تحليل سياسي: حركات “بتاعة حركات” في الحوار الوطني

غني عن القول ان هنالك اهمية بالغة يوليها النظام الحاكم في السودان للحوار الوطني ليخطو نحو المستقبل خطوات مغايرة للتي سار بها لأكثر من ربع قرن من الزمان بعد أخذه السلطة، كل السلطة، أخذا بالقوة فجر 30 يونيو 1989. ولا يختلف اثنان ان الحوار المطلوب مفترض أن يكون متعدد الأطراف بالمعنى الحقيقي لذلك، ليضم اليه الجميع تطبيقا لشعار “وطن يسع الجميع” ويا لها من اهزوجة تبعث الأمل. ولكنه، اي الحوار الذي يجري بقاعة الصداقة منذ وقت ليس بالقصير، ليس جامعا ولا يحزنون ولم يحقق الشروط اللازمة ليكون جامعا شاملا، بل طال واستطال واثبت انه خطط له ان يترهل في الزمن لتحقيق اختراق ما، ولو في الساعة الخامسة والعشرين، الامر الذي قد لا يحدث، ومع ذلك القصد من اطالته أن يلتحق على الأقل أحد الأطراف الغائبة، ترغيبا “بظروف جاااااهزة” او ترهيبا بسياسة مجربة لشق الصف.
إن الحوار الذي يجري ناااااااقص حتى دون الشروع في حساب الغائبين على أصابع اليد الواحدة، لا كما فعل منظمو الحوار الذين احتاجوا للحسابة الخشبية المعروفة يعدون بها المشاركين الذين لبوا زرافات ووحدانا وجبات الحوار بقاعة الصداقة، ويلبون عادة دعوات النظام بتلك القاعة الرئاسية في القصر الجمهوري، او بصالون بيت الضيافة الفسيح، فيضيق بهم المكان لكثرتهم وخفتهم.
كيف يكون هنالك حوار جادا يحدث في سوق للكلام دعى النظام معارضيه ليؤموه مع حزبه ولكنه فخخه بالمؤلفة قلوبهم الذين يملأ بهم القاعة ويسرق بهم الزمن ويأخذ معهم الصور واللقطات المتلفزة ليسوقها داخليا وخارجيا، وحينما يعود اليه صدى السيناريو الذي عمل به على ترقيع عبايته السوداء بخيط ابيض، يصدقة في مهزلة شبيهة بمهازل بن علي والقذافي ومبارك وعلي صالح والبقية مصطفة؟
بعيدا عن حزب مولانا محمد عثمان الميرغني الاتحادي الديمقراطي صاحب بدعة المشارك الغائب، ومؤتمر الترابي الشعبي وصنوه مؤتمر البشير الوطني، فان بقية الاحزاب غاااااائبة عن الحوار الذي يجري بقاعة الصداقة. هذه مسألة ثابتة وما عداها متحرك، وتلك حقيقة يدركها الناس ولا يريدون قولها استهبالا لمصطلح الاقصاء وابتذاله، وبالتالي تنجح سياسة لم الاقرع والشايب في مهرجان استعراض افضل تسريحة شعر رأس فتصبح السخرية سيدة الموقف وعلامة بارزة على البيع قلع في سوق سياسي مضروب العملة.
ليس هنالك حوار جامع يسع الكل في غياب احزاب المعارضة من الداخل ممثلة في حزب الأمة بزعامة الصادق المهدي، وأحزاب اليسار، ويا للمفارقة تنظيمات انسلخت من الحزب الحاكم نفسه وقاطعت دعوته وعافت حواره في وجبته الدسمة بعد أن تعاطت المشهيات. ان الأحزاب الغائبة، منفردة ومجتمعة، احزاب كبيرة ومؤثرة، وبدونها كل فعل سياسي قومي يصبح ناقصا مهما تصفح من يختلف معها نتائج اقتراع لم تملأ أعين من نظمها. وضمن الذين اختاروا الغياب، هنالك الحركات المسلحة الحقيقية المنضوية تحت لواء الجبهة الثورية، فسجل منظمو الحوار بدلا عنها حركات لا اول ولا اخر لها عملا بما يعرف بتشتيت الكرة حتى ينتهي زمن المباراة، فاطلقوا صافرة الجمع لحركات “بتاعة حركات”، مناديبها كانوا بحسب قول احدهم متواجدين في اسواق الفاشر والجنينة ونيالا في انتظار ما يقلهم للخرطوم حيث الطيارة تقوم والرئيس ينوم ليلتحقوا بمكانه ويسمعوه صدى صوته لمدة ثلاث دقائق اتاحها الرئيس البشير لكل مشارك.
في المرة القادمة نكتب عن مخرجات الحوار المنتظرة ولا نتسرع ونقول عنها قول غير طيب، وإنما نتوقع أن تكون طيبة المذاق والطعم سهلة الهضم، وستكون كأفضل ما تكون النهايات في الاحتفالات مع التبريكات والهتافات وهلمجرا من ذلك وغيره من المشتقات والمترادفات، ولكنها مع ذلك، ولأنها بنيت على ما يعتبره الطرف الغائب باطلا وخرجت من حوار لم يشارك فيه ويستطيع أن يحدد الكثير من عواره، لن تؤدي إلى ما يجب أن يحققه حوار وطني حقيقي: هدأة نفسية. وقف الصراع والنزاع فيما لا جدوى منه. وضع حد لمعارك في غير معترك. وأخيرا وليس آخرا، وقف الحروب وتحقيق السلام بمجرد ان تبدأ العدالة تأخذ مجراها ولو بالاعتراف والمصارحة والحقيقة وبالتالي العفو عن طيب خاطر. وبعدها، فإن عهد إقالة العثرة يبدأ حقيقة، وطريق التنمية ينفتح له باب والف باب، بإذن الله. والله من وراء القصد،،،
[email][email protected][/email]