السائحون (الإنقاذ موديل ق.م.)..

أنت تعرف الخدعة التى تحكى عن تاجر آثار استطاع أن يغش زبائنه بأن باع لهم عملات مزيفة مكتوبا عليها (سنة 250 ق.م).
بالتأكيد هي نكتة لأن الناس قبل الميلاد (ق.م) لم يكونوا يعرفون أنهم قبل الميلاد. ولكن عليك معرفة العبرة قبل أن تسخر من التاجر الأحمق والزبائن السذج.
لا تقل لي مجددا من أين أتى هؤلاء!. ها هم الآن يشرئبون بأعناقهم في الساحة السياسية التي يعتبرونها سوق للنخاسة وهم تجارها، ليُسوٍقوا للآثار المزيفة بأنهم العملة النادرة وندفع نحن مجددا الثمن الباهظ.
ماهو سر جقلبتهم وتململهم في الشهور الماضية وقد كانوا من اليوم الأول منذ إغتصاب الوطن جزءا لا يتجزاء من هذا النظام المنقرض الذي ما يزال يمسك بأظافره الميتة كل التفاصيل. فما كانوا إلا أداة لتسييح السيخ. بل وكانوا هم من ضمن حراس السجن الذين أذاقوا فيه المواطنين الويل من أقصى وأقسى صنوف الذل والهوان والتشريد والتقتيل والقمع والإرهاب. ما هو سر نواح ربات الخدور الباكيات.
إذا تجاوزنا لهم مشاركتهم، ما هو هدف هؤلاء السائحون؟، أو الهائمون أو الضائعون؟ أو الراقدون مع أخوانهم علينا. ليس عندي شك في التاجر ولا البضاعة المضروبة والآثار المزيفة.
هي إذا الدولة الدينية مجددا. أي تجريب المجرب وإعادة الفشل. يريدون تبديل الثوب الديني للدولة الذي لبس ربع قرن وألهب الدولة وسبب لها الحساسية وتمزق. لا أستطيع تصديق أنهم يريدون إبداله بثوب مثله ليمزق ويتمزق. فمتى يفهمون أن هذا الثوب لا تستطيع أي دولة إرتداءه لأن فيه تحل التراتيب الدينية محل القانون والمواطنة. فيصبح الشيخ -وإن كان جاهلا- أعلى منزلة من المفكر ولو كان عالمًا، ويصبح الرجل -وإن كان كسولا- أفضل من المرأة ولو كانت دؤوبة، ويصبح المسلم -وإن كان مجرمًا- أولى من (الكافر) ولو كان شريفًا، ثم يصبح الإسلامى أهم من المسلم، والسلفى أهم من الوسطى، وكلاهما أهم من الصوفى، وهكذا فى دوامة لا تنتهي إلا بالمواجهات الشعبية. وبالمعنى، ليست دولة قانون وإنما دولة أي كلام، تعتمد على النص الديني الذي يحمل عدة تأويلات، قد تقاتل فيها الصحابة أنفسهم.
وعلى العموم إنهم يريدون الحفاظ على الكرسي والقصر بالجهاد بأرواحهم. فتجدهم بالجهل يلمعون الوهم ويبرزون آلهة أخرى ولا سيما (عسكر سياسية) لتحمل على الأعناق لتجلس في الكرسي وتسكن خلف القصر مجددا. وعندما يكتشف الزبون أن العملة الوطنية مزيفة ويبلى الثوب يأكل إله العجوة في حركة أشبه بالوثنية الجاهلية. وهي ليست وثنية عادية، لأنه لم يجر عليها ما جرى على غيرها من تطور دينى – أخلاقى (كالبوذية مثلا إن اعتبرتها كذلك)، إنما يستحضر هؤلاء الدين كما كان فى عصوره السحيقة. هذا أحد أسباب سماعك لمصدومين كل يوم يرددون العبارة الشهيرة: (هذا ليس الإسلام الحقيقى، هؤلاء لا يمثلون الإسلام). وليتها تبقى على قناعتهم بأنه ليس هذا هو الإسلام لكيما يدخلوا في دائرة الشرك والإلحاد والعياذ بالله. فإذا اتى السائحون سياتي بعدهم البائعون، كل أمة تلعن اختها وتقول هذا ليس هو الإسلام الحقيقي.
أما سر سذاجة الزبون أنه لا يعلم أن ما كان يظنه (الدين الحقيقى) ما هو فى حقيقة الأمر إلا نتاج تطور الدين والأخلاق معا عبر الزمن. فلم يكن لدى المسلم القديم غضاضة فى العبودية والغزو وزواج الجواري. وبما أننا لم نعد فى العصور الوسطى، فقد ولد مسلم اليوم وقد إنتهت العبودية أو لم تعد مقبولة ولم يرى فى حياته سوقًا للجوارى ولم يرى أن المسيحى مثلا يساوي نصف دية المسلم. فعندما يرى أولئك يعيدون الطبعة القديمة من الدين -المرتبطة بأخلاقيات ومعارف زمانها- والتي لا تتماشى مع العصر، فإنهم يبدون أمام المؤمن الحديث كأنهم جاؤوا بالشر ذاته، فيبدأ الصدام بين العقل الحجري والجاهلي والعصور الوسطى والحديث.
وفي الصدام يتضح أنهم لا يعترفون بما يسمى حقوق الإنسان، وحقوق المرأة، المواثيق الدولية، إلخ. ولكن كل هذه القوانين يقبلونها على مضض. فتجد أن الديمقراطية لديهم وسيلة (كما الفوط الصحية التي تستخدمها النساء- كما ذكر سائح وهو يناشد القوات المشلعة الإنضمام للشعب!!). لم يسمعوا عن قبول الآخر ?إذ أمرهم شورى بينهم (أي بينهم هم فقط)-، وإذا سمحوا للآخرين فتجدهم يكذبون ويعتدون ويحنثون بالعهود، وهم فى كل شرورهم يقولون إنهم يمتثلون للإرادة الإلهية!!، فيبدون كأهل الديانات القديمة التى كانت تؤمن بوجود آلهة للشر تأمر فتطاع، وتُقدم لها القرابين والأضحية البشرية بلا سؤال ولا تفكير كى ترضى. وذلك كما فى عصور ما قبل الميلاد.
لن يحدث ما يصبو إليه السائحون فقد كشفت الخدعة أنهم يريدون الدخول من الباب الخلفي للعصر الحديث لكن من جهة العصر الحجري هذه المرة. ولكن إذا كله عند العرب صابون فكله عند أهل السودان إسلاميون.
لا أثتثني منهم أحدا. نفس المكنات القديمة ولكن تقسيمتها الآن بالتباكي والعويل ولكن بصيغة مختلفة كلابد من دستور ثابت يحتكم إليه، والقضاء على الفساد والمفسدين، ورفع شظف عيش الناس وضنكهم..
أنظر إلى غايتهم وهدفهم من كل هذا. فما يكتبون هو إسقاط النظام ولكن ما بين السطور إنهم يريدون إعادة العصور. وليس إنقاذ 89م ولكن إنقاذ ق.م الذي ألعن وأضل سبيلا. بإختصار إنهم طواغيت…
مع هؤلاء لا تحلموا بعالم سعيد…فخلف كلّ قيصر يموت : قيصر جديد.. !
[email][email protected][/email]