مقالات سياسية
حوارات حول العقد الاجتماعي الجديد ( ٢ )

حوارات حول العقد الاجتماعي الجديد ( ٢ )
استمعت الى مغنية شعبية (حكامة) وهي تغني لهروب الجيش من معارك غرب السودان، وتصف ذلك بالعيب، والحكامة في تلك المناطق هي المنصة الاعلامية الاقوى شعبيا، مثل هذه الاغاني التي تسخر من الجيش تعني قطيعة تامة بين تلك المجتمعات والجيش.
الدعم السريع الذي يقاتل الجيش، فيه اشخاص من الغرب و الوسط والشمال والشرق، كل هؤلاء لم يعد جيش الدولة بالنسبة لهم جيشا يجب ان يحتكر العنف في الدولة، وهذا تبيان اخر لانهيار مفهوم الدولة المركزية وجيشها وعقدها الاجتماعي المبنية عليه الدولة.
الحركات المسلحة في دارفور، سبقت الدعم السريع في قتال الجيش وحكومته، وهذا يدل على انهم نفضوا يدهم عن عقد الدولة الحالي وجيشها ويريدون عقدا جديدا يعيدهم لحظيرة الدولة. هل اتفاقيات السلام التي عقدت كانت كافية لتعبر عن هذا العقد الجديد؟ لا، لأن فصائل اخرى لم توقع، وفصائل موقعة خرجت من الاتفاق بعد توقيعه.
التجمع الوطني الديمقراطي سبق الدعم السريع وحركات دارفور في قتال الدولة الكيزانية وجيشها، وهو يمثل اغلب الطيف السياسي السوداني الذي صنع العقد الاجتماعي الأول للدولة بعد تأسيسها بعد الاستقلال، وهذا دليل ان الدولة الكيزانية خرجت عن عقد التأسيس الأول للدولة، ولم تعد تمثل دولة لكل هؤلاء، بمفهوم الدولة الذي يعني تعاقد الأفراد على البقاء معا في دولة واحدة، عقدت اتفاقيات مع بعض فصائل التجمع من أجل تأسيس عقد اجتماعي مختلف، لكن معظمها انهار وثارت معظم هذه القوى على دولة الكيزان في ثورة ديسمبر حتى اسقطتها.
الجنوبيون سبقوا التجمع الوطني الديمقراطي وحركات دارفور والدعم السريع في محاربة السلطة المركزية وجيشها، وكان هذا خروجا على العقد الذي اسست عليه الدولة الاولى، وظلت الاتفاقيات تعقد وتنفض مع الجنوبين من أجل وضع عقد تراضي جديد يضم جميع السودانيين في دولة واحدة، ولكن كل هذه الاتفاقيات فشلت، وظل الجنوبيون لا يؤمنون بهذا العقد والدولة حتى وصلوا مرحلة الانفصال وتكوين دولة جديدة.
كل هذا السياق التاريخي يوضح شيئا واحدا فقط وهو ان الدولة السودانية الحالية وجيشها وعقدها القهري لم تعد تلبي تطلعات الأفراد داخل السودان بمختلف اتجاهاتهم واعراقهم وافكارهم السياسية، وأن جلوس جميع السودانيين لوضع عقد اجتماعي جديد هو الطريق الوحيد للحفاظ على كيان السودان الحالي من التمزق والفناء.
#لا_للحرب