مقالات سياسية
محمد حسن العمدة28 مايو، 2024
التجربة العلمانية في السودان تقرير المصير من الألف للياء مراحله وكوارثه على الدولة السودانوية الجزء الأول

محمد حسن العمدة
لماذا استبق اتفاق حمدوك – الحلو المؤتمر التأسيسي لتقدم ؟
هل ستقبله القوى المدنية مضطرة ام سينفض سامرها على اثره ؟؟
ما هي العلاقة بين تقرير المصير سابقا وبين ما طرحه اتفاق حمدوك الحلو حاليا ؟
هل ستقبله القوى المدنية مضطرة ام سينفض سامرها على اثره ؟؟
ما هي العلاقة بين تقرير المصير سابقا وبين ما طرحه اتفاق حمدوك الحلو حاليا ؟
مقدمة :
في العام ١٩٥٥م اندلعت حرب جنوب السودان لتستمر حتى ١٩٧٢م توقيع اتفاق الحكم الذاتي بين نظام ٢٥ مايو وحركة أنانيا (سم الافعى) أنهى الحرب الاولى في جنوب السودان ونص على :
الحكم الذاتي لجنوب السودان
الاعتراف واحترام بالأديان جميعها بما في ذلك الاديان الأفريقية المحلية لجنوب السودان
الاعتراف بالخصائص الثقافية لجنوب السودان
دمج قوات انانيا في الجيش السوداني
بإعلان نظام ٢٥ مايو تقسيم اقليم جنوب السودان إلى ثلاثة اقاليم انهارت اتفاقية اديس ابابا ١٩٧٢م بتمرد كتيبة تتبع للجيش السوداني وتولى قياداتها لاحقا الدكتور جون قرنق مكونا الحركة الشعبية لتحرير السودان في يونيو ١٩٨٣م انانيا تو اتخذت الحركة منفستو خاص بها شكل رؤيتها الاشتراكية في اطار السودان الموحد عرفت بالسودان الجديد القائم على المواطنة التي تُساوي في الحقوق والواجبات بصرف النظر عن العِرق أو الدين أو اللغة أو الثقافة .
في هذا الوقت كانت الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي بقيادة الاتحاد السوفييتي والغربي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية في اشدها واختارت الحركة الانضمام لما عرف بحلف عدن التحالف الاشتراكي بالإقليم الذي حاول السوفيت بمشاركة فيدل كاسترو اقامة تحالف يضمن المصالح السوفيتية الاشتراكية للسيطرة على القرن الأفريقي ضم التحالف كل من اثيوبيا منجستو هيلا ماريام واليمن الجنوبي وليبيا القذافي في مقابل سودان نميري ومصر السادات الموالي للمعسكر الغربي بقيادة الولايات الامريكية..
اندلعت انتفاضة أبريل ٨٥ ثورة الشعب السوداني ضد نظام ٢٥ مايو
إعلان كوكادام
في مارس ١٩٨٦م جرى توقيع اتفاق إعلان كوكادام بين رئيس حزب الامة القومي السيد الصادق المهدي ودكتور جون قرنق رئيس الحركة الشعبية نص على :
الغاء اتفاقية الدفاع المشترك بين السودان ومصر
الغاء ما عرف بقوانين سبتمبر ١٩٨٣م .
محاكمة اثار مايو ورموزها
لم يستمر الاتفاق وتبادل الطرفان حكومة السودان والحركة الشعبية الاتهامات بخصوص انهياره
مبادرة السلام الميرغني – قرنق
في نوفمبر ١٩٨٨م جرى إعلان اتفاق بين مرشد الحزب الاتحادي الديمقراطي الشريك في الحكومة السودانية محمد عثمان الميرغني والحركة الشعبية لتحرير السودان دكتور جون قرنق نص الإعلان على :
إعلاء مبادئ الوحدة ورابطة المواطنة .
تجميد قوانين سبتمبر ١٩٨٣م المسماة إسلامية
عقد مؤتمر قومي دستوري في سبتمبر ١٩٨٩م يشارك فيه كل السودانيين
في أبريل ١٩٨٩م نظمت الحكومة السودانية ما عرف باجتماع القصر شمل كافة القوى السياسية والامنية ممثلة في القوات المسلحة اتفق الاجتماع على اعادة كافة الاتفاقيات الموقعة مع الحركة الشعبية وعقد مؤتمر قومي دستوري في سبتمبر ١٩٨٩م تشارك فيه الحركة الشعبية لتحرير السودان ، قطعت طريقه الجبهة الاسلامية القومية بانقلابها في ٣٠ يونيو اي مستبقة المؤتمر القومي الدستوري
انقلاب ٣٠ يونيو ١٩٨٩م
بهذا الانقلاب تحولت الحرب بجنوب السودان من حرب سياسية الى حرب دينية قطعت كافة الجهود لإنهاء الحرب وتمددت لتصل اقليم دارفور تمرد يحى بولاد وانضمامه للحركة الشعبية واعلن نظام الجبهة الإسلامية الجهاد ضد الحركة الشعبية لتحرير السودان ليزيد الحرب اشتعالا ويعقد امرها
ظهور مطلب حق تقرير المصير .
