كيف يؤثر تباين مواقف المعارضة السودانية على عملية إنهاء الانقلاب في السودان؟

الخرطوم – ميعاد مبارك
على الرغم من أن إسقاط انقلاب 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، ظل الهدف المعلن للمعارضة السودانية، لكن يبدو أن جهود التنسيق المشترك بين مكوناتها لا تزال تتعثر، بينما تشهد تكوين تحالفات، وكتل جديدة بداخلها. وفي وقت أعلن فيه الحزب الشيوعي السوداني، ومجموعة من أطراف المعارضة، عن تحالف جديد باسم «المركز الموحد للتغيير الجذري» ويدعو المجلس المركزي لـ«الحرية والتغيير» لبناء جبهة واسعة لمناهضة الانقلاب، تمضي «لجان المقاومة» في خطوات توحيد مواثيقها السياسية في ميثاق مشترك، تمهيدا لقيادتها تحالفا لإسقاط الانقلاب.
ومع انطلاق الثورة السودانية، الرافضة لنظام «الإنقاذ» أُعلن عن تحالف عريض قاده «تجمع المهنيين السودانيين» ضم جميع الأحزاب المعارضة، والقوى المهنية والنقابية في عموم البلاد، في مطلع يناير/ كانون الثاني 2019.
ولكن لاحقا، عقب توقيع اتفاق الوثيقة الدستورية، بين قوى إعلان «الحرية والتغيير» والمجلس العسكري الحاكم وقتها، في 17 أغسطس/ آب 2019، وحين تشارك وقتها الجانبان الحكم، بدأت الخلافات تضرب مكونات «الحرية والتغيير» وصولا لانسحاب الحزب الشيوعي من التحالف وتبرئه من اتفاق الوثيقة الدستورية، في 7 نوفمبر/ تشرين الثاني 2020.
وقال في بيان وقتها إن «اللجنة المركزية للحزب الشيوعي انسحبت من قوى الإجماع الوطني، وقوى الحرية والتغيير، وإنها ستعمل مع قوى الثورة والتغيير المرتبطة بقضايا الجماهير وأهداف وبرامج الثورة، التي رأى الحزب أن الحرية والتغيير حادت عنها».
ضربة أخرى
وبعدها شهد التحالف ضربة أخرى بالانقسام الذي حدث داخل تجمع المهنيين السودانيين، الذي قاد الثورة السودانية حتى إسقاط نظام الرئيس المخلوع عمر البشير، وكان يحظى بشعبية واسعة.
ولاحقا، خرجت مجموعة من الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق السلام في 3 أكتوبر/ تشرين الأول 2020 والأحزاب الصغيرة، من تحالف «الحرية والتغيير» بالتزامن مع انقلاب العسكر على الحكومة الانتقالية، لتشكل وقتها حاضنة للانقلاب.
وفي خضم تلك الانشقاقات، استولى العسكر على الحكم، ووضعوا رئيس الحكومة الانتقالية وقتها عبد الله حمدوك في الإقامة الجبرية، بينما اعتقلوا قادة «الحرية والتغيير» في مجلسي السيادة والوزراء، قبل أيام قليلة من الموعد المحدد لتسليم العسكر، رئاسة المجلس السيادي للمدنيين المحدد في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، وفق الوثيقة الدستورية.
في الأثناء، برزت لجان المقاومة السودانية، التي بدأت تتأسس منذ عام 2013، وبدأت في تنظيم صفوفها في مجموعات مناهضة للانقلاب داخل الأحياء المختلفة في المدن والقرى السودانية، حيث فاق عددها 3000 لجنة، قادت الحراك الشعبي منذ انقلاب العسكر على الحكومة الانتقالية في 25 أكتوبر/ تشرين الأول الماضي.
وشهدت الأشهر الماضية إعلان تنسيقيات لجان المقاومة لمواثيق عديدة، وقال المتحدث باسم لجان الخرطوم، فضيل عمر لـ«القدس العربي» إنهم بصدد دمج مواثيق اللجان في ولاية الخرطوم والولايات الأخرى في ميثاق موحد، وإن المشاورات جارية في الصدد.
وحول التواصل مع قوى المعارضة الأخرى، بيّن عمر أنها تعتمد على إكمال المرحلة النهائية من عملية دمج المواثيق وصولا إلى عرضها على القوى المناهضة للانقلاب، وترتيب الخطوات المقبلة بناء عليها.
وأشار إلى أن عملية بناء التحالفات ووحدة قوى الثورة تبدأ بالوحدة البرامجية ووحدة المواثيق، لافتا إلى أن لجان المقاومة لديها مبادئ مشتركة وموقف واضح لن تحِيد عنه مبني على شعار اللاءات الثلاث: «لا تفاوض، لا شراكة، لا شرعية» وأنها تسعى في الوقت الراهن للوحدة البرامجية من أجل الدفع بقيم الديمقراطية والتأسيس لها، من أجل إسقاط الانقلاب والحكم المدني الديمقراطي. أما تحالف «التغيير الجذري» فهو، حسب المتحدث باسم الحزب الشيوعي، خالد فضل، ليس تحالفا بديلا للتحالفات الأخرى، ولكن أطراف التحالف يطرحون من خلالها فكرة اصطفاف جديد للقوى في إطار البرنامج المطروح للتحالف.
