا لـ (الديمقراطي)، فإن تصريحات البرهان تهدف لإجهاض الثورة، وهو يتغافل عن أنه المسؤول عن دماء الشهداء التي يكثر الإشارة إليها دون اكتراث، مؤكدين أن الحل يكمن في تنحي البرهان من المشهد السياسي.
مأزق الانقلاب
الناطق باسم تجمع المهنيين السودانيين الوليد علي يعتبر أنّ “البرهان يتحدث من موقع المحصور في الزاوية، بعد عدم قدرته على استكمال انقلابه”.
وليس بعيداً عما سبق يصف مدير مركز الخاتم عدلان للاستنارة والتنمية البشرية الباقر العفيف في حديثه لـ ( الديمقراطي)، خطاب البرهان الأخير بالضعيف والمتلون والمفتقر للمصداقية.
وانتقد العفيف الطريقة التي يتحدث بها البرهان في خطاباته واتخاذه دور الحاكم الأوحد والمحلل السياسي الذي يحمل الآخرين نتائج فشله. وأشار لتجاوز الخطاب كوارث الانقلاب، وافتقار الوفاق الذي تحدث عنه البرهان للمحاسبة ورد أموال الشعب المنهوبة، ومشاكل الأمن والمؤسسة العسكرية والدعم السريع.
ودعا العفيف لضرورة الانتباه لكون الخطاب يضع الناس أمام القبول بواقع عودة أعضاء المؤتمر البائد والتعامل معهم، منوهاً إلى أن الخطاب ينم عن ضعف الانقلابيين وفشلهم وحصار الشارع لهم. وطالب الشعب السوداني بأخذ خطاب البرهان كدليل ملموس على فشله، والانتباه للتحالفات التي يعقدها الانقلابيون مع المؤتمر الوطني والإسلاميين والأحزاب الطائفية.
وأضاف أنه يمكن هزيمة الانقلاب وسحب الدولة من أيدي العسكر لأيدي الثوار، بتكوين قيادة مركزية شرعية موحدة للثورة تمثل جميع مكونات الشعب، وتقود الثورة بشكل استراتيجي مبني على أهداف محددة مسبقاً، تقوم بتكوين مؤسساتها ومجلسها التشريعي وحكومتها ورئيس وزرائها.
وشدد على ضرورة عدم القبول بأي تسوية أو مفاوضات ترجع السودان لتاريخ ما قبل 25 أكتوبر أو تمهد لرجوع العسكر مرة أخرى بانقلاب فور الإحساس بضعف الشعب وعدم قدرته على الاحتجاج.
في الأثناء ترى الصحفية والمحللة السياسية رشا عوض في حديثها لـ (الديمقراطي)، أن لغة خطاب البرهان التي تدعو للوفاق والحوار تعكس إدراك البرهان لوقوع الانقلاب في مأزق، لذا هو يبحث عن مخرج.
وتضيف رشا أن البرهان يبحث عن غطاء مدني يسوق للانقلاب بإجراء تعديلات ديكورية وشكلية، بعد زيادة الضغوطات الداخلية له بالمواكب، وعدم اعتراف القوى السياسية به، وزيادة الضغوطات الخارجية التي تسببت في عزلة دولية محكمة وانقطاع للمساعدات.
وتنوه لضرورة عدم الثقة في أي طرح لوفاق أو حوار يتم من البرهان والانقلابيين ولا يشير بصريح العبارة للتراجع عن الانقلاب، أو أي اقتراح ليس به حديث عن وساطة دولية وضمانات لتنفيذ ما تم الاتفاق عليه. وتساءلت رشا عن ضمان عدم عودة البرهان للمشهد بانقلاب آخر حال استجابت القوى السياسية ولجان المقاومة لدعوات الحوار والوفاق.
وبحسب رشا عوض، فإن تشكيل صف مدني موحد ومتماسك يملك خارطة طريق مفصله لاستعادة المسار المدني الديمقراطي، وكتله لتتفاوض مع العسكريين تحت ضغط الشارع ورعاية وساطة دولية تمتلك كروت ضغط من العيار الثقيل على الانقلابيين، هو المخرج الأساسي من الأزمة الحالية، وليس الحوار في ظل سلطة انقلابية.
وتحذر رشا من حدوث تسويق جديد للانقلاب بغطاء مدني، وتشير إلى أن التراجع عن الانقلاب لا يكون مرهوناً بما يطرحه الانقلابيون أنفسهم، أو ما يتم تحت رعايتهم ووصايتهم، بمباركة حواضن سياسية زائفة وبقايا النظام المباد والمتواطئين معه، بل يتم تحت وطأة ضغوط جبهة مدنية ديمقراطية موحدة وكبيرة تحظى بالمشروعية والتلاحم مع الشارع.
صحيفة الديمقراطي