ثقافة وفنون
الحاجه فاطمه

الحزن المتسرب للشباب غير المتزوجين من أبناء العائلة الآتي عبر شارع النيل نعي المرحومة الحاجة فاطمة حيث كانت تفصح دائما عما في أعماقها. لابد أن تنفجر الحقائق يوما. البلاد مرت بكثير من المصائب والآن عليها أن تتعافي. تحلم الحاجة فاطمة ببزوغ فجر عالم جديد. بلاد حرة متنورة ومحبه فوق الانتقام لانها تغفر .موحدة، متعلمة، وذكية. للأرض الأسيرة سلام. ..حملت الريح أحلامها حيث سيتلاسي الكذب وتسود الحقيقة.
في ذات صباح اثنين خريفي حزين كان الآذان يرسل صوته الشجي بأن الصلاة خير من النوم. والهواء مفعم ببرودة الصباح الباكر. كانت الحاجة فاطمة تلفظ أنفاسها الأخيرة. عاشت أيامها ببعض من غضب. ألم وخيبات أمل وقليل من البهجة والفرح. أحبت أولادها حتي الثمالة وكان تواصلها العاطفي متين. كانت كما السودان انهاره الدفاقة وديانه وحقول الذرة المثقلة بالمحصول. الفول السوداني والسمسم. نيله وعصافيرة المزقزقة وحدائقة الوارفة وبساتينه المعطاءة. وفوق كل ذلك عمت المأساة أهلها لفقدانها بكي الجميع دون توقف. كانت تحكي عن الثريا ورب التبانة والعنقريب والعقرب والجديد. وعن عينات الخريف الطرفة والنترة والسماك. وعن الفتي المهدي الإمام وكيف وجد اسمه منقوشا علي صفق الشجر وقشر البيض. عن التاريخ والناس الجغرافيا والأشياء كانت تحكي. عن النجوم وابوزيد الهلالي وفاطمة السمحة والغول .ووقع الجميع في حب القصص وشرب القهوة وأكل الترمس والفول السوداني والسمسم المقلي المحلي بالعسل في أيام الشتاء الباردة. وتظل في مداراتها تهتم بالناس أجمعين احبوها فبادلتهم حبا بحب. كنا نشتعل ونخمد وننسي اللحظات التعيسة. كانت تتبادل الهدايا مع جاراتها. المسيال وفك الريق وتنتنة القهوة. تعمل بإتقان طبيخ الملوخية والرجلة بمرقة الضأن. المحشي بالشمار الأخضر. الكفتة بقدحة الثوم والكنافه. وللتحلية عندها طعم خاص. تعرف في الفلك والزراعة وتربية الحيوان والدواجن .
قالت لابنها البكر ذات يوم ستقتل قلبي. كان شقيا يومها وكانت دائما ماتوصيه علي الصبر والصلاة. كانت تشعر بالشفقة والخجل والخوف وكانت مهمومة أن يتعلم أولادها والبنات. ناضلت حتي خرجتهم من الجامعات. وبما أن زوجها متوفي لم تتواني لحظة من تحمل المسؤولية بإرادة حديدية لاتقهر.
بعد موتها راح الألق .ذبلت الحديقة. ما عادت الأيام تضج بإثارة جديدة. وكأن بهاءا معين قد غادر ساحات غرفتها والي الأبد. ماعادت الأماسي بهية وفقد أبناؤها حماسهم وماعاد الإيقاع هو الإيقاع. وفي الأيام التي تلت تلاشت المسرة. ما يشدهم للحياة صار رخوا. وبروحها المتوجهة والوثابة تحلق دوما في احاديثهم. وولدت براءة أخيرا ابنة حفيدها عمر كأنما تقمصتها روح الجدة. رفعت همتهم وصاروا بها سعداء ياللهول اللذيذ. اسماؤنا تدل علي مصائرنا والنهايات. وكخيال جوال رأوا صورة روحها في النعيم تنظر وفي عينيها الفرح والسرور ويدها ممدودة لتقطف تفاحة حمراء ..