ونفى خلال مخاطبته ندوة للحزب الشيوعي مساء الأربعاء، الاتهامات الموجهة للتحالف الجديد بأنه تكريس للفكر الشيوعي، مؤكدا أنه «مأخوذ بشكل كبير من إعلان الحرية والتغيير الموقع في مطلع يناير/ كانون الثاني 2019، وأنه نفس البرنامج المطروح منذ بداية الثورة السودانية، وأن التحالف استكمال لذلك البرنامج، ويهدف إلى بناء قوة تقود الحراك الجماهيري لإسقاط الانقلاب وتحقيق أهداف وبرامج الثورة».
وأشار إلى أن التحالف بدأ يتشكل مع تظاهرات 30 يونيو/ حزيران الماضي الحاشدة في مدن البلاد المختلفة، وصولا إلى إعلانه مطلع الأسبوع الجاري، لافتا إلى ظهور قوى متنوعة رأى أنها لا تمثل القوى السابقة نفسها.
وقال إن نواة المركز الموحد للتغيير الجذري، ظهرت في مدن البلاد المختلفة، وإنها تشكلت من قوى متنوعة ولها خصائص متباينة، مشيرا إلى أن مهمة القوى التي تقدمت للعمل على تشكيل المركز الموحد هي الوصول لتلك القوى والساعدة في تنظيمها.
وأضاف: أن ما تم الأحد الماضي من إعلان للتحالف، يعتبر خطوة أولى في الاتجاه الصحيح، وأنه دون متابعتها واستكمالها سترتد للوراء.
نظام الأقاليم الستة
ويدعو تحالف «التغيير الجذري» إلى تأسيس دولة مدنية ديمقراطية بنظام برلماني تقوم على الفصل بين السلطات، وإلغاء اتفاق السلام، الذي يرى أنه يقوم على الحلول الثنائية والجزئية، مؤكدا على ضرورة تهيئة أجواء الطمأنينة َونزع السلاح من الميليشيات والمواطنين وفق ترتيبات أمنية صارمة وبناء جيش قومي موحد.
كذلك يطالب التحالف، الداعي إلى تغيير جذري في بنية الدولة السودانية، بالعودة إلى نظام الأقاليم الستة في الفترة ما قبل نظام الإنقاذ وإلى تشكيل مجلس سيادي تشريفي لا يمارس أي مهام تنفيذية، تمثل من خلاله الأقاليم الستة المقترحة بالإضافة إلى مقعد سابع مخصص للمرأة.
وليس ببعيد عن الأهداف المعلنة من قبل التحالفات الأخرى، تمضي «الحرية والتغيير» لبناء جبهة عريضة لهزيمة الانقلاب، وتأسيس السلطة المدنية الديمقراطية الكاملة التي تحقق أهداف ثورة ديسمبر المجيدة كاملة غير منقوصة.
وأكدت، في بيان، أن بناء جبهة مدنية موحدة على أساس تنسيقي بين كل قوى الثورة، هو واجب الساعة الذي يجب أن ننجزه الآن دون تأخير، وهو الشرط اللازم لهزيمة الانقلاب وتأسيس السلطة المدنية الكاملة على أنقاضه.
وشددت على أن قادة الانقلاب وظفوا الأجهزة الأمنية ومواردها من أجل تقسيم القوى الثورية التي تصدت لمقاومتهم، وصارت مهمتها ممكنة بفضل تصورات تبناها بعض قوى الثورة وأسهمت في تعطيل وحدتها وتماسكها.
وقالت إنها بصدد مخاطبة لجان المقاومة والقوى السياسية والمهنية المناهضة للانقلاب، وطرح رؤيتها لبناء الجبهة المدنية الموحدة، ومركز تنسيقي ميداني وإعلامي موحد يتولى مهمة التحضير لمواصلة تصعيد العمل الجماهيري.
وترى «الحرية والتغيير» أن هزيمة الانقلاب يمكن أن تتم عبر الحراك الجماهيري والشروع في عملية سياسية تنهي الانقلاب عبر تسليم العسكر للسلطة، في وقت تجد لجان المقاومة وقوى المعارضة الأخرى، أن أي حديث عن عملية سياسية يعني التفاوض مع العسكر، والشروع في تسوية جديدة.
تشتت وصراعات
أستاذ العلوم السياسية في جامعة النيلين، مصعب محمد علي، قال في حديثه لـ«القدس العربي» إن «تعدد التحالفات السياسية وسط المعارضة السودانية، سيقود إلى تشتيتها وزيادة حدة الصراعات فيما بينها، وبالتالي تعثرها في تحقيق أهداف الوصول للحكم المدني الديمقراطي».
ولفت إلى أنه على الرغم من وحدة الهدف بين أطراف المعارضة، إلا أن تقديراتها ورؤيتها للوضع الراهن في البلاد وكيفية الخروج منه مختلفة إلى حد ما، مشيرا إلى أن البعض يريد تغييراً جذرياً، والآخر يمكن أن يسلك طريق الحوار والوصول لتسوية سياسية.
وأضاف: الخلاصة أن الهدف موحد بدرجة كبيرة، ولكن طرق التعامل معه قد تختلف.
ويمكن قراءة التعثر الراهن في التنسيق بين المعارضة، وفق علي، في سياق الخلافات بين القوى السياسية وانهيار تحالفاتها التي قامت قبل الثورة وانقسام الحرية والتغيير، مشيرا إلى أزمة الثقة بين مكونات المعارضة والخلاف حول من يقودها.
ورأى أن التنسيق بين مكونات المعارضة لا يبدو سهلا مثلما كان في مطلع الثورة وقبل تجربة المشاركة في الحكم في الفترة الانتقالية، لجهة أن الخلافات أصبحت عميقة بين مكوناتها في الوقت الراهن.
القدس العربي