مقالات سياسية

نظام السودان الاجتماعي ووحدته الوجدانية

بسم الله الرحمن الرحيم

نظام السودان الاجتماعي ووحدته الوجدانية

نحن في حاجة لمواجهة تلك الحقائق، والتماس العلاج الناجع لها، فوحدتنا القومية الحق الذي لا يحتمل شكا ولا جدال، أنها باتت تعاني من الضعف والفتور، وهزال هذه الوحدة لا يحتاج منا إلى بحث أو استقصاء، فعللها واضحة مسرفة في الوضوح، ولعل الأسباب التي قادت لأن تكون هذه الوحدة ضعيفة واهية، هو قصور عقلنا الجمعي لتصوره للأشياء ء وقضاءه فيها، فنحن حتى نستعد للنهوض بهذه الاعياء، وتحمل تبعاته، ينبغي أن نقر أن هناك  عللا أخرى غير هذه العلة الظاهرة، التي تتمثل في حروبنا المستمرة، فالحرب سببا سهل على الألسنة اجتراره، ويسير على العقول التفكير فيه، كلا ليست الحرب التي نعتبرها مصدرا للكثير من المشقة التي تواجهنا الآن في حياتنا الحاضرة، هو العامل الذي أدى لانحسار وحدتنا الوجدانية وتراجعها، ليست الكريهة هي التي أضعفت صلاتنا، و مزقت لحمتنا، وضعضعت تكاتفنا، وقوضت نسيجنا الاجتماعي، هذا الاضطراب الذي بات هو السمة الواضحة لمجتمعنا السوداني، يحتاج منا إلى رقي وتقدم وجهاد، وحتى نجتثه من شأفته، ونجزه من منبته، نحتاج فعلا لأن نلجم هذه العاطفة وهذا الشعور، في حالة السلم أو الخصومة، ونستبدلهما بالحكمة والروية، ففي اعتقادنا أن تأثرنا بالحس والشعور، هو سبب كل هذه  المصائب التي لم يعد يختلف مقدارها باختلاف الأفراد والبيئات، إن تماهينا مع القبيلة ومثلها وأعرافها، وتجاوبنا الدائب لها كلما رفعت عقيرتها بالنداء، لم يضعف بعد أو يتضاءل، فنحن ما زلنا نخضع لها، كما كان غيرنا يخضع لسلطانها على وجد شديد، ورغبة جامحة،  فمن “السخف، وهراء القول، وفاتر الحديث” كما يقول أديب مصر الضرير، أن نزعم أن عاطفتنا في السودان ظهرت عليها مظاهر الحدة والحرارة والصدق، ظهورا قويا عنيفا،  ونحن أسرى لهذه الجوائج، ولكن بان دفق هذه المشاعر، ولاحت ضخامة تلك الأحاسيس، حينما تداعت جموع الناس ملبية نداء قبائلها، وانتظمت في تلك النفرة الشعبية الهادرة لمجابهة خطر عربان الشتات، ولكن الحرب التي انطلقت منذ أكثر من ثمانية أشهر في عاصمة البلاد وفي غرب السودان، ظل الناس يشهدون وقائعها في ترقب وحذر، وينتظرون في ضجر،أن تنجلي غمرتها بانتصار الجيش، تفاعل الناس الآن مع تلك الحرب التي لا تأصرها آصرة، مرده إذن التفات الوجدان لنداء أطلقته قبيلة من القبائل، وفي الحق أن مثل هذه النداءات على كثرتها، غنية بالحب، ولا يتردد أتباعها في تلبيتها في تهافت وحرص، على ضوء ذلك نستطيع أن نزعم في يقين واطمئنان، أن نفوذ القبيلة لن يناله ضعف أو خمود، إلا إذا بات حبنا للسودان لا تشوبه شائبة، فالوطنية الصحيحة تقتضي أن يكون حبنا لأوطاننا أسمى وأرفع حتى من حبنا لشخوصنا وعائلاتنا، الوطنية الصحيحة التي نحتاج لأن نفهمها، ونقدرها، ونخلص لها، يجب ألا تنهكها الخصومات السياسية، أو تعصف بها الآثرة وحلل الانتهازية، أو تودي بها المنافع والطموحات الشخصية، بل يجب  أن تكون عروتها باقية قوية، ومكانتها بارزة في ناحية من نواحي قلوبنا، الوطنية الصحيحة من المهم حقا أن تعجز الأيام وأحداثها لاضعافها أو النيل منها.

