ما بين اعتزاز النفس وعزة الموقف

صار من الصعب التنبؤ بما ستصير إليه الأمور في قضايا الحوار ووقف الحرب، فالرغبات المتوافرة من الأطراف المختلفة لإنجاز خطوات إيجابية هي رغبات متنازعة ما بين قناعتهم بحتمية الوصول إلى حلول بحكم الواقع الذي تعيشه كل أطراف الأزمة وما بين إصرارهم على عدم تقديم تنازلات في المواقف المعلنة حول شروط المشاركة في الحوار.
متنازعون داخلياً بين مشاركة لا مفر منها وبين إصرار على عدم التنازل عن الموقف المعلن حتى لا يسمى هذا التنازل انهزاماً أمام الطرف الآخر.
هذا النزاع الداخلي بين اعتزاز النفس وعزة الموقف، يطيل أمد الأزمة التي تثقل عاتق الجميع بأعباء حرب وصراع مستمر لم يعد أي طرف يمتلك قدرة على تحمله..
فاستمرار الأزمة السياسية والحرب بالنسبة للحكومة يعطل لها كل برامجها ويستحوذ على النسبة الأكبر من ميزانيات الدولة في ظل ظروف اقتصادية ضائقة، أما قوى المعارضة السياسية فقد حولت نفسها بإرادتها من أصل إلى تابع.
وكذلك حال الحركات المسلحة المنهكة تماماً الآن لكنها تحاول أن تغطي على ضعفها وإنهاكها العسكري بلسانها فقط وهذا يتجلى بوضوح من خلال ضعف قدرة تلك الحركات على استخدام ورقة الحرب أثناء أو قبل جولة التفاوض كما كان يحدث في السابق وليست قضية إعلان وقف إطلاق النار لفترة محددة بمبررات إدخال الإغاثة إلا محاولة تحايل على ضعف تلك الحركات وعدم قدرتها على تمويل وتنفيذ عمليات عسكرية مؤثرة كما في السابق.
وبالتالي ليس من مصلحتها هي الأخرى استمرار حالة الحرب والاستنزاف لفترة أطول.
الحرب في تعريفاتها الحديثة هي محاولة للتأثير على طرق حل خلاف ما لصالح طرف من الأطراف أو كما قال منظر الحرب كلاوزفيتر (الحرب هي ممارسة السياسة بطرق أخرى) أو ممارسة السياسة عن طريق العنف، بمعنى أن كل حاملي السلاح أنظارهم موزعة بين النظر إلى طاولة التسوية بتقديرات خاصة لحجم مكاسبهم فيها.. والتحديق في ميدان الحرب الذي يطول لسانهم في الحديث عنه لكن تتقاصر أيديهم عن السيطرة عليه.
هي مثل شبكة صيد ملقاة في قاع هذا البحر الدامي وسيتم جمعها في لحظة الظن بالحصول على الصيد الثمين.
ولكن حين يكون هذا الصياد يعاني المرض ويشكو البرد وسخونة الرأس والجوع.. فعليه أن يجمع شباكه ويرضى بما بداخلها من أسماك قليلة حتى لا يفقد كل شيء ويسقط طريحاً على هذا الشاطئ.. شاطئ المكاسب والموت.
شوكة كرامة
لا تنازل عن حلايب وشلاتين
اليوم التالي