مطلع التسعينات من القرن الماضي شهد عدة متغيرات اساسية أدت إلى احداث انقسام داخل الحركة الشعبية بانهيار نظام منجستو هيلا ماريام في مايو ١٩٩١م الذي كان يقدم الدعم للحركة الشعبية وظهرت التيارات الانفصالية بقيادة كل من دكتور رياك مشار ولام أكول او ما عرف بمجموعة الناصر لاحقا اعلن الانقساميون تمردهم على الحركة الام في اغسطس ١٩٩١م واعلان رغبتهم في الانفصال عن السودان عبر تقرير المصير وكان هذا اول ظهور لمبدأ تقرير المصير في الأزمة السودانية كما قرر الانفصاليون عن عزل دكتور جون قرنق … تدخلت ايادي نظام الجبهة الاسلاموية ووجدت في الانقسام مرتعا خصيبا لها وقدمت الكثير من الدعم المالي والعسكري واسست المليشيات المساعدة لها داخل المكونات الجنوبية حينها ..
في المقابل عقدت الحركة الشعبية بزعامة دكتور جون قرنق اجتماعا لمكتبها السياسي في سبتمبر ١٩٩١م قرر انه وفي ظل تحول الحرب إلى حرب دينية فان اي اتفاق سلام يجب ان يشمل :
وقف الحرب باعتماد نظام حكم ديمقراطي علماني
او نظام كونفيدرالي
او تجمع لدول ذات سيادة واحدة
او تقرير المصير
وبهذا اصبح تقرير المصير مطلبا جنوبيا متفق عليه ويدخل ادبيات الحرب لاول مرة في تاريخها منذ ١٩٥٥م
اتفاق فرانكفورت يناير ١٩٩٢م :
واصل انقلاب الجبهة الاسلامية تدخلاتها بين الفرقاء الجنوبيين وعقد اول اجتماع في نيروبي اكتوبر ١٩٩١م مع الفصيل المنشق الانفصالي بقيادة دكتور لام أكول وقررا عقد اجتماع آخر موسع في دولة غربية اختيرت المانيا مقراً له وانعقد اتفاق فرانكفورت في يناير ١٩٩٢م بين انقلاب ٣٠ يونيو ومجموعة الناصر ونص على الاتي :
فترة انتقالية يتمتع جنوب السودان خلالها بنظام قانوني دستوري خاص
اجراء استفتاء عام في جنوب السودان بنهاية الفترة الانتقالية يقرر فيه الجنوبيون مصيرهم في الحكم
وبذلك اصبح تقرير المصير لجنوب السودان المتفق عليه بين حكومة السودان والحركة الانفصالية جندا اساسياً في اي حوار لإنهاء الحرب لاول مرة في تاريخها
خاصة بعد ان تبنت مبادرة الايقاد في مايو ١٩٩٤م لتقرير المصير بموجب اتفاق الحكومة والتيار الانفصالي
مبادرة الايقاد مايو ١٩٩٤م :
حاول نظام الجبهة الاسلامية في الخرطوم التملص من تقرير المصير في مبادرة الايقاد المبادرة التي عقدت بعد نداء رئيس النظآم الجنرال عمر البشير لدول الايقاد وهي (مبادرة مختصة بمحاربة الجفاف والتصحر بالإقليم) !!! خاطبها مطالبا إياها بالتدخل بينه والحركة الشعبية فوجدت في اتفاق فرانكفورت مدخلا لها وحينما رفضها البشير ذكرته دول الايقاد باتفاقهم في فرانكفورت وحاصرته بين قبول العلمانية او تقرير المصير ليعود مرة اخرى ليوافق عليها بعد اتفاقه مع الحركات الانفصالية في الناصر ١٩٩٧م
اتفاقية الخرطوم للسلام ١٩٩٧م او ما عرف السلام من الداخل :
وقعت حكومة الجبهة الإسلامية اتفاق السلام بينها وبين الحركات الانفصالية بقيادة كل من رياك مشار ولام اكول وكاربينو وروك طون أروك وفاولينو ماتيب وآخرين تطورت الاتفاقية لتصبح ضمن بنود ما عرف بدستور السودان ١٩٩٨م وبذلك ادخلت الجبهة الإسلامية حق تقرير المصير في الدساتير السودانية لاول مرة في تاريخ السودان
إذا ظهر حق تقرير المصير في المشكلة السودانية في ١٩٩١م بعد انقسام الحركة الشعبية وأقرته حكومة الجبهة الإسلامية باتفاق فرانكفورت في يناير ١٩٩٢م وبعدها انتقل الي الحركة الشعبية الام بقيادة جون قرنق الذي طالب به حلفائه في المعارضة السودانية .
الحركة الشعبية والأحزاب السياسية المعارضة :
بدأ اول اتصال بعد انقلاب الجبهة الإسلامية في يونيو ٨٩ بمبادرة من حزب الامة القومي بقيادة الصادق المهدي في يناير ١٩٩٠م نوقش فيه انضمام الحركة الشعبية لميثاق التجمع الوطني الديمقراطي المتفق عليه في اكتوبر ١٩٨٩م بين القوى السياسية والمدنية المعارضة للانقلاب مثل حزب الأمة مبارك الفاضل وعن الحركة الشعبية سلفاكير ميارديت اتفق الطرفان على اسقاط نظام الجبهة الإسلامية واستعادة النظام الديمقراطي وعقد المؤتمر القومي الدستوري الذي تم الاتفاق عليه في مبادرة الميرغني قرنق والذي كان مقررا له سبتمبر ١٩٨٩م
والحق الاتفاق باتفاق آخر نص على وقف العدائيات بمناطق التماس بين القبائل والحركة الشعبية لتحرير السودان .. باتفاق الحركة الشعