ثمة خيار ثالث

رأي

ثمة خيار ثالث

حسن أحمد الحسن

أن تبقى وتستمر الإنقاذ بكل هذه الأخطاء والخطايا سياسياً واقتصادياً وأمنياً دون أن تدرك عواقب هذه الأخطاء الكبيرة التي ارتكبتها والتي تبدت في حروب وضائقات معيشية وضغوط خارجية واتهامات بالفساد وإساءة في استخدام المال العام ، ودون أن تكون لها رغبة في الاعتراف بهذه الأخطاء والتجاوزات وتصحيحها أو تداركها أو استصحاب الرؤى والمبادرات الوطنية الصادقة التي ترمي لمواجهتها وحلها ، فهذا خيار لن يقبل به أحد بل ينتج من داخله عناصر الرفض الحاد والعنف المضاد التي تجد في تلك الأخطاء مبررات كافية للعصيان والتي قد لا تتحسب لعواقب المواجهات والتي قد تتساوى في نهاية المطاف مع سجل النظام في تجاوزاته لأنها أي تلك العناصر دون استعصام بالوسائل الديمقراطية وإن اختلفت من حيث المرمى السياسي مع النظام قد تعيد انتاج نظام جديد شبيه بالذي ترفضه وهو مالا يقبله أحد .
ونظام الإنقاذ يؤخذ عليه أنه قدم مهرا كبيرا تمثل في انفصال جنوب البلاد مقابل سلام ضائع .فبدلا من أن يكون ثمن الانفصال هو في علاقات تعاون اقتصادي وسياسي بين دولتين كانتا رتقا ،خسر السودان جنوبه بلا ثمن يذكر وخسر سلاما مفترضا غض النظر عن الطرف الذي تسبب في تلك الخسائر حتى وإن كانت رغبة الجنوبيين في الانفصال إلا أن منطق المصلحة العليا كان يتطلب أن يكون المفاوض أكبر وعياً وأكثر ذكاءً .
انفصال لم يخلف سلاما بل خلفّ حروباً ثلاثة في جنوب كردفان والنيل الأزرق ودارفور وأخرى قنبلة موقوتة في أبيي ، واحتقان سياسي في الداخل وضيق اقتصادي وضغوط خارجية ضد الوطن لا تميز بين حاكم ومعارض ومحاولات حثيثة لانتاج جنوب جديد وفق جدلية المركز والهامش وطموحات وأحلام تختنق لدى أجيال جديدة من أبناء الوطن ،وسودانات تنمو في أرجاء الدنيا دون خطط استراتيجية تصب في بناء الوطن و سيل من المطالب الفرعية . كل ذلك دون وعي أو إدراك مستحق من السلطة الحاكمة التي تنظر لبلد بحجم السودان وشعبه من خلال رؤية حزبية لا تفصل بين الحزب وصلاحياته والدولة ومواردها.
أما المعارضة فهي بدورها تنقسم فيما بينها إلى مدارس واتجاهات معارضة تمثل أم الوليد من خلال رؤية عقلانية وموضوعية ترى أن الأزمة الماثلة والتحديات والمخاطر التي تواجهها البلاد لا يمكن مواجهتها بصب مزيد من الزيت على النار من خلال مواجهات مسلحة جديدة أو من خلال منطق أمنى في ظل الوضع الهش الذي تعيشه البلاد، وترى أن النضال الشعبي والسياسي المدني هو السبيل للتغيير بعد الاتفاق على بديل ديمقراطي يؤسس لدولة الوطن ودولة المؤسسات والقانون التي يتساوى فيها الجميع دون تمييز.
ومعارضة تتبنى رؤية تنظر للأزمة السودانية من خلال ثقافة الاستئصال الثقافي التي ترى أن هناك مركزاً نيلياً ثقافياً مهيمناً وهامشاً طرفياً ثقافياً مهمشاً وأن لا سبيل إلى استقامة الأمور إلا بدخول الخرطوم عبر أسنة الرماح لإقامة بديل آخر شبيه غير انه بنكهة أخرى .وهي رؤية تسندها بعض أطراف معارضة من ذات المركز النيلي تحركها دوافع وشعارات ومشاعر متطرفة ضد النظام وهي أطراف لم تستفد من تجربتها السابقة في شراكتها مع الحركة الشعبية التي تجاوزتها مرتين خلال حقبة التجمع الوطني مرة عند إبرام اتفاق ثنائي مع ذات النظام أفضى إلى تهميش الشركاء ثم الانفصال ، ومرة خلال الفترة الانتقالية أثناء التحضير للاستفتاء حين آثرت الحركة الوقوف إلى جانب شريكها في المجلس الوطني لحساب أجندتها وعلى حساب حلفائها.
وبين تمترس الحكومة في رؤيتها الآحادية بتجاهل مبادرات القوى السياسية لوقف الحروب في أطراف الوطن وحل أزمة دارفور وتأسيس نظام ديمقراطي حقيقي يفتح الباب للتعاطي مع العالم الحر دون ضغوط او ملاحقات جنائية ،وبين حركات مسلحة تحركها برامج تبدو ضبابية رغم مشروعية بعض مطالبها في العدالة والتنمية المتوازنة والمشاركة الديمقراطية وانتهاجها لسبيل العنف والمواجهات الدموية ، يصبح خيار المعارضة السياسية السلمية التي يسميها زعيم حزب الأمة المعارض الامام الصادق المهدي بالجهاد المدني والتي تتخذ من الشارع ووسائل التعبير الديمقراطي سبيلاً لها تصبح هي الخيار الوطني رغم تشكيك البعض وضرورة لازمة كخيار أمثل لإحداث التغيير الحقيقي وإقامة البديل الديمقراطي المجمع عليه من شتى شرائح المجتمع السوداني بعيدا عن حوارات الدماء والاستئصال التي ليست من ثقافة أهل السودان .وهو خيار ينسجم أيضا مع مزاج العالم ويتسق مع حركات التغيير ونسائم الربيع الديمقراطي في المنطقة بل انه يتسق مع دعوات واشنطن والمجتمع الدولي لوقف الحرب في أجزاء السودان الجنوبية وانتهاج الوسائل السلمية للتغيير . إذن ثمة خيار ثالث سلمي أحق أن يتبع يمثل السبيل الممكن والآمن للحفاظ على الوطن وإعادته إلى منصة الديمقراطية من جديد .
فجميع الخيارات المسلحة لم تفضِ بروادها في نهاية المطاف إلا إلى توقيع اتفاقات ثنائية مع النظام وحقائب وزارية ويبقى صوت الشارع وحده الذي يعبر عن إرادة الشعوب.

٭ كاتب وصحفي سوداني يقيم في واشنطن

الصحافة

تعليق واحد

  1. الأخ العزيز حسن
    تحياتي أنا زميل قديم لك في كوبر قسم المديرية عندما كان معنا المرحوم الصادق بله والعميد سعد بحر والزين وآخرين وعرفتك صادقاً نقياً حباك الله ملكة الإبداع.

    المقال ممتاز ومبادرة الإمام الصادق منطقية إلا أن المشكلة الآن هي في شخص الإمام ومدى قبول الشارع السوداني بأطيافة المتباينة للطرح خاصة وأن تاريخ السيد الصادق في الحكم والمعارضة تكتنفه كثير من الإخفاقات أتى مقالك الجميل المرتب على بعض منها. فالناظر للوضع القائم اليوم يجد تناقضاً بين ما ينادي به السيد الإمام حول أسلوب تغيير لنظام إبنه الأكبر وقائد جيش الأمة جزء منه !! فكيف يستقيم الطرح منطقياً مع واقع الحال؟؟

    الإنقاذ فقدت المصداقية تماماً بتسببها في مآسي كثيرة يعرفها الداني والقاصي مما حدا بمكونات الهامش إلى حمل السلاح بعد إتفاقية السلام وسلوكها تجاه الآخرين لا ينبئ عن وعي سياسي أو حتى حسن النية بسبب طبيعة تكوينهاووجود مراكز قوى لا تملك رؤية موحدة ولا تتفق على شيء واحد سوى تمسكها بالسلطةوعدم إعترافها بالآخر ولا أحترامها لما توقعه من إتفاقيات . من ناحية أخرى المعارضة المسلحة الممثلة في تجمع كاودا والكيانات المهمشة الأخرى مثل مؤتمر البجا لا ترى في هذا الخيار الثالث ما يفيد وذلك بحكم التجارب والإتفاقات السابقة التي لم تؤدي لسلام رغم إحتفاء العالم بهاوإتفاقية مناوي مثال والأخريات في الطريق إلى نفس النتيجة.

    نعم هذا الخيار ينسجم مع مزاج العالم كله ولكن عودتنا التجارب مع قادة الحزبين الكبيرين الإتحادي والأمة أنهم ساعةالحارة لا تجدهم بل هم ” فص ملح وداب” وللتذكير فقط نورد ما يلي:
    – سحب مرشحي الحزبين من إنتخابات الرئاسة أو إنسحابهما لمصلحة المؤتمر الوطني حيث سحب السيد / محمد عثمان الميرغني مرشح حزبه في الشمالية !! كيف ولماذا إن كان حقاً يؤمن بالديمقراطية

    – السيد الصادق رغم دعوته للجهاد المدني فضحته كرتونة المرحوم نقد ” حضرت ولم أجدكم” هذا بخلاف أنه موقن بما لا يدع لديه ذرة شك أن مفاوضاته ومحاوراته للسلطة لن تفضي إلى شيء سوى إستيعاب أبنائه في أجهزة قمع السلطة… ماذا ننتظر من مبادرة صاحبها لا يستطيع تكملة متطلباتها ؟؟؟؟
    مع التحية والود

  2. الأستاذ حسن
    السلام عليكم

    مقالك جميل ولاكن طرح الأمام لجهاد المدني فلماذا لايزل هو أولاً كيف يريد رئيس حزب الأمة ذلك وقد سمحة لأبنة المشاركة في السلطة هل هو حلال لهم وحرام لمن معهمن إناء الأنصار اللذين دفعوا الغالي والنفيس لشخصة الكريم كيف يتم ذلك واهل السودان من أنصار وغيرهم يسمعون شتائم نافع ( الحس كوعك – عواجيز مؤتمر جوبا) وينظرون في اليوم الثانية بأمام الأنصار يجلس مع نافع ويسامر معة .
    أصبح السيدان في عملية بث أرسال وتشويش

  3. “بعيدا عن حوارات الدماء والاستئصال التي ليست من ثقافة أهل السودان ”

    والله دا كلام غريب ..

    ناس بتكتب من ين وكيف ما تعرف ..؟

    اليك هذا التحدي :

    قل لي كم من السودانيين قتل في 23 سنة الماضية ..؟

    قل لي كم من السودانيين قتل ما بعد 1956؟

    والتحدي الأكبر :

    أذكر لي دولة أفريقية واحدة تم فيها هذا الكم الهائل من سفك الدماء خلال 60 عام..؟

    ياخي دي عدم أمانة وكذب رخيص لصالح “سيدكم”.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..