نحن نظهر هذا الحزن العميق، لأن مآسي السودان وخطوبه التي يتبع بعضها بعضا،في نزف شديد، وسرعة غريبة، تلزمنا بأن نعيد التفكير في كل ما يتصل بنظامنا الاجتماعي، وبكل ما يحيط به من ظروف، فنحن نعتقد أن هذا النظام هو الذي ورطنا في كل تلك الآثام التي نسرف في ارتكابها، دون أن نكلف أنفسنا عناء التفكير فيها، ولعل القول الذي ينم عن الحق، أن هذا النظام هو الذي قادنا لئلا نعيش تلك الحياة الهادئة الوادعة التي يعيشها غيرنا من الشعوب، هو الذي جعلنا نبغض بعضنا بعضا، ويحتقر بعضنا بعضا، ويكيد بعضنا لبعض، إن الأمر الذي يجب أن نمضي فيه دون روية أو تفكير، هو السعي لتغيير هذا النظام البغيض الثقيل، الذي يدعو إلى الشر، ويصد عن الخير، ولا تذعن فيه شرائحه ومكوناته، لتضامن وجداني عريض، إلا إذا نزلت بها غاشية، أو ادلهمت بها الخطوب، نعم يجب أن نحتال في تغيير نظامنا الاجتماعي الذي يعلي من سقف القبيلة، تلك القبلية التي توارثناها، وخضنا في لججها، بحكم تربيتنا وأمزجتنا والمحيط الذي نعيش فيه، قد آن الأوان للتحرر من قيودها، يجب أن ننكرها ونسرف في الانكار، لأنها هي التي تجعل كل فرد منا ينظر لغيره نظرة ازدراء واحتقار، هي التي  قادت في واقع الأمر، قوات الدعم السريع تخرج من التعريض إلى التصريح ببغضها للشمال، ولإنسان الشمال، ومما لا يند عن ذهن، أو يلتوي على خاطر، أن صراعتنا القبلية تجعل الأمبريالية سعيدة مغتبطة، تصفق بيديها في جزل وابتهاج، لأنها تحقق لها ما تبتغيه ، فالغرب الذي تطربه خصوماتنا وتعنيه، عمد في رفق ولين لاذكاء عبقها النتن، وحرص بسياساته المعتسفة ألا ينغمس السودانيوان في حب صريح لأطيافهم، إن نظامنا الاجتماعي الذي نركن إليه، ونلوذ به، ونحتمي به من كل شيء، هو العامل الذي قاد لأن تنقطع وتيرة صلاتنا بالجنوب الذي كنا نتخذه موضوعا للعبث وللسخرية، فجنوبنا الذي نتحرق شوقا لموعد عودته، لم يزّور عنا هذا الازوار، ويستعصم بهذا الاباء، إلا بعد أن أعيته ضروب التهكم والاستخفاف، زهد الجنوب في بقاءه معنا، بعد أن عجز الساسة وعجزت الأحزاب، لادراك شيء يسير الفهم والتعليل، أن الجنوب الذي يجاهدونه ويصارعوه، كان يبتغي منهم فقط العدل والانصاف، والدفع بسبل التطور في مجتمعاته المتباينة،  إن حقيقة انفصال الجنوب التي يدور الناس حولها، ولا يحسنون تصويرها، أن اسئثار بعضنا بالسيطرة والسلطان،  والتقدير والحكم، ضاعف من شعوره وانفعاله السريع، واحساسه بأن الشمال لا يقدر اختلاف بيئاته ولا ظروف حياته، فمضى الجنوب بعد صراع مرير إلى حال سبيله، ونحن إذا ظللنا على عمانا هذا، ولم نستشعر اختلاف البيئات بذوقها وثقافتها، ستسخط علينا دارفور أشد السخط، وسيسخط علينا أهالي النيل الأزرق أشد السخط وأعنفه، فقد أخبرتنا وقائع الدهر أن أي حادثة لا تقع إلا وقد سبقتها علة، وعلل تشرذم مجتمعنا هذا وتفككه، هو نظامنا الذي لا يرضاه الدين، و تأنف منه الأخلاق.

