النظام والجرائد

كثير من الزملاء توقفوا عن الكتابة في الشأن السياسي، وبعضهم اتجه للكتابة في الشؤون الثقافية والرياضية والفن، وذلك لما أصابهم من إحباط وخيبة أمل لشعورهم بعدم التأثير على الواقع … بعض هؤلاء يئسوا من الإصلاح لما أحسوا بمحدودية أثر كتاباتهم، وبدا بعضهم مثقلاً بسحب الإحباط التي استمطرتها أقلامهم أحرفاً متشائمة يبدو معها المشهد أسود ذا قتامة ..
والبعض تثاقلت همتهم لما رأوا حالة الضيق والاستعداء والتربص بالصحافة المستقلة وملاحقتها..
لكني أقول الصحافة بخير، والدليل على ذلك استمرار الكيد السلطوي عليها والإيقاف والمصادرات و”المجازر” الجماعية” والتضييق على الأقلام الحرة ابتغاء إيقافها وتشريد أصحابها، وقطع مصادر عيشهم…
للزملاء المحبطين تقديراتهم في تقييمهم للموقف ،لكني على يقين راسخ أن الصحافة السودانية لعبت دوراً مهماً في الضغط على النظام وتوثيق أخطائه وإخفاقاته السياسية والاقتصادية والأمنية منذ أن سمحت السلطات بالترخيص لصحافة مستقلة، ولما تنشره من تحقيقات خاصة بقضايا الفساد…
أثر الصحافة في الإصلاح لم يكن ضعيفاً، بل العكس تماماً غير أن هذا الأثر لم يظهر على النحو المطلوب، وذلك لسبب واحد وبسيط جدًا وهو أن النظام كمنظومة حكم ظل ينظر إلى النشر الصحفي على أنه عمل منظم ومخطط له يستهدف إسقاطه، وهو شعور وهمي سوقته شبكات الفساد لدفع النظام لحمايتها والدفاع عنها مما خلق حساسية مفرطة لدى النظام تجاه الصحافة، وهو أمر أعطى الانطباع بأن النظام يحمي الفساد…
وطبقاً للمفاهيم أعلاه تجد الصحافة المستقلة والأقلام الحرة متهمة دائماً بمحاولة (تقويض النظام الدستوري، والتحريض، وبث الكراهية..الخ…) وذلك عندما تتجرأ وتكتب عن بعض أصناف الفساد أو دخلت المناطق المحظورة والقلاع المحصنة، وكذا عندما “تهبش” بعض الجهابذة والأباطرة ، فإن المساس بهؤلاء يعني المساس بالأمن القومي، ويعني الارتزاق والعمالة للصهيونية والإمبريالية والخيانة للوطن وهذه كلها “تدابير” استقوى بها الفاسدون والمتسلطون، الأمر الذي يتراءى مقللاً من فاعلية دور الصحافة في الضغط على النظام والإصلاح السياسي والاقتصادي، لكنه لم يضعف دورها ولم يجعلها في يوم من الأيام هشة أو بلا أثر كما هو الحال عند المعارضة السودانية التي لم يعمل لها النظام أي حساب ولم يلق لها بالاً، وذلك من شدة الضعف والخوار الذي تعانيه..
خلاصة القول إن الصحافة على الرغم من التضييق الأمني والمصادرات والإيقاف المتواصل والملاحقات الجنائية القضائية والظروف الاستثنائية إلا أنها لعبت دوراً مهماً في كبح جماح النظام وصمدت في انتزاع حقوقها في التعبير والحرية في ظل ظروف استثنائية كهذه .. إذن فلا داعي لليأس والإحباط فالصحافة بخير.. اللهم هذا قسمي فيما أملك…
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين..
الصيحة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..