عذراً هذا المجتمع بسكاكينو!!..

النص:-

قصة حزينة تؤكد الواقع  في كثير من المجتمعات الريفية السودانية التي فعل فيها الجهل والتخلف ما فعل من هتك ودمار أخلاقي وسلوكي راح ضحيته العشرات من أبناء الوطن، إثر خلافات صغيرة لا تسوى شيئاً، القصة رواها لي والي غرب كردفان اللواء الركن أحمد خميس ومسرحها ولايته حدثت قبل أيام معدودة من الان . وهي تحكي فى تفاصيلهاأنه في أحد الفرقان البدوية يعيش فيه أبناء رجل واحد، بمعنى أنهم «أسرة واحدة» وكانت لديهم مناسبة فرح اجتماعية، وأثناء الألعاب الشعبية فإذا بأحد اللاعبين أعجب بالطريقة الجميلة التي يؤدي بها أولئك ألعابهم، فأخرج موبايله وشرع يوثق للمناسبة بالتصوير الفوتغرافي، فانقض عليه شخص آخر لم  تعجبه الطريقة، وكان ينتفض من الهياج والغضب بعد أن زجره ووبخه على فعلته التي تخالف موروث وثقافة المجتمع، وربما فيها غزل لصبايا وحسناوات الفريق أو كما فهم ذلك الرجل، ثم دخلا في شجار وعراك بسبب سوء التفاهم، فنشبت معركة راح ضحيتها أربعة قتلى دفنوا في وقت واحد. انظر عزيزي القارئ ان هؤلاء تناسوا كل الممسكات الاجتماعية التي يلتقون عندها، كما أنهم نسوا حتى حرمة الدماء وربما هم لم يسمعوا في تاريخهم بشيئ اسمه حرمة الدماء في الإسلام، يفعلون ذلك رغم أن السودان كله يعتمد في اقتصاده ومعاشه على اقتصاديات تلك المجتمعات التي قتلها التخلف وهزمها الجهل وأصبحت كل ثقافتهم سكيناً في «الضراع» أو بندقية في الكتف، وأخذ كل شيء بالقوة بحق أو بخلافه.. الإنسان البدوي الذي يتسبب في مقتل أربعة أشخاص بسبب تصوير بالموبايل إذا قدر له وحضر مناسبة اجتماعية في إحدى صالات الخرطوم حتماً سيقتل مائة شخص ومن قبائل وأعمار وكفاءات مختلفة، وقتها سيشعر أهل الخرطوم والسلطات أن هناك مجتمعاً متأذياً بل يعيش تحت ظل الموت يواجهه في صباحه ومسائه وهو على استعداد بأن يموت في أية لحظة ولأتفه الأسباب. إنني أهمس في أذن حكومة غرب كردفان وقبل أن تضع رؤية لتطوير اقتصاديات تلك المنطقة، هي بحاجة إلى دعم عاجل لإحياء سنة ومبدأ حرمة الدماء عبر برنامج تتفق على مفرداته وتفاصيله مع مكونات الدولة الأخرى ممثلة في الجامعات ومجمع الفقه الإسلامي ومراكز الدعوة والمنظمات والفعاليات الأخرى، برنامج تدعمه الدولة في أرفع مستوياتها لإدارة حملة توعية واسعة جداً تعرف بمخاطر الجهل والنزاع القبلي الذي ظل يقع بسبب أشياء بسيطة لا تستدعي أن يتعارك عليها الناس.. مجتمع جاهل ثقافته السكين والكلاش وأصبح صيداً سهلاً للحركات المتمردة ووقوداً لمعارك أحرقت النسل وقضت على الأخضر واليابس في تلك المناطق المنتجة والحيوية والإستراتيجية، وأصبح المجتمع يائساً من كل شيء جميل لا يعرف في الدنيا طيباً إلا الموت بكل بشاعته وقسوته، كل المجتمع ضاعت ملامحه السمحة القديمة تحت غبار الحرب ودخانها القاتل، وأصبحت كل الوجوه مجتمعة تشكل وجهاً واحداً كالحاً شاحباً ومهجساً.. هناك في الفولة جامعة للسلام، هكذا اسمها جامعة السلام، لكنها لم تعصم حتى مدينة «الفولة» من الموت