وحتى نلخص حديثنا هذا، وندع هذا الاستطراد والتفصيل، نقول أن نظامنا الاجتماعي الذي يجب أن نتفانى في طلبه، هو النظام الذي لا يتعارض مع الدين وقيمه ومسلماته، ولكي نكفكف هذه الدموع التي تنهمر، ثم تستحيل إلى زفرات حارة، ونحيب لا ينقطع، علينا أن نخفف لوعة حزننا بتنمية وجداننا المشترك، الذي يظهر شيئا من الجزع غير قليل، إذا أقامت الدواهي بناحية من نواحي قطرنا الكبير الممتد، علينا أن نفكر ونطيل  التفكير، في تشحيذ وحدتنا الوجدانية التي واهما من ظن أن تفعيل أسبابها  يكون في مدننا، وقرانا، وشوارعنا، وأسواقنا وحوانيتنا، ضخ الدماء في شرايين تلك الوحدة لا يتأتى إلا إذا كانت جذوتها قوية دائما، عنيفة دائما في أفئدتنا، وهذا لن يتحقق إلا إذا أظهرنا خضوعنا للسودان، واحتفينا بعنصره، و حرصنا على عقولناوأحلامنا التي تدعونا لأن نطيل رفع بصرنا إلى السماء، ونتدبر في كنه الأشياء وجوهرها، ستلتئم جراح وحدتنا، إذا تمسكنا بأهداب الدين الخاتم، ديننا الإسلامي الذي يدعو إلى الحرية والعدل والمساواة

د. الطيب النقر

‫7 تعليقات

  1. لم تكن المشكلة مع الجنوب التي ادت الي انفصاله هي غياب الوحدة الوجدانية او ضعف التعاطف الاجتماعي مع محنة الجنوب او حتي الاستهزاء والاستخفاف والنكت السخيفة المتداولة روتيناً بين الشمالين يا دكتور الطيب النقر.
    المشكلة كانت اكبر من هذا بكثير .. قليلاً من الاحصائات لتقريب الصورة:

    هل تعلم ان حرب الجنوب او الحرب الأهلية في جنوب السودان الاولي والثانية 1955-1972 و1983-2003 راح ضحيتها ما يزيد عن مليوني مواطن سوداني جنوبي، وأعدادا أخرى لا تحصى من الجرحى ..

    وهل تعلم ان المجازر وحرق القري والاستباحة والاغتصابات الجماعية كانت من المميزات الاساسية لحملات الجيش في الجنوب، مجازر اصبحت شئ عادي وفي عداد الروتين بين عساكر الجيش !!

    الدرس الذي استوعبته القوي السياسية والعسكرية من تجربة هذه الحرب اللعينة ان ذات القوي التي كانت تسنفر للجهاد في الجنوب حتي بذات الشعارات وذات الكتائب الجهادية تقف الآن وتشعل نار النعرات القبلية مثلما فعلت يا دكتور النقر في مقالك السابق لهذا ..
    وما كل مرة تسلم الجرة والدخول في الشبكات الخ الامثال الممجوجة … هذه المرة اتنبر وانفخ بكير نار الحرب وتحدث المارد الذي استيقظ فهذا شانك ولكن لا تعود الينا بعد ان تحصد العاصفة للتباكي …

    فالحرب هي الحرب موت ودمار وقتل وتهجير ونزوح قد رأينا من قبل الجنوبين النازحين بالآلاف والاثيوبين والدارفويين حتي بدأنا اليوم نذوق حنظل زرع الكيزان من اشعلوا هذه الحرب ووعدوا الناس بحسمها في ساعات او ايام ليعودا الي سدة الحكم …

    السياق يا دكتور الطيب النقر اهم شئ في مناقشة هذه الامور وليس الاستفاضة الانشائية عن الوجدان الجمعي !!

