أخبار السودان

أمريكا وتحريك خشبات المرمى

  تقرير:عمر البكري أبو حراز  
قلنا في المقال السابق إن الإدارة الأمريكية رفعت العقوبات عن السودان نهائياً بعد أن اعترفت بأن السودان أحرز تقدماً إيجابياً في المسارات الخمسة، وبصفة خاصة في مجال إيصال المساعدات الإنسانية، والتوقف التام عن دعم جيش الرب اليوغندي، إضافة الى دعمها جهود استقرار دولة جنوب السودان بمنعها د. رياك مشار من الإقامة في الخرطوم، والتوقف عن دعم الحركات المسلحة المعارضة لنظام سلفاكير.. تلك كانت ثلاثة مسارات، وفي المسارين المتبقيين ترى أمريكا أنه ما زالت هناك مساحة لإحراز تقدم أكثر في محاربة الإتجار بالبشر وعبورهم من السودان إلى أوروبا، إضافة الى تواجد بعض العناصر الإرهابية والمتطرفة من السودانيين والأجانب داخل السودان، والمسار الخامس الذي ترى الإدارة الأمريكية أن التقدم فيه كان محدوداً، هو بسط الحريات وحل المشكلة السودانية المزمنة في دارفور والمنطقتين حلاً يوقف كل المواجهات العسكرية، ويعيد الأمن لكل ربوع السودان.   من هذين الأمرين أستميح وأستأذن صاحب القلم الذهبي والصحافي البارع المخضرم الأستاذ محجوب محمد صالح في نقل جزء من عموده (أصوات وأصداء) في صحيفة الأيام عدد الإثنين 9 أكتوبر، والذي ينبه فيه إلى ضرورة الإهتمام بالجزء الأخير من تقرير وزير الخارجية الأمريكي تيلرسون الذي قدمه للرئيس ترامب حسب تكليفه له بإعداد تقرير عن أداء السودان خلال الثلاثة أشهر من 12 يوليو إلى 12 أكتوبر، والذي بموجبه قرر ترامب رفع العقوبات نهائياً، مع تأكيد أن الإدارة الأمريكية ستراقب مدى استمرار إلتزام السودان بما اُتفق عليه مع الإدارة الأمريكية، وبما أورده تيلرسون من ملاحظات، يقول الأستاذ محجوب: (وعندما قرر الرئيس الأمريكي الجديد تأجيل قراره ثلاثة أشهر أصدر بذلك أمراً رئاسياً، كلف بموجبه وزير الخارجية الأمريكي بتقديم تقرير في نهاية الأشهر الثلاثة، وطرح توصية حول إمكانية الرفع النهائي للعقوبات، وذلك بعد التشاور مع وزير الخزانة الأمريكي ومفوض المعونة الأمريكية، ومدير المخابرات القومية، وقد أكمل الوزير تلك المشاورات وأوصى برفع العقوبات نهائياً ابتداء من الخميس القادم (12 أكتوبر).. الوثيقة الأهم- إذن هي تقرير وزير الخارجية المشار اليه، والذي يستحق أن ينظر فيه المسؤولون السودانيون نظرة متأنية ومتعمقة لأنه سيشكل خارطة الطريق للمواقف الأمريكية القادمة، والتقرير يشير إلى المسارات الخمسة التي تركز عليها الحوار السوداني الأمريكي، ويؤكد أن حكومة السودان اتخذت خطوات إيجابية تجاه المسارات الخمسة وعملت على استدامة تلك الخطوات الإيجابية- كما يوضح أن اتصالات الحكومة الأمريكية مع السودان أسفرت عن تطوير مجالات التعاون لمخاطبة القضايا التي تثير الإهتمام، خاصة فيما يلي تحسين إيصال المساعدات الإنسانية، ومخاطبة الصراعات الإقليمية، ومخاطر الإرهاب لكن التقرير بعد أن ثبّت هذه الحقيقة يستطرد ليقول: هذا التقرير لا يمثل موافقة على كل الممارسات التي تقوم بها الحكومة السودانية أو سلوكياتها خلال فترة التقرير، والحقيقة أن الولايات المتحدة ما زال هناك ما يثير قلقها حول سجل وممارسات حكومة السودان بما في ذلك  1-عدم إحداث  تقدم في الوصول الى وقف إطلاق النار وتوقيع اتفاق بصدده مع المجموعات المعارضة الرئيسية، وعلى وجه الجملة الوصول الى سلام مستدام وفق خارطة الطريق التي وضعتها لجنة الإتحاد الأفريقي رفيعة المستوى (لجنة إمبيكي) 2-عدم إحراز تقدم في إقامة حكم القانون في