ادعاءات جماعة الإخوان امتلاكها الحق المطلق.. أعظم دليل على أخطائها

ادعاء فرقة الإخوان امتلاكها الحق المطلق أمر متأصل لم تتخل عنه لحظة منذ نشأتها على يد البنا رحمه الله وإلى يومنا، وهذا من كبائر ما تقترفه دائماً وأبداً بحق نفسها وبحق غيرها، وما يشاهده العالم كله عيانا في زماننا من إفسادهم في بلاد المسلمين باسم الإسلام، خير شاهد على ما أقول إذ ليس بعد العين أين.. وقد نبه على خطورة هذا المرض العضال وخطورة ما ينتج عنه: عديد من أهل التحقيق فتحت عنوان (فكر البنا هو المقياس) يشير أ. سليم الهلالي ص 155 من كتابه (مؤلفات سعيد حوى دراسة وتقويماً) إلى أن الإخوان “يعتبرون فكر مرشدهم هو الميزان الذي توضع به الجماعات الإسلامية لترى وزنها وحجمها، فالإمام الشهيد كما يحلو لهم أن ينعتوه، أول من فطن إلى إحياء العمل الإسلامي.. وأول من وضع قدم المسلمين على الطريق الصحيح”، ويسوق الهلالي ما يدعم هذا الزعم من كلامهم ويؤكده، فيذكر فيما يذكر قول سعيد حوى في كتابه (من أجل خطوة إلى الإمام) ص 31: “أثبتنا بما لا يقبل جدلاً عند المنصفين، أن أحداً لم يضع قدم المسلمين في هذا العصر في طريق تحرير الإسلام من الوهن، ثم في الطريق إلى جماعة المسلمين، وإمام تتوفر فيه الخصائص، كحسن البنا”، وقوله في (جولات) ص 79: “إن حسن البنا من بين خلق الله في هذا العصر ? الذي يمتد بالطبع إلى ما شاء الله ? استطاع أن يوجد القاسم المشترك الوحيد الذي يمكن أن يلتقي عليه المسلمون وتقوم به جماعة جامعة”.. وقوله ص 12 من كتابه (في آفاق التعاليم): “إننا لا نرضى لأنفسنا أن ننطلق بعيداً عن سير الأستاذ البنا، لأن التفريط في ذلك تفريط في السير الصحيح لنصرة الإسلام في هذا العصر”، فحصروا الإسلام فيما فهموه عنه ولو بطريق الخطأ.
والحق أن في ادعاء الحق المطلق لفرقة الإخوان ومؤسسها على النحو السالف الذكر مع ما بهما من شنيع الأخطاء، من شأنه أن يهدم أصل الدين ويقوض مرجعيته، ليجعلهما فيما أوتي البنا من دون كتاب الله وسنة رسوله وما أجمع عليه علماء الأمة.. وهذا جماع كل شر، وادعاء بالعصمة لغير الأنبياء، وتكذيب لما صح عن النبي في قوله: (كل ابن آدم خطاء)، وما أحد من خلفاء المسلمين حتى المهديين منهم قال بهذا ولا بمعشاره، فهذا أول وثاني الراشدين من بعد الرسول أثر عنهما بعد قولهما (أطيعوني ما أطعت الله فيكم): (فإن عصيته فلا طاعة لي عليكم)، (وإن وجدتم في اعوجاجاً فقوموني)، فيفترض أبو بكر في نفسه المعصية ويفترض عمر الاعوجاج، بل إن القرآن علم رسوله أن يأتي الخصوم بما يوقن بإحالته مجاراة لهم، وأن يقول مخاطباً لهم: (وإنا أو إياكم لعلى هدى أو ضلال مبين. قل لا تسألون عما أجرمنا ولا نسأل عما تعملون.. سبأ/ 24، 25) يعلمه ربه أن يقول هذا مع فظاعة ما بهم من كفر ومع تيقن بطلانه وحصول إجرامهم وأنه عليه سلام الله على الحق والهدى المبين.. وحتى لا يُدعى أن البنا فيما رسخه في أتباعه لم يقل بهذا ولا ارتضاه، انظر إلى قوله في (دعوتنا) ص 16: «هي دعوة لا تقبل الشركة، إذ إن طبيعتها الوحدة، فمن استعد لذلك فقد عاش بها وعاشت به، ومن ضعف عن هذا العبء فسيُحرم ثواب المجاهدين، ويكون مع المخلفين، ويقعد مع القاعدين ويستبدل الله لدعوته به قوما آخرين»، وقوله في (مذكرات داعية) 263: “دعوتكم أحق أن يأتيها الناس، ولا تأتى هي أحداً، وتستغني عن غيرها، وهى جماع كل الخير، وما عداها لا يسلم عن النقص، إذن فأقبِلوا على شأنكم ولا تساوموا على منهاجكم، واعرضوه على الناس في عزة وقوة، فمن مد لكم يده على أساسه فأهلاً ومرحباً في وضح الصبح وفلق الفجر وضوء النهار، أخ لكم يعمل معكم ويؤمن إيمانكم وينفذ تعاليمكم ومن أبى فسوف يأتي الله بقوم يحبهم ويحبونه”.
