دلقو وعبري.. وذاكرة وردي

“وردي محمد: اراني اوافقك في مجمل ما قلته واسمح لي بمداخله
اﻻطباء كجميع البشرلهم طموحاتهم الشخصيه وعليهم مسئوليات تجاه اسرهم فالفجوه بين مرتب الحكومه ومتطلبات الحياه ناهيك عن الرفاهيه شاسعه فاﻻخطاء الطبيه تحدث في كل مستشفيات العالم فالفرق بينا وبينهم في التعويض والمحاسبه
في السبعينات كانت تجري عمليات الوﻻده القيصريه في مستشفي عبري وبعض المواليد حملوا اسماء اﻻطباء الذين قاموا بعملية التوليد عرفانا بدورهم
المعدات والمباني احسن مما مضي لكن المشكله في الكادر الذي يدير المستشفي
عاش مستشفي عبري فتره ذهبيه ابان تولي د.علي خليل ابن المنطقه بنفس اﻻمكانات لكفاءته وحسن ادارته وعدم تهاونه مع المعاونين والممرضين في اﻻنضباط والتعقيم والنظافه لكنه انتقل لمدينه تسع طموحاته
الكل يسعي لتحسين وضعه ففينا من هاجر الي مدن السودان او خارج السودان فلماذا نطالب اﻻخرين بالبقاء
اما عن تعليق ميمي فمع احترامي الشديد لرايه فاﻻفضل ان نستبعد نظرية المؤامره والحقد علي منطقة النوبه وده حال كل السودان ونفكر في الحلول”.
في البدء أشكرك أستاذ وردي على تواصلك ومتابعتك الدائمة لمقالاتي ومداخلاتك الثرة وتعليقاتك المفيدة.. ما بين القوسين والكلام أعلاه من وردي إلى الحلول هي مداخلة أخي الأستاذ وردي الذي منحني فرصة مقال آخر دسم (من مافي) في ذات المضمون والمنطقة على العموم ودلقو وعبري على وجه الخصوص.
سأفند قدر المستطاع ما جاء في مداخلته: كتبت مراراً وتكراراً عن الأخطاء الطبية في الصحف السودانية الورقية والإلكترونية ومواقع التواصل الاجتماعي ولم أستثن أحداً من الأطباء ولا بلداً من البلدان حتى المتقدمة طبياً وعلى رأسها أمريكا.. الخطأ كان موجوداً ولا زال وسيظل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها، لكن الخطأ عن الخطأ يفرق، والخطأ عن الخبرة وقلة التجربة يفرق والخطأ والجهل يفرق، بمعنى احتمال وجود الخطأ القاتل بين استشاري واخصائي وعمومي وامتياز متفاوت ومتباعد جداً، كاحتمالات وقوع الحوادث وامكانية تفاديها وتجنبها تتمثل في السرعة والتاني وانضباط السائق وسلوكه ومدة خبرته قل أم كثر وكل هذه الأمور تحدد جسامة الأذى من إعاقة دائمة وإصابة بالغة أو خفيفة..
نحن أقمنا هذه الدور الإشفائية وعلى الحكومة توفير أطباء أكفاء استشاريين واخصائيين في مختلف التخصصات وأن تدفع لهم بدل (شدة) في المناطق النائية أو تقصير المدة (النقل) سنة كحد أقصى حتى لا يظلم الطبيب ولا المنطقة، والطب مهنة إنسانية في المقام الأول.. ماذا يضير الطبيب لو ضحى بسنة ضوئية أو شمسية من عمره وترك حياة الترف؟!.. وإذا وجدت الكوادر الطبية الممتازة لن نحتاج للتعويض ولا للمحاسبة بل ممكن دفع (حوافز) تشجيعية للأطباء لبقاء أطول.
