مقالات وآراء

الفرق بين الدولة القديمة والحديثة 

ظِلَال القمــــــر
عبدالرحمن محمـــد فضــل
في ظل الاحتراب والتشظي الذي يهدد كثير من الدول العربية جعل بعض الفئات او الاقليات او الطوائف  يبحثون عن حق تقرير المصير والانفصال  لأسباب عرقية او طائفية او دينية وخلال القرون الاربع الماضية حدث اختلاف كبير في تكوين  الدولتين وحتي نعلم هذه الاختلافات الكبيرة في تكوين الدولتين أي بين الدولة القديمة والدولة الحديثة هو الاختلاف في (الشخصية والهوية)
ففي الماضي كان الناس يعرفون أنفسهم بشخصياتهم، اما الآن ليس مجرد اسمك وشخصيتك يكفي لوجودك بل يلزم ذلك (هوية مكتوبة ان يكون لها رقم قومي او رقم وطني او رقم سجل مدني) ويعتبر مستند  بطاقة الهوية هي المستجد الذي يعترف بك كمواطن في هذه الدولة، فلا اعتبار لإسمك بين العائلة أو المجتمع مالم يكن مثبت ومكتوبا في الهوية ، وايضا لايوجد اعتبار لدينك ومذهبك ما دامت صفتك في الأخير هي انك (مواطن) هذه هي النقطة الجوهرية وهذا هو الفارق بين الدولتين “القديمة والحديثة” حيث أن الدولة الحديثة خرجت بمفهوم “المواطنة” وتمت صياغته كقانون منظم ومطبق في ارض الواقع تقريبا  بدءا من القرن الثامن عشر مع كتابة أول دستور في العالم ، الذي عبّر عن فكرة “العقد الاجتماعي” التي تحدث بها الفلاسفة في الماضي حيث صار الخط الزمني للدولة الحديثة كما يلي او وفق المعادلة الاتية :
عقد اجتماعي – دستور – مواطنة  = دولة حديثة
ومن هذا الباب تم النظر لأي تمييز على أساس الدين واللغة والعرق والجنس على أنه عمل (طائفي عنصري) غير مشروع ، وبعض الدول عملت على تجريمه في قوانينها وداساتيرها وهذه هي النقطة الجوهرية
“مشكلة دولة الشريعة عند بعض الجماعات الاسلامية أنها ما زالت تقف عند زمن ما قبل الهوية ، فالناس تُعرَف بشخصياتهم وأديانهم وعليه فيمكن انتحال شخصية أي إنسان آخر بسهولة في مجتمع يعرفه إسما لا شكلا ، وكل من ينتحل دين الأغلبية هو آمن على نفسه ولديه حقوق أكثر ممن يعرف نفسه بالأقلية في الدولة وبكل تاكيد هذا الامر  غير ممكن الآن وانتحال هويات الغير جريمة يعاقب فاعلها وفقا لمبادئ المواطنة وبالضرورة ان معيار كفاءة أي شخص ليست بمجرد ديانته ومذهبه ، ولم يعد لمفهوم الانتماء أي قيمة سوى احترامه كحق شخصي من حقوق الإنسان لا غير
هذه هي احد نقاط الاختلاف الجوهرية والتي تتمسك بها بعض التيارات والجماعات الاسلامية ، ويصرون على دولة شريعة لا تناقش ولا تهتم لكل هذه المستجدات ، ويظنون أنهم بمجرد تشريع ما يسمى بالدستور الإسلامي وتطبيق كل مواد الفقه القديمة أن ذلك يضمن لهم الحماية بل التجربة أثبتت أن هذا التشريع أزمة في حد ذاته وسط عالم لا يعترف سوى بالدولة الحديثة  ومنتجاتها واندماجها وتعاملها مع المجتمع الدولي الحالي بل من الصعوبة علي المرئ حتي التنقل من دولة الي دولة اخري الا وفق وثائق تثبت هوية الشخص ، ومن ثم على كل رجال الدين أن يتصالحوا مع الحداثة جبرا فلم يعد لديهم الخيار فالزمن تغير والإنسان نفسه تغير وتظل اصول الدين ثابتة دون ادني شك ولكن النظم الادارية يجب ان تتلائم مع واقع الناس اليوم ، في الماضي لم يكن الناس بحاجة لاشارة المرور حتي ينظموا سيرهم في الطرقات ولكنها في زماننا هذا اصبحت ضرورة لتنظيم حركة السير وحفظ الارواح من الحوادث المهلكة وفي الماضي لم يكن هنالك حاجة لكتابة وتوثيق الزواج حيث كان الناس يكتفون بشروط الزوج الشرعية الذي نص عليها الشرع ولكن مع تطور الوضع والحاجة لحفظ الحقوق والمواثيق اصبح كتابة وتوثيق عقد خاص بالزواج من الضروريات التي فرضت نفسها.
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..