ثم هو لا يقف عند هذا حتى يصنع من نفسه مطابقة واضحة وحقيقية مع النبوة، فالناس حياله واحد من أربعة: إما مؤمن بدعوته وهذا يشبه المؤمنين السابقين الأولين ممن شرح الله صدورهم لهدايته، وإما متردد شأنه كذلك شأن المترددين من أتباع الرسل، وإما نفعي: إن كشف الله الغشاوة عن قلبه وأزاح كابوس الطمع عن فؤاده، سينضم إلى كتيبة الله، وكذلك كان شأن قوم من أشباهه حين أبوا مبايعة رسول الله، وإما متحامل وهو الذي يأبى إلا أن يلج في غروره، وهذا حاله (إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء)، و(اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون).. مع العلم أن عصر البنا كان مليئا بالمفكرين وأيضا الحركات الدعوية مثل (الشبان المسلمين)، و(مصر الفتاة)، وكذلك (شباب محمد) الذين كانوا أعضاء في الإخوان المسلمين، ولكنهم خرجوا على حسن البنا بسبب أمور مالية، منها تعديه على أموال جمعت لفلسطين، ولكنه صرف جزءا منها على الجماعة واعترف بذلك وقال: “نعيدها مرة أخرى”، وأمور أخرى إدارية.. وقد سبقه مشايخ كثر مثل: (جمال الدين الأفغانى) و(محمد عبده) و(محمد رشيد رضا) و(الكواكبى) وغيرهم كثير، ولم يَدَّع أحد منهم ذلك لنفسه، ولا عقد مطابقة بهذا الشكل، ولا قال إن فريقه دون سواه هو كتيبة الله، ولا حمل في ثنايا دعوته نفيا للآخر، ولا ادعى أن ما جاء به هو ما جاء به رسول الله ولا أن أتباعه هم أتباع الرسل.
إنه بما سبق ? وبنحو قوله في مجموعة الرسائل ص 24: “موقفنا من الدعوات المختلفة التي طغت في هذا العصر ففرقت القلوب وبلبلت الأفكار، أن نزنها بميزان دعوتنا، فما وافقها، فمرحبا به وما خالفها فنحن براء منه، ونحن مؤمنون بأن دعوتنا محيطة لا تغادر جزءً صالحًا من أي دعوة إلا ألمت به وأشارت إليه» ? يجعل من نفسه مصدراً وحيداً للتشريع، وميزاناً دقيقاً في معرفة الحق من الباطل والخير من الشر والإيمان من الكفر، والموقِّع عن الله ورسوله، وهو إلى جانب ذلك يرسخ معاني الغرور وإقصاء الآخرين، ويصنع من نفسه ومن جماعته طواغيت تطاع ولو في المعصية وها نحن نجني ثمار هذه التربية في زماننا وبلادنا المسلمة، ورحم الله الشافعي: (رأيي صواب قد يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ قد يحتمل الصواب)، وما أعظم قول ابن تيمية في المجموع 20/ 8، 9 لرد ذلك: “لا يجوز لأحد أن يجعل الأصل في الدين لشخص إلا لرسول الله r، ولا لقول إلا لكتاب الله عز وجل، ومن نصَّب شخصاً كائناً من كان، فوالى وعادى على موافقته في القول والفعل فهو (من الذين فرقوا دينهم وكانوا شيعاً)، وإذا تفقه الرجل وتأدب بطريقة قوم من المؤمنين مثل اتِّباع الأئمة والمشايخ، فليس له أن يجعل قدوته وأصحابه هم العيار، فيوالي من وافقهم ويعادي من خالفهم”.
