كمال الجزولي وذاكرة الفقد : قراءة في حكاية مورغان

إبراهيم برسي
كمال الجزولي ليس مجرد كاتب ، بل هو مفكر يعكس في أعماله إدراكًا عميقًا لتشابك التاريخ الشخصي مع التاريخ الجمعي.
يجمع بين لغة شاعرية تُلامس الوجدان وعمق فكري يُلامس قضايا إنسانية شاملة.
أعماله ليست مجرد نصوص تُقرأ ، بل هي دعوة للتأمل في الذات والمجتمع والعالم.
في “حكاية مورغان”، يأخذنا الجزولي في رحلة سردية تأملية ، حيث يُعيد تشكيل الواقع والذاكرة عبر عدسة فلسفية وأدبية تستدعي الكثير من التأمل.
تتميز القصة بالسلاسة والثراء السردي ، حيث يأخذنا الكاتب في رحلة مليئة بالتفاصيل الحية التي تربط بين الماضي والحاضر.
النص يدور حول شخصية مورغان ، رجل يبدو عاديًا في البداية ، لكنه يتحول إلى رمز فلسفي يعكس الأسئلة الكبرى عن الهوية، الخسارة ، والحقيقة.
العلاقة بين الراوي ومورغان ليست مجرد علاقة صداقة ، بل هي انعكاس لعلاقة الإنسان بظله ، بذكرياته التي تحاول التمسك بالماضي بينما تتلاشى في غموض الحاضر.
في أحد النصوص البارزة ، يصف الجزولي مشهدًا مليئًا بالتفاصيل الدقيقة عن حياة مورغان ، وكيف كان هذا الأخير يمتلك “طاقة إبداعية مدهشة” و”أذن موسيقية تلتقط الألحان الكلاسيكية”.
هذه التفاصيل ليست مجرد إضافات بلاغية ، بل هي انعكاس لرؤية الكاتب للحياة كنسيج معقد من الجمال والضعف الإنساني.
لغة الجزولي تمزج بين الفلسفة والشعر ، ما يُميز أسلوبه ويمنح نصوصه طابعًا فريدًا.
عباراته ليست فقط وسيلة لنقل القصة ، بل هي بناء جمالي بحد ذاته.
على سبيل المثال ، حين يصف الراوي علاقة مورغان بالموسيقى أو الكتب ، نجد أنفسنا أمام صور شعرية تعكس عُمق الإنسان ورغباته المتناقضة.
هذا الأسلوب يجعل القارئ متورطًا في النص ، ليس كمتلقٍ سلبي ، بل كفاعل فكري يعيد تشكيل الحكاية في ذهنه.
ومع تعمقنا في النص ، نكتشف أن مورغان ، الشخصية المحورية ، ليس مجرد فرد ، بل يبدو كرمز فلسفي يطرح أسئلة وجودية.
هل كان مورغان انعكاسًا للراوي ذاته؟ .
أم أنه تجسيدٌ لفكرة الفقد والانتماء؟ .
هل يمكن أن تكون الذاكرة خادعة لدرجة تجعلنا نُعيد اختراع الأشخاص كما نرغب؟ .
هنا يُذكّرنا الجزولي بأعمال بورخيس وكافكا ، حيث يتحول السرد إلى استكشاف لما هو أبعد من الواقعي.
على صعيد الترجمة ، نجح الخاتم المهدي في تقديم نص مُترجم حافظ على روح النص الأصلي.
اللغة الإنجليزية المستخدمة غنية ومتماسكة ، تحمل أحيانًا صدى اللغة العربية الأصلية في بنيتها الشعرية.
الترجمة لم تكن مجرد نقل لغوي ، بل محاولة لإعادة خلق النص بروحه ، وهو أمر بالغ الصعوبة.
ومع ذلك ، ربما كانت بعض الجمل أكثر تعقيدًا من اللازم ، مما قد يُصعّب القراءة على القارئ الأجنبي.
كمال الجزولي ، في هذا العمل ، يقدم نصًا يتجاوز الحكاية البسيطة إلى عمل أدبي يعكس تحولات اجتماعية وسياسية وثقافية.
القصة ليست فقط سردًا عن حياة فرد ، بل هي استعادة لذكريات الماضي بعمقها الثقافي والاجتماعي ، ما يجعل النص أقرب إلى لوحة فسيفسائية معقدة.
“حكاية مورغان” ليست مجرد قصة صداقة ، بل هي دعوة لإعادة التفكير في علاقتنا بالذاكرة ، بالآخر ، وبالذات.
الجزولي ، عبر لغته الشعرية وعمقه الفلسفي ، يقدم عملاً أدبيًا يتحدى القارئ أن ينظر إلى نفسه في المرآة.
مورغان ليس فقط شخصية ، بل هو انعكاسٌ لكل ما نحاول فهمه وتجاوزه.
العمل ، بترجمته وإبداعه ، هو إضافة مميزة للأدب السوداني والعالمي ، ودعوة مستمرة للتأمل فيما وراء الكلمات.