دارفور3- الإفلات من العقاب عن الجرائم الفظيعة السابقة4- تدخلات الحكومة المستمرة في أعمال العون الإنساني5- العديد من الأمور المتعلقة بحقوق الإنسان بما فيها الإعتقال العشوائي والتعذيب والعنف الجنسي ومحددات الحريات الدينية والسياسية والصحفية.. والواضح أن هذه الفقرة في التقرير قد تمت صياغتها بصورة تجعلها تشمل كل القضايا التي ستثيرها أمريكا مستقبلاً، وهي قضايا ذات أهمية بالغة، وكان ينبغي أن تشغل الحكومة في إطار بحثها عن حلول لأزمة السودان الشاملة دون انتظار أن تثيرها أية جهة خارجية- أمريكا كانت تلك الجهة أم غيرها- فماذا هي فاعلة في هذا الأمر) انتهى حديث الأستاذ محجوب.إذن هذا الجزء من تقرير وزير الخارجية الأمريكي، والذي بموجبه تم رفع العقوبات يؤكد ما ذهبنا إليه في المقال السابق بأن أمريكا دائماً تقوم بتحريك خشبات المرمى كلما اقتربنا منها حتى تضمن مناخاً صالحاً ومواتياً لتحقيق أهدافها في السودان وفق فلسفة المصالح المشتركة.. أمريكا في تحقيق مراميها لا تنسى أن تقدم المقابل المناسب للسودان، حتى تؤمن جانب الحكومة السودانية من معارضي أمريكا التأريخيين- الشيوعيين واليساريين والحاليين- الحركة الإسلامية المحلية والعالمية- وتكسبها موالاة أو صمت الغالبية العظمى- 90%- من المواطنين عندما  تلمس هذه الغالبية تحسناً في كافة الجبهات الأمنية والإجتماعية والإقتصادية.. لذلك يجب مقابلة الملحوظات الأمريكية الخمسة في تقرير وزير الخارجية الأمريكي بالآتي:أولاً: التوصل العاجل مع الحركات المسلحة في دارفور والمنطقتين بالاستجابة الكاملة لبنود خارطة الطريق الأفريقية، مع تقديم تنازلات كبيرة لا تضير الحكومة في شيء، لأن الحكومة الآن في أقوى حالاتها الأمنية، والحركات المسلحة في أضعف حالاتها العسكرية.ثانياً: المبادرة بخطة ذكية تتزامن مع محادثات خارطة الطريق في استتباب الأمن في دارفور، والتوصل مع المجموعات غير المنضوية في محادثات خارطة الطريق الى اتفاق كامل وبسط هيبة الدولة، ولن يتأتى ذلك إلا بالوصول الى إتفاق مع الشيخ موسى هلال زعيم تنظيم مجلس الصحوة، الذي أصبح يشكل جبهة قوية جديدة تضم مجموعات دارفورية وعضوية لا يستهان بها، وبذلك يمكن تفويت الفرصة بإعادة إقليم دارفور الى المربع الأول في حالة تدخل اللواء خليفة حفتر المدعوم من مصر، وإعادة إشعال حروبات منظمة أو هجمات متقطعة، وهذا الأمر إذا لم يتم تداركه وارد بصورة كبيرة خاصة في ظل العداء ضد السودان من الشمال والشمال الغربي.ثالثاً: التنفيذ الذكي لأولاً وثانياً أعلاه، سوف يضعف بالضرورة مطالبة أمريكا في تقرير وزير خارجيتها لمسألة الإفلات من العقاب في الجرائم السابقة، التي أحالت مشكلة دارفور الى المحكمة الجنائية الدولية.رابعاً: بعد الإلمام الكامل والإحاطة الشاملة الدقيقة بواسطة جهاز الأمن  والاستخبارات القومي لكل المنظمات الدولية التي تعمل في مجال الإغاثة، تقوم الحكومة بالسماح لها ومساعدتها في إيصال المساعدات الإنسانية دون عقبات أو تدخل، ولكن بمواصلة الرقابة غير المحسوسة.خامساً: بسط الحريات كاملة لكل النشاط الحزبي، ووقف الإعتقالات السياسية والسماح بإقامة الندوات والليالي السياسية والتوقف عن مصادرة الصحف، إضافة إلى إعادة الثقة والطمأنينة للأخوة المسيحيين وبعثاتهم وتأكيد حريتهم في إقامة الكنائس والشعائر الدينية ومدارسهم التعليمية.بعد تنفيذ هذه المقترحات الخمسة لن تجد أمريكا مساحة لتحرك اليها خشبات المرمى.
آخر لحظة.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..