على أن العاطفة الدينية الجياشة التي تمثل ما يشبه الرأي على حساب نصوص الوحي لدى أهل السنة، والتي تنتاب فرقة الإخوان الضالة تجاه شيخها، تفرض علينا أن ننبه على أن الارتباط الروحي والعاطفي، العلمي والعملي، إنما يكون للموحى إليه صلى الله عليه وسلم دون سواه، وأن نذكر بأن أهم ما يميز أهل السنة عن أهل البدعة، أن أهل السنة ? كما قال ابن القيم في مختصر الصواعق ص 627 ? “يتركون أقوال الناس لها وأهل البدع يتركونها لأقوال الناس.. ويعرضون أقوال الناس عليها فما وافقها قبلوه وما خالفها طرحوه، وأهل البدع يعرضونها على آراء الرجال، فما وافق آراءها منها قبلوه وما خالفها تركوه وتأولوه.. وأنهم يدْعون عند التنازع إلى التحاكم إليها دون آراء الرجال وعقولها، وأهل البدع يدعون إلى التحاكم إلى آراء الرجال ومعقولاتها.. وأن أهل السنة إذا صحت لهم السنة عن رسول الله لم يتوقفوا عن العمل بها واعتقاد موجبها على أن يوافقها موافق، بل يبادرون إلى العمل بها من غير نظر إلى من وافقها أو خالفها، وقد نص الشافعي على أن الواجب على من بلغته السنة الصحيحة أن يقبلها وأن يعاملها بما كان يعاملها به الصحابة حين يسمعونها من رسول الله فيُنزل نفسه منزلة من سمعها منه صلى الله عليه وسلم، قال الشافعي: (وأجمع الناس على أن من استبانت له سنة رسول الله لم يكن له أن يدعها لقول أحد من الناس كائناً من كان).
ومن أبرز علامات أهل السنة أيضاً ? والكلام لا يزال لابن القيم ?: أنهم لا ينتسبون إلى مقالة معينة ولا إلى شخص معين غير الرسول، فليس لهم لقب يعرفون به ولا نسبة ينتسبون إليها سوى الحديث والسنة.. ومنها: أن أهل السنة ينصرون الحديث الصحيح والآثار السلفية وأهل البدع ينصرون مقالاتهم ومذاهبهم.. ومنها: أن أهل السنة إذا ذَكروا السنة وجردوا الدعوة إليها نفرتْ من ذلك قلوب أهل البدع، وأهل البدع إذا ذَكرتَ لهم شيوخهم ومقالاتهم استبشروا بها.. ومنها: أن أهل السنة يعرفون الحق ويرحمون الخلق فلهم نصيب وافر من العلم والرحمة، وأهل البدع يكذِّبون الحق ويكفِّرون الخلق فلا علم عندهم ولا رحمة، وإذا قامت عليهم حجة أهل السنة عدلوا إلى حبسهم وعقوبتهم إذا أمكنهم على غرار ما جرى لفرعون، فإنه لما قامت عليه حجة موسى قال: (لئن اتخذت إلهاً غيري لأجعلنك من المسجونين).. ومنها: أن أهل السنة إنما يوالون ويعادون على سنة نبيهم وأهل البدعة يوالون ويعادون على أقوال ابتدعوها.. ومنها: أن أهل السنة لم يؤصلوا أصولاً حكموها وحاكموا خصومهم إليها وحكموا على خالفها بالفسق والتكفير، بل عندهم الأصول: كتاب الله وسنة رسوله وما كان عليه الصحابة” إلى آخر ما ذكره رحمه الله مما يعد مقياساً دقيقاً يستطيع عوام المسلمين قبل خواصهم أن يُميزوا به صحة وصدق الأعمال وفاعليها عن رديئها وفساد معتنقيها.. وما آمله أن تكون هذه الكلمات رسول سلام نبعث بها لكل من احترم العقل وعظم الشرع، أما أصحاب العاطفة الدينية والرأي من المغيبين ? وما أكثرهم ? فهؤلاء وشأنهم، فقد ارتضوا أن يجعلوا من أنفسهم نعاجاً لمتبوعيهم وأذناباً لطواغيتهم التي يعبدونها من دون الله، تشرع لهم من الدين ما لم يأذن به الله فيستحلون من خلالهم الدماء وينتهكون بأمر منهم الحرمات ويكفرون ويقتلون ويحرِّقون ويخربون ويدمرون ويفسدون ? وللأسف ? باسم الإسلام الذي هو منهم براء، (وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض قالوا إنما نحن مصلحون).. وقديما برر البنا مؤسس الجماعة ضرب من عارضه في شعبة الإسماعيلية بقوله: “إن المخالفين قد تلبسهم الشيطان وزين لهم ذلك.. وإن من يشق عصا الجماعة فاضربوه بالسيف كائناً من كان”، فما أشبه الليلة بالبارحة!، وما يكون الحال لو كان من خارجها؟؟!!.. تلك هي عاقبة البيعة الكاملة في المنشط والمكره، والمعاهدة على السمع والطاعة العمياء، وأثر كل ذلك على النفس والغير.. نسأل الله أن يجعلنا من أهل السنة وأن يجنبنا البدع وأهلها.. اللهم آمين.
د. عماد الحسيني
[email][email protected][/email]