مقالات وآراء

نظرة في (الرحم) .. واتساع مفهوم (صِلَتِها)

أحمد يحيى زُقلِي

 

لا أعلم لماذا عزل العُلماء قضية الرحم عن قضية خلق الإنسان واستمراريته وتناسله؟ وكان الأَولى ربط الرحم بالتواجد الإنساني جيل بعد جيل وصولا إلى آخر جيل سيأتي إلى الحياة.

إنّ قضية الخلق وقصته ، لا يصح الحديث عنهما ؛ إحديهما او كليهما بعيدا عن تناول قصة الرحم . ذلك أنّ الرحم لها مقام عظيم ؛ اكتسبته من كونها خُلقت لتكون مكانا لإحتواء الذراري ؛ فلا خلافة ولا ذرية بدونها . ومن هنا نرى أن من أسباب أهميتها ، أنها عنصر رئيسي من عناصر إيجاد ثم استمرار أجيال البشرية في التناسل حتى حين ، والذي هو من مُراد الله تعالى.

إن قول الله تعالى : (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) {النساء: 1}.

إنّ الله هنا يورد الأرحام مع خلق الناس وتناسلهم ، لحكمة عظيمة تُشير إلى أهميتها. والذي اراه أنّ هذا يشير إلى أنّ مفهوم (صلة الرحم) أعمق مما يظن الناس.

تشير الآية إلى أنّ نفس آدم (نفس واحدة) استخلص منها ربُنا نفس حواء (زوجها). وهذان الأبوان الاولان هما معا يمثلان الجيل الاول من البشرية ، وقد أصبحا مصدرين لذرياتهما المباشرة أي أولادهما.
وانتهى دور الأبوين آدم وحواء في التناسل والتكاثر بمجرد أن أنتهيا من تكوين الأجنّة التي جاءت منهما وهم أولادهما وبناتهما . إذن فتكوين الأجنة الاوائل- الذين اصبحوا بعد ذلك ذكور وإناث الجيل الأول من الذرية والجيل الثاني من البشرية- كان في رحم حواء.

كان آدم يحمل في ظهره كل الذرية . ولمّا تم استخلاص نفس حواء من نفسه ، أصبح كلاهما يحملان الذرية . ثم بتزاوجهما أي (التغشية تلو الأخرى) نقل الأبوان ما يحملان من ذرية أي نفوس إلى أولادهما وبناتهما . وهنا انتهى دورهما ولم يعد فيهما ذراري أخرى.
إن آدم وحواء بتكوينهما للأجنة التي نشأ منها أبناؤهما ، إنما كانا ينقلان ما يحملان من نفوس ستأتي خلال الحياة الدنيا كلها . بمعنى أن ماءهما لا يحمل أبناءهما فقط ، بل فيه أيضا كل الذرية المتعاقبة إلى أن يأتي آخر جيل من البشرية.

انتقل لواء انجاب الذرية إلى أبناء آدم الصُلبيين المباشرين الذين أنجبهم من حواء . فلما تزوج أبناء وبنات آدم – حسب شريعتهم- نقل كل زوج ما يحمل من ذرية أي نفوس إلى رحم زوجته ، فجاء الجيل الثاني من الذرية والجيل الثالث من البشرية . وهكذا يستمر الامر.
وهذا هو معنى الحديث الذي يرويه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : (النَّاسُ بنو آدمَ ، وآدمُ خُلِق من ترابٍ). إذن جاءت كل الذرية من آدم، وآدم أودع ذريته رحم حواء . اذن لا ذرية ولا خلافة متحققة في غياب الرحم . ولذا كانت أهميته ودوره وتعظيم قدره بين مخلوقات الله.

وإذا قرأنا قول رسولُ اللَّه ﷺ: (إِنَّ اللَّه تَعَالى خَلَقَ الخَلْقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنْهُمْ قَامَتِ الرَّحِمُ، فَقَالَتْ: هَذَا مقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ الْقَطِيعَةِ، قَالَ: نَعَمْ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى، قال: فذَلِكَ لَكِ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّه ﷺ: اقرؤوا إِنْ شِئْتُمْ: (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ. أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ) {محمد:22- 23}). رواه أبو هريرة، متفقٌ عَلَيهِ.
وفي روايةٍ للبخاري: فَقَالَ اللَّه تَعَالَى: مَنْ وَصَلَكِ وَصَلْتُهُ، ومَنْ قَطَعَكِ قطَعْتُهُ.

