مقالات وآراء

حال الحكام العرب وخيبتهم في القضية الفلسطينية : حين لا يُسمع صوت النصح

حسن عبد الرضي الشيخ

 

قبل أكثر من ٥٨ عامًا، قدّم المفكر السوداني الأستاذ محمود محمد طه نصيحة جريئة للقادة والزعماء العرب، دعاهم فيها إلى ترك الشعارات الجوفاء، والتوجه نحو الصلح والتفاوض المباشر بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بدلًا من التعلق بوهم “رمي إسرائيل في البحر”. آنذاك، قوبلت هذه الفكرة بالرفض القاطع والتخوين، حيث كان صوت القومية العربية مرتفعًا، وكان مجرد الحديث عن التسوية يُعد ضربًا من الخيانة. لكن بعد عقود من الحروب والانتكاسات، ماذا جنى الحكام العرب؟ لم يبقَ من شعارات المقاومة سوى اتفاقيات التطبيع.

 

على مدى العقود الماضية، واصلت الأنظمة العربية تكرار الخطابات الرنانة عن “الصمود” و”المقاومة”، بينما كانت الوقائع على الأرض تحكي قصة مختلفة تمامًا. فمنذ نكسة ١٩٦٧م، التي كشفت عن هشاشة الجيوش العربية، بدأ النهج السياسي يتحول تدريجيًا من المواجهة إلى التفاوض، وصولًا إلى اتفاقيات السلام مع إسرائيل، بدءًا من معاهدة كامب ديفيد (١٩٧٩م)، مرورًا باتفاق أوسلو (١٩٩٣م)، وانتهاءً بموجة التطبيع الأخيرة مع عدة دول عربية.

 

لكن ما يثير الأسى أن هذه التحولات لم تأتِ كخيار استراتيجي حكيم، بل جاءت نتيجة هزائم متتالية، وضغوط دولية، وتراجع الدعم العربي الحقيقي للقضية الفلسطينية. سار الحكام العرب في الاتجاه الذي نُصحوا به قبل عقود، لكن بعد أن دفعوا ثمن العناد والتعنت، وأضاعوا فرصًا عديدة لحل عادل كان يمكن أن يجنب الفلسطينيين والعرب مآسي الاحتلال والاستيطان.

 

يا لها من سخريات القدر حين يتحول التحقير بالعدو إلى استجدائه. والمفارقة الأكثر إيلامًا أن الأنظمة التي كانت تستهزئ بإسرائيل وتحقر من شأنها، هي نفسها التي باتت اليوم تستجديها لأبسط الحقوق، سواء في مشاريع اقتصادية، أو في التنسيق الأمني، أو حتى في طلب تدخلها لدى القوى الكبرى لتخفيف الضغوط عنها. لقد تحولت بعض الحكومات العربية من كونها “أعداء شرسين” لإسرائيل إلى “حلفاء استراتيجيين”، لكن دون تحقيق أي مكاسب حقيقية للشعب الفلسطيني.

 

إن الدرس الذي دفعت الأمة ثمنه الباهظ هو أن الاستماع إلى صوت العقل في الوقت المناسب كان ليجنبها كثيرًا من الخسائر. فما حدث مع الحكام العرب في القضية الفلسطينية هو عبرة تاريخية لمن يرفض الإنصات للحكمة، إذ لم يجنِ العناد والخطابات العاطفية سوى الخراب. واليوم، في ظل تعقيدات المشهد الدولي وتزايد نفوذ إسرائيل في المنطقة، لم يعد أمام العرب إلا الاعتراف بالأخطاء، والسعي بجدية لإيجاد مخرج يحفظ ما تبقى من الحقوق الفلسطينية، بدلًا من الاستمرار في دائرة الهزائم والخذلان.

 

إن من لا يسمع النصح في وقته، يدفع الثمن أضعافًا لاحقًا، وهذا بالضبط ما حدث مع الحكام العرب في القضية الفلسطينية.

 

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..