مطبات يمكن تجاوزها.. ودور إيجابي منتظر

التحدي الحقيقي أمام السودان في هذه المرحلة الحساسة وفي ظل الشحن والاستقطاب الحاد الذي يجري في المنطقة هو كيفية الحفاظ على هذا الرصيد الكبير من العلاقات المتنوعة مع دول الجوار الإقليمي على الصعيد العربي والشرق أوسطي بشكل عام والأفريقي وأيضا على المستوى الدولي، وذلك باعتماد مبدأ التعاون المثمر والمفيد مع الجميع دون التورط في أي مستوى من الانحياز المفرط الذي يصنف بلادنا في خانة الخطر أو يبرر الحذر في التعامل مع السودان.
فلو استثنينا إيران التي حدد السودان موقفه بشكل واضح من التعاون معها لأن مشروعها العدائي في المنطقة لم يترك أية مساحات للتعاون معها بشكل محايد، فإن مبدأ الحياد الموضوعي والإيجابي مع الآخرين برغم خلافات وأزمات المنطقة العربية ليس موقفا مستحيلا لمن أراد اتخاذه كما أنه ليس موقفا سلبيا في هذه الحالة بل هو الموقف المطلوب والمحترم، طالما أنه لن يضر بأحد ولن يتضرر أي طرف من تعامل السودان مع الطرف الآخر وذلك يمكن تطبيقه على خارطة الخلافات القائمة من حولنا.
فإقليميا يمكن أن يضع السودان لعلاقاته مع تركيا حدودا يجب أن يحترمها أردوغان نفسه، ويفهم بأن علاقاتنا معه لا يجب أن تمثل خطورة أو تهديدا لأي من الجيران أو الحلفاء العرب في المنطقة.
كذلك يمكن الاحتفاظ بالعلاقات المتطورة مع روسيا والتي من المفترض أنها قد انطلقت بعد زيارة الرئيس البشير إلى موسكو دون أن تضر تلك العلاقات الثنائية بين السودان وروسيا بعلاقات السودان الجديدة مع الولايات المتحدة والمتحركة لتوها في الاتجاه والمسار الإيجابي.
وكذلك الحال حتى مع مصر التي تحتل مثلث حلايب فإن قضية السودان مع مصر في هذا المستوى من النزاع وهو مستوى سيادي لا تنازل للسودان فيه عن موقفه لكن يمكن أن يحتفظ السودان بجميع مواقفه مع حرصه على عدم ابتدار التصعيد قبل نفاذ فرص الحفاظ على علاقات جوار طيبة وكذلك يمكن أن يحتفظ بمواقفه دون أن يؤثر ذلك على علاقات السودان بحلفاء البلدين في منطقة الخليج.. وبالمقابل من الممكن ايضا أن تنجح الدبلوماسية السودانية في تسليك مسار تعاونها مع قطر في مستوى التعاون الاقتصادي والمنافع الحميدة بين البلدين مع الاحتفاظ بعلاقات السودان الاستراتيجية مع السعودية ودول الخليج..
التصنيف الحاد للمواقف الخارجية والضغوط الإعلامية والسياسية لجر السودان نحو خانات تأزيمية وعداء مع الآخرين بحساب علاقاته مع الأطراف الاخرى هي مطبات سياسية ليس من المستحيل تجاوزها بالسلامة لو واصلت الدبلوماسية السودانية بمنهجها الذي تتبناه منذ تولي بروفيسور غندور حقيبة الخارجية في السودان.
يمكن بسهولة الاحتفاظ بكل هذا الرصيد المتنوع من العلاقات ولا نصفه بالمتناقض لأن وصفه بأنه متناقض هو وصف ينطلق من مواقف محددة تجاه قضايا الخلاف نفسها أما وصفه بأنه رصيد متنوع فهو وصف دبلوماسي إيجابي محايد يعتبر أن المبدأ الأساسي للحفاظ على مصالح السودان هو إبعاد مواقف السودان الخارجية عن صفة العداء لأية دولة عربية أو أفريقية وكذلك على المستوى الدولي باستثناء إيران وإسرائيل كدول يحتفظ السودان تجاهها الآن بمواقف مبدئية قاطعة ومحسومة.
لو استطاعت دبلوماسية غندور تفادي مطبات هذه المرحلة الحساسة واستطاع هو أن يضع السودان في خانة الحياد الإيجابي الذي يسعى للجمع بين الفرقاء والمساهمة في رتق ما انفتق في صفوف العرب ودعم مسارات المصالحة سيكتسب السودان احتراما مستحقا من الجميع حيث لن يشعر طرف بأن السودان يشارك أو يساهم بأي درجة من الدرجات في تشكيل تهديد أو خطر على أمنه وسيادته.
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين.
اليوم التالى