الأستاذ وردي يبدو أن ذاكرتك قد شاخت أو كنت يافعاً لا تتذكر الأحداث بتفاصيلها لأن فترة السبيعينات الميلادية التي أشرت إليها وأشدت بها هي عندي وغيري ممن عاصروا عبري هي السنوات العجاف وأكثر فترة شهدت قتل الأمهات الحوامل وبدءاً وتحديداً من العام 1974م ولم تخل قرية جنوب وشمال وغرب عبري مع جزرها لم تفقد إحدى النساء والشابات، وأعرف الكثيرات اسماً، واعترافك من حيث لا تدري أن البعض أطلقوا اسماء الأطباء على مواليدهم شاهد على التاريخ وأن النجاح والنجاة كان نادراً وخروج كل من دخل المستشفى معافى كان أندر من لبن (الطير)، ولا أجد تفسيراً آخر لتسمية الأبناء بأسماء الأطباء إلا بحدوث المعجزة الطبية (الطبيبية) بعد المشيئة الإلهية وصرخة مولود وبقاء أم على قيد الحياة.. الولادة بالحبل لم نحضرها ولكننا لم نسمع ما يدمي القلوب ويدمع العيون من قصص، بعدها (الدايات) وهذه الفترة هي التي تستحق العصر الذهبي إن جاز التعبير ناس (سكينة طه) و(فاطمة حرم) وغيرهما كثر وأخيراً القابلات بعد كورسات بسيطة قدمن أعمالاً جليلة.
أما الدكتور علي خليل لم يسع للنقل لتحقيق طموح ورفاهية وترف وبذخ أو أي مأرب آخر، إنما نُقل أو أُبعد بعد تعامله مع جهة خيرية أو منظمة عالمية غير إسلامية أسهمت في إدخال الطاقة الشمسية للمستشفى التي ساهمت في علاج الكثير من المشاكل.. نحن لم ولن نطالب أحداً بالبقاء، نحن نطالب الدولة أسوة بغيرنا بأطباء حرفيين وطبيبات يأكلون ويشربون ويتنفسون الطب ولو بالتناوب السنوي أو نصف السنوي.. قبل أكثر من ربع قرن أرسلنا عدد (3) سيارات إسعاف من السعودية استخدمت في غير مبتغاها من صيد وقنص ونقل قش وحطب وحضور مناسبات الأفراح والأتراح ووزعوها غنيمة باردة بين المستشفى والمجلس والأعيان، نحن الوحيدون في كل بقاع السودان (من أكل بإيدو ولم ينفع نفسو)، ساهمنا بفعالية بالنفس والمال في كل تنمية طالت البلاد، إضافة لمشاريعنا الخاصة (الطرق القومية.. المستشفيات.. المساجد.. الجامعات.. المدارس.. المراكز الصحية.. الشفخانات.. نقاط الغيار.. الأندية… إلخ).. معظم الذين قاموا بتطبيب أهلنا البسطاء من أواخر الستينيات حتى منتصف الثمانينيات لم يلتحقوا حتى بدورات تمريضية أولية غير نفرين تلاتة أذكر منهم (علي زيادة، فخري، ماهر الطيب) بيد أن المرحوم (محمد عبدالفراج) كان أمهر وإنسانية من امتياز اليوم، ما عداهم تدرجوا من الفراش وامتهنوا التمريض، لا أنسى ولا أجزم بصحة قول أحد أقربائي أنه ذهب ذات يوم لإحدى نقاط الغيار يشكو من صداع فأجابه الممرض أو الفراش مشيراً إلى الطاولة: (الدواء كله قدامك شيل اللي يعجبك) طبعاً العبارة كانت أجمل لأنها كانت بالرطانة.. نملك طيبة زيما بيقولوا لدرجة العوارة.. نحن نجامل على حساب مصلحتنا ومصلحة المنطقة.. وعلى ذمته قال لي أخ ثان أن مطار عبري سُلب ونُهب وأُفرغ من المحتويات بعد أن طلب الطيران المدني من الأهالي تأجير الطائرات إذا أرادوا الاستفادة من الرحلات والتي تسير في نفس الاتجاه وفوق سماء عبري جيئة وذهاباً (الخرطوم ـ دنقلا ـ حلفا وبالعكس).. أما عدم قبولك لتعليق الأخ أبو مازن، فأقول نظرية المؤامرة موجودة من زمان والحقد والحسد موجودان وحالنا خير برهان، وإن أصررت أخي وردي ووافقناك الرأي فهناك تجاهل واضح وفاضح للمنطقة دون سواها فهل توافقني؟!.