وأول ما يجب الانتباه اليه في الحديث هو تأنيث الرحم. وفي الأمر إشارة واضحة إلى الأنثى وقدرها. وهذا ما سيظهر فيما هو آت.
فبعد أن خلقنا الله تعالى وأودعنا ظهر سيدنا آدم عليه السلام ، وبعد أن استخلص حواء من آدم .. قامت الرّحم!
رحم من؟ أصل الرحم أُودعت في حواء . فقامت الرحم ، وخاطبت الله عز وجل.
إذن فالأم الأولى (حواء) قد احتضنت في داخلها الرحم الأصلية (الحاضنة الدائمة لكل الذرية). ومن حواء ستُستخلص بعد ذلك الأرحام الأخرى في كل أنثى في الذرية.
من هنا كان للأم مكانتها العالية في الخلق. فهي التي تحتضن الحضن الحاضن للذرية (ألا وهي الرحم). وبدون احتضانها لهذا الحضن لا تأتي ذرية.
ومن هنا أيضا حضت الشريعة على نقائه وطهارته. فحفظ الرحم لأن أهميته متعدية لكل الأجيال التي ستأتي من تحت هذه الرحِم. ومن هُنا أيضا جاءت قضية حفظ الأنساب.
والذي أراه أنّ إضاعة الأنساب (خلطها) ، بأن تُنجب الزوجة من غير زوجها بالزنا ، أو بأن يُنسب الجنين إلى الزوج التالي -إذا لم يتم الإلتزام بشهور العدة في الطلاق والوفاة- إنما يعني نسب شخص لغير رحمه. لماذا؟
لأنه حتى لو كانت الرحم الحاضنة للجنين معلومة وهي الأم المباشرة. لكن أبي الجنين الحقيقي إنما هو آتٍ من رحم أخرى غير التي سيُنسب المولود لها ، نسبة رحم . أي أن رحم جدة الجنين لأبيه الحقيقي ليس هو رحم جدته لأبيه الذي سينسب إليه.

ولما علمنا ذلك فهمنا بعض سرٍ من أسرار الحث على صلة الرحم. فكأن مفهوم (صلة الرحم) يتسع ليشمل صلة القرابة مع الحفاظ على الأنساب . أي أنّه مفهوم أوسع مما يظن البعض . فهو في أصله، المحافظة على التسلسل الحقيقي والصلة الحقيقية لشجرة الارحام وصولا إلى أعلى رحم في الإنسان وهي رحم حواء لأنها الرحم الأولى.

وبتحقيق حفظ نَسب الأرحام من غير دُخلاء يُربكون العلاقة ويقطعون الصلة الحقيقية ، مع تحقيق وصلها الذي يُعني إيجاد علاقة وصل بين الأقارب نكون قد حققنا المفهوم الشامل لمعنى (صلة الرحم) ونكون قد أدركنا بعض أهمية الأم ؛ الأم المُباشرة وكذلك جميع الأمّات السابقات واللاحقات.
إذن ، فقضية الخلق والوجود الإنساني يجب أن لا تخلو من قضية الرّحم بمفهومها الواسع. لأنها عنصر رئيس من عناصر استمرار التناسل البشري واستمرار صحة النسب الابوي والرحمي معا.

ودمتم.

 

‫6 تعليقات

  1. يا أخي لقد جطت الموضوع جوطة كالتي فعلت بموضوع النفس والروح وتناولته بلا ضوابط منطقية فخلطت بين الأرحام والذراري والانفس والإقرار الذي أخذه الخالق على بني آدم من ظهورهم ألست بربكم فشهدوا وأقروا بربوبيته. والرحم وهو جزء من تركيب جسد الأنثى سواء كانت بشرا كأمنا حواء أو كأي أنثى حيوان ثدي آخر ولا علاقة له (وهو مذكر ولم تعط سبباً لتأنيثه) بالأنساب إلاّ من حيث احتوائه على الجنين المنسوب لأبيه وليس لأمه سواء كانت زوجة شرعية للأب أو غير ذلك حيث ينسب كل حمل إلى الفراش سواء كان فراش زوجية حقيقي أم افتراضي أي إلى الأب متى عرف في حالة الزنا أو هو معروف سلفا في حالة استئجار الرحم الحاضن لنطفة الأب الذي قد لا يعرف المرأة صاحبة ذلك الرحم ولم يرها في حياته!
    أما وصل الأرحام فلأنها رمز القرابة سواء كانت هذه القرابة رحمية بالاشتراك في رحم واحد أم عصبية من جهة الأب حيث تنسب الأنساب والرحم أهميته تكمن فقط في أهميته كحاضنة مادية للجنين الذي يتخلق بداخله وتنفخ فيه روحه وتسوى نفسه وينمو بدنه بالعمليات الحيوية من بدن الأم أو صاحبة الرحم، فهو أي الرحم جزء جسم الأنثى خلق معه وليس الرحم شيئاً منفصلاً أو مستقلاً عن الجهاز التناسلي للأنثى ومعنى الحديث المروي هو المغزى الأخلاقي الديني وليس التكويني فالسنة النبوية ليست معنية بأمور التكوينية ولا تجد الإشارة إليها في القران كلام الخالق الذي هو أعلم بخلقه ونبيه الكريم مبلغ لكلامه جل وعز بإعجاز إشاراته الخلقية التكوينية ولذا يلتمس فهم مثل هذه الأمور في النص القرآني وليس المروي من السنة.

