خطاب البرهان.. مراوغة جديدة أم سقوط الجنرال على طريقته؟

عقب إعلان قائد انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر الفريق عبد الفتاح البرهان، في خطابٍ اليوم، عدم مشاركة المؤسسة العسكرية في الحوار الذي تيسره الآلية الثلاثية، بحجة إفساح المجال للقوى السياسية والثورية و”المكونات الأخرى” للجلوس من أجل تشكيل حكومة كفاءات وطنية مستقلة لإكمال مطلوبات الفترة الانتقالية؛ تداعت الردود من الناشطين الثوريين والكتاب والمحللين على فحوى الخطاب، تحليلا وتفنيداً وردّا.
وبدا خطاب قائد انقلاب الخامس والعشرين من أكتوبر الفريق البرهان مربكا ومفخخا لا سيما وأنه تزامن مع محاولات فض اعتصامات أمدرمان الفتيحاب ومستشفى الجودة والمؤسسة بحري، مما ينسف حسن الظن في فحواه.
ورغم أن المراقبين يرون أن خطاب البرهان اليوم يمثل خطوة في طريق “إنهاء الانقلاب”، يرى آخرون أنه خطاب مراوغ ومربك للشارع والمشهد السياسي، ولا يقدم جديدا لأن القوات النظامية – بحسب الخطاب – ستحتفظ بسلطاتها وسيطرتها على المشهد السياسي والاقتصادي من خلال مجلس أعلى للقوات المسلحة من القوات المسلحة والدعم السريع يتولى القيادة العليا للقوات النظامية ويكون مسؤولاً عن مهام الأمن والدفاع وما يتعلق بها من مسؤوليات تستكمــل مهامــه بالاتفـاق مع الحكومة التي يتـم تشكيلهــا، مما اعتبره مراقبون شكلا جديدا من الشراكة لا يحقق مطلوبات الشارع برجوع العسكر للثكنات وحل مليشيات الدعم السريع ودمج قوات الحركات المسلحة.
وفي السياق، اعتبرت قوى الحرية التغيير “المجلس المركزي” في تصريحات لقناة الحدث أن خطاب البرهان يحمل القوى السياسية مسؤولية الوضع، وأن الشارع يطالب بسلطة مدنية وليس حكومة مركزية.
أما الحزب الشيوعي السوداني، فقال إن خطاب البرهان يؤكد ما تردد حول التوصل لتسوية بين بعض الأحزاب والمكون العسكري – بحسب قناة الحدث؛ في الوقت الذي رحب فيه حزب الأمة والحزب الاتحادي الديمقراطي بالبيان.
وبينما اعتبر الكاتب السياسي محمد عروة خطاب البرهان مناورة لتفادي السقوط المحتوم وأن على القوى السياسية اهتبال الفرصة لتوجيه الضربة القاضية، قال وزير الصناعة والتجارة السابق في الحكومة الانتقالية، وعضو تجمع القوى المدنية مدني عباس مدني، تعليقا على خطاب البرهان إنه “مليء بالتكتيك السياسي ومحاولات إرباك المشهد المتعمدة”، ويضيف أنه لا يعبد الدرب لتحول ديمقراطي ولا انتخابات نزيهة، ووصفه بأنه محاولة لذر الرماد في عيون الداخل والخارج، والخروج الظاهري عن مشهد السياسة بما يتيح للإسلاميين الخروج الى المشهد، وبدلاً عن المحاسبة يصبحون لاعباً سياسيا جديدا يعبر عن ذات المصالح الانقلابية، ومن ثم يوحي المكون العسكري بخروجه من المشهد ليضع نفسه في خانة المتحكم في الأمن والدفاع.
البيان الذي تلاه قائد الجيش – يضيف مدني – لا يبتعد كثيرا عن محاولات البرهان السابقة لتحويل الصراع من حقيقته، كصراع بين معسكر التحول المدني الديمقراطي، ومعسكر الانقلاب على التحول الديمقراطي، ويتابع: “يريد البيان إقناعنا والعالم أن هنالك صراعا بين القوى السياسية المدنية، وأنهم مترفعون عن هذا الصراع، في الحقيقة معسكر الانقلاب الذي تم في ٢٥ أكتوبر من العام الماضي تقوده الأطماع العسكرية والاقتصادية بالإضافة للحركة الإسلامية ذات النفوذ المتغلغل في المؤسسات الاقتصادية والمؤسسات العسكرية والأمنية، وهي صاحبة المصلحة العليا في الانقلاب، أما الحركات المسلحة مع اختلاف أدوارها تجاه ازمه الانقلاب إلا أنها ليست الطرف إلرئيسي فيه”.
وطالب مدني بالخروج غير المشروط للمؤسسة العسكرية من العملية السياسية، وبالتأكيد خضوع الأجهزة الأمنية والعسكرية لقيادة مدنية ديمقراطية، المحاسبة لرموز وقيادات نظام البشير، والمحاسبة ضد كل الجرائم التي ارتكبت بعد ١١ ابريل.
وربط مراقبون بين زيارة البرهان أمس إلى مصر – التي وصفت بالسرية – وبين خطابه اليوم، فالرجل المدعوم إقليميا – بحسب ما تشير أصابع اتهام – من الثلاثي: مصر والسعودية والإمارات، لم يستطع حتى بعد ثمانية أشهر من الغرق في لجة انقلابه من السيطرة على مقاليد الحكم في البلاد.
واعتبر محللون أن أية تدابير لا تضع المؤسسة العسكرية والأمنية تحت سيطرة السلطة المدنية لا يُعتد بها، وأشاروا إلى أن البيان مفخخ بمفردات من مثل (المكونات الأخرى) و(جميع مكونات الشعب) وهي جمل فضفاضة تحتمل إرجاع المؤتمر الوطني إلى المشاركة السياسية في المشهد، إضافة إلى أن البيان وعد بحل مجلس السيادة بعد تشكيل الحكومة التنفيذية، دون توضيح أي آليات أو القوى السياسية المقصودة التي ستشارك في تشكيل الحكومة.
عموما يبقى المشهد السوداني قيد التكهنات خصوصا مع المراوغة التي صارت سمة ملازمة لحركات وسكنات العسكر.
مداميك