  2. إبن الدمازين اخونا الطيب عبدالرازق النقر … آخر عهدنا به كان استاذ في كوالالمبور- ماليزيا الجامعة الاسلامية العالمية ،
    وجزء من الحركة الاسلامية او حسب المصطلح “كوز”..
    ومن ذلك المأمن الماليزي -اذا لم يغادره الي قطر او تركيا- مع كوكبة الاسلامين السودانين … يكتب ويحرض ويحث ويحرك النعرات ويصب الواااقود في نار الحرب !!

    يأتي وبكل هدوء الضبع الاسلاموي المتخفي يعظ الناس عن اهمية التكاتف الوجداني ووحدة التضامن الاجتماعي مستشهداً بتجربه الجنوب الذي فصلوه بجهادهم الفطائسي علي حد قول شيخ الترابي !!
    اعظ نفسك يا دكتور فانتم في محنتكم هذه الايام في امس الحاجة الي سماع صوت العقل والوعظ والعبرة والاتعاظ …
    كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا يا مولانا !!

  3. شوف الكيزان، وبعد أن اندرشوا درش العيش في الواطة، جايين يتكلموا عن الوحدة الوجدانية والتواصل الروحي والانسجام الرومانسي … بس الخوف، كل الخوف أن يبدأوا في الكلام عن التلاحم الحاج نوري

  4. 😎 المدعو النقر لا يدعو للتلاحم الوطني بحديث يفتتح مقاله باسم الله الذي هو اله المسلم فقط في وطن يوجد فيه الوثني و المسيحي و اللا ديني فهل يا سيد النقر انت جاد فيما تدعو ام انك احد مدلسي الاسلام السياسي الدين تمت دكترتهم في جامعات الكيزان بموضوعات مثل فوائد بول البعير 😳

    لماذا لم يخبرنا النقر عن كيف تم انشاء كل هذه المليشيات بما فيها مليشيا الجنجكوز بواسطة البني كوز اذا كانوا فعلا يخافون على الوطن و نحن نعرف ان كبيرهم الينا قد قال لهم ان الوطن وثن😳😳

    ابشر النقر ان الوطن قد ضاع و انمحق بواسطة جراد الصحراء الافريقية الدين يتبعون ارشادات السيرة المحمدية عن كيفية غزو الشعوب المسالمة و سلبها و نهبها و سبي نساءها فاذا كان النقر مخلصًا لدينه فما عليه الا اتباع فتوى شيوخ الاسلام بضرورة مبايعة الامام المتغلب الذي هو الأمير دقلوشه في هذه الحالة 😳🥺

  5. انت تدخل بغضك للاسلام فى كل تعليق نحن لانصدق ترهاتك ونعتز بى ديننا وسيرة النبى العطرة وانت نكرة جاهل مخدوع من الملحدين امثالك

    1. 😎 اذا كنت ادخل الاسلام في كل تعليقاتي جزافا فانت على حق في انتقادي اما اذا كنت انتقد الاسلام من وحي ما كتب الكاتب او المعلق فانت مخطئ كمعظم معتنقي الاسلام الطقوسي و هم اهلي و احبابي و معتنقي الاسلام السياسي كل من منطلقه الخاص😳

      اذا كنت لا ترى فائدة من فضح الاسلام السياسي لما سببه من دمار لوطننا فانا و انت لن نتفق على اي شيئ و لو ان الاسلام هو الحقيقة المطلقة فلما تخاف عليه من نكرة مثلي يسكن مجاهل افريقيا 😳😳

    2. 😎 بالمناسبة يا سيد بابكر ذو الاسم العرب افريقي انت عند المسلمين الاوائل لم و ان تكن اكثر من مؤذن لا تستحق قيادة جحافل اللصوص الجوعي المال و النساء البيض فقط و وجودي اشخاص مثلي على صفحات الراكوبة التصدي لهم سيتيح لك اكتساب مزيدًا من الحسنات تكفل لك جنان الرحمن حيث ستكون مشغولا بافتضاض الأبكار, على ضفاف الأنهار, تحت ظلال الأشجار, ووقع الأوتار, في رعاية الواحد القهار😳😳

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..