    1. تحياتي استاذنا.

      بخصوص تأنيث الرحم.. فقد استشهدت بالحديث المذكور: (قَامَتِ الرَّحِمُ، فَقَالَتْ: هَذَا مقَامُ الْعَائِذِ بِكَ مِنَ الْقَطِيعَةِ، قَالَ: نَعَمْ، أَمَا تَرْضَيْنَ أَنْ أَصِلَ مَنْ وَصَلَكِ، وَأَقْطَعَ مَنْ قَطَعَكِ؟ قَالَتْ: بَلَى، قال: فذَلِكَ لَكِ).

      بخصوص الروح والنفس في المقال السابق، فذكرت لكم اسبابا واضحة مستشهدا بالقرآن وبما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقد قراه علماء كما قرأوا كتابي (اسرار الحياة الغامضة) ولم يعترض أحد منهم.

      وبخصوص استفساراتك حول ربطي الرحم الاول بكل ما يتعلق بالزواج والنسب وغير ذلك .. فارجو ان تعيد قراءة المقال. وفي العموم ان شاء الله سأجيبك غدا ان شاء الله لانشغالي اليوم.
      ودمتم.

      1. الأحاديث ولأننا غير متأكدين تماماً عن صحة متونها وأحياناً إسنادها لذا فألفاظها ليس بها إعجاز القرآن فبعض الأحاديث بل أغلبها تروى بالمعنى وليس بالحرف فألفاظها هي من الرواة في هذه الحالة ولا يأخذ منها المعنى فقط دون اللفظ هذا فضلاً على أنها لا تصلح للاستدلال العلمي

  2. بخصوص الروح والنفس في مقالك السابق أرجو أن يكون العلماء الذين قرأوه ليسوا علماء دين فقط وانما في العلوم الطبيعية المادية والنفسية ومن يفهمون الاعجاز العلمي للقرآن أي ربط لفظه والاشارات العلمية التي يتضمنها بالعلم التطبيقي والنظري الذي وصلته البشرية اليوم. وذلك بمقارنة الحقائق العلمية بما يشير إليها من النص القرآني والعكس بضبط المفهوم النصي واللفظي بالمفهوم العلمي الطبيعي كالتمييز بين البدن والروح والنفس والعقل وكلها ألفاظ قرآنية تفهم ألفاظها الواردة في القرآن على معناها العلمي وليس المعنى الفقهي المستنتج بفهم المفسرين والفقهاء حيث لا ينتظر من الفقيه أو المفسر أن يصيب إذا كان لا يدري ما الدلالة العلمية للفظ (الصفة أو الإسم أو الفعل) المستخدم في النص القرآني. فمثلاً كلمة أحوى لما بانت دلالتها العلمية بمعنى أكثر احتواء صار المعنى القديم وهو اللون الداكن بسبب الجفاف والبلى والقدم حسب المفسرين لم يكن هو المعنى المراد وانما المراد هو ليس تغير لون الكلأ الطازج الأخضر وإنما اشتماله على عناصر الغذاء أكثر حينما يصير قثاء أي جافاً مع الاحتفاظ بلونه الأخضر إذا حفظ في الظل – فصارة كلمة المرعى فقهيا تعني العلف الأخضر الطازج والقثاء الجاف وأن الجاف أكبر قيمة غذائية منالأخضر الرطب

  3. تصحيح ورد في كلامي الاشارة إلى النبات الجاف أو اليابس بكلمة قثاء والصحيح غثاء كما ورد في الآية لأن القثاء هو نبات معين من الحنطيات أو البقوليات كما ورد في قصة موسى وقومه في التيه حين قالوا له (فَادْعُ لَنَا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنَا مِمَّا تُنبِتُ الْأَرْضُ مِن بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا ۖ) – رغم أن الغثاء يشمل جميع النبات الذي ترعى عليه الأنعام لو كان بصلا او ثوما او عدس وقثّاء وغيره إلا أن الكلمة الواردة في القرآن عي غثاء لذا لزم التنبيه

    1. جميل كلامكم.
      انا فقط مُركز جل همي على الانسان والجن.
      وبخصوص النباتات فسأقرأ عنها من خلال كلامكم.
      تحياتي.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..