الطائش، ولم تحسن سلوكها ليعيش فيها الناس بأمان وطمأنينة، فتحول الأمن إلى خوف وفظاظة وتفرق سكانها، ولا بد من رؤية لإعادة تجميعهم وفتح خطة للسكن والمعايشة تستوعب مكونات جديدة تضاف إلى المكونات السكانية السابقة، ولأجل مجتمع أفضل يقدم أنموذجاً وعرضاً متقدماً في المساكنة، فبدلاً من أن يمشي الشخص بين الناس وبيده بندقيته أو سكينه عليه أن أن يتعلم أن يمشي وعلى ظهر دابته كيس أسمنت وسيخ ورمال للبناء والتعمير.. ولاية غرب كردفان وعلى سماحتها هي بحاجة إلى معركة تغيير حقيقي. وذكرت الفولة كعاصمة وقصدت الكل وإن كان السوء هناك بدرجات متفاوتة، ولكن الواقع يتطلب منهجاً ورؤية جديدة يقاتل من أجلها الجميع حتى يتغير الأنموذج الذي نقرأه اليوم وتدور حكايته في أحد فرقان غرب كردفان البترولية الغنية، ونقرع الطبول ونحذر حتى لا تشتعل الفتنة في كل حطب وعيدان الغابة هناك، ومن ثم تأخذ باطن الأرض لتشتعل بجاهلية لا نحسد عليها في أنابيب البترول وخطوطه وهو ثروتنا التي نفاخر بها، ثم يذهب كل شيء من حيث أتى ونصبح نتنصل عن مسؤولياتنا ونتلاوم ولا يعترف أي منا بخطئه وتقصيره، والذي نشير إليه في هذا المقال للأسف لم يكن سلوكاً فردياً، بل صار حالة أخلاقية جمعية وثقافة عامة يلتقي عندها العشرات من الشباب. وراجعوا ذلكم الذين غرر بهم التمرد وشجعهم على لف الرأس بالكدمول ليس خجلاً وتوارياً من سوء الفعل، ولكن تفاخراً وزهواً بشعار التمرد والموت الزعاف، يهجمون على قراهم ومدنهم ويدمرونها فرحين يتغنون ويرقصون وكأنهم يفعلون فعلاً رجولياً ونضالياً لا يستطيع الآخرون أن يسلكوه أو يقتربوا منه، تباً لك أيها الكدمول اللعين فقد أفسدت مجتمعات كانت مسالمة ومحافظة، ودمرت شباباً كانت تدخرهم مجتمعاتهم إلى المستقبل، دمرتهم كما تدمر المخدرات المجتمعات الحية وتحيلها إلى مجتمعات شواذ خاملة ومختمرة طول النهار والليل ينامون على حواف الحيطان ومكبات النفايات حيث يتبولون ويخرجون، هذا نداء نطلقه من أجل الإطاحة بحالة غياب الوعي ونحن نطارد سيارات الدستوريين والبحث عن سبيل لتدفق الأموال من المركز لإحداث التنمية المتدهورة ونلهث جميعاً لأجل تشييد القصور للحكام في المحليات ورئاسة الولاية، صدقوني إذا استمر الحال كما هو عليه الآن سيطيح بكل ملامح المدنية والرقي الذي ننشده وبعضه يلوح في جزء من مدن غرب كردفان على ضعفها وقلتها، فبالتالي المحك الحقيقي لحكومة الولاية قليلة التجربة والدربة ومجتمع الولاية ونخبها أن يزيحوا هذا الكابوس بعمل ممنهج وصرخة يطلب فيها الجميع نجدة المساجد والأئمة والدعاة ثم النهوض بالتعليم على كل مستوياته على نسق الدعوة الشاملة والداعية الظاعن الذي يتجول مع المجتمع وأفراده، ليقدم لهم النصح والمعرفة وليعترف المجتمع بمنكراته ويتحمل مسؤولياته تجاه أخطائه التي هي سبب معظم الشرور التي تحيط به كمجتمع، وينهض بواجباته تجاه نفسه ومحيطه لأنه لا يستقيم الظل والعود أعوج!!

[email][email protected][/email]
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..