جنوب السودان: الحلم والكابوس

عندما تمت مراسم الاحتفال باستقلال جمهورية جنوب السودان في يوليو 2011 كانت البلاد تعيش حالة من البهجة والسعادة البالغة والتطلع نحو أفق مشرق بعد حرب طويلة بين الحكومة المركزية في الخرطوم والحركات المسلحة في جنوب السودان. وقد حق لشعب جنوب السودان أن يعبر عن سعادته البالغة بالمناسبة فقد كان الاحتفال إيذاناً بنهاية صراع طويل امتد لأكثر من نصف قرن وكلف الجانبين الكثير من التضحيات سواء على مستوى فقدان الأرواح أو تعطيل فرص التنمية وبصفة خاصة في الجنوب الذي كان مسرحاَ للحرب. كان من حق شعب جنوب السودان وقد وضعت الحرب أوزارها أن يتطلع نحو مستقبل مشرق يتمكن أبناء جنوب السودان فيه من تجاوز تركات الماضي من خلافات قبلية ومآسٍ ناتجة عن الحرب الطويلة ، والعمل من أجل تحقيق التنمية الاقتصادية التي كانت الوسيلة المرتجاة لتعويض المواطن الجنوبي عن المعاناة التي عاشها خلال سنوات الحرب. غير أن الرياح لا تأتي دائماً بما يشتهي ربان السفينة أو ركابها.
لم تمض سوى سنوات قليلة على استقلال جنوب السودان حتى اندلعت داخل البلاد نيران حرب أهلية طاحنة أدت إلى دمار هائل ووقفت حجر عثرة أمام تحقيق الوحدة الوطنية. لخص رئيس جمهورية جنوب السودان السيد سلفا كير موقفه من الأزمة التي تواجهها بلاده عندما طرح سؤالاً واضحاً وصريحاً حيث أشار في تصريح نقلته وكالة أنباء “آفريكا نيوز” إلى موقف مناوئيه قائلاً: “إنهم يطالبونني بالاستقالة بعد توقيع الاتفاق المقترح مباشرة. ما الذي يحفزني إذن لتوقيع اتفاق للسلام إن كان ذلك يعني أنني سافقد وظيفتي؟” مما لا شك فيه أن تصريح الرئيس سلفا كير الرافض لمغادرة كرسي الرئاسة يعكس جانباً مهماً من طبيعة الأزمة التي تعاني منها البلاد والتي تتلخص حسب تصريح الرئيس في هذا النزاع حول السلطة بينه وبين مناوئيه ، وهو النزاع الذي تزيد من حدته بالطبع القبلية وضعف أواصر الوحدة الوطنية في جنوب السودان ، فبالرغم من الحرب الطويلة مع الحكومات المتعاقبة في الشمال فإن القيادات الجنوبية عجزت حتى الآن عن تحقيق هذه الوحدة ، مما جعل رفقاء الأمس أعداء اليوم بعد غياب العدو المشترك. ولعل مما يؤكد أن الأزمة قد بلغت مداها ووصلت إلى طريق مسدود قرار الوسطاء مؤخراً بالاعلان عن تأجيل الاجتماع الذي كان من المزمع عقده في العاصمة الإثيوبية الأسبوع الماضي دون الإعلان عن موعد جديد لاجتماع بين الطرفين مما يعني أن على المواطنين في حنوب السودان أن يواصلوا التعايش مع هذه الأزمة التي لا زالت تراوح مكانها ، والتي لا يلوح في الأفق طريق للخروج منها.
محجوب الباشا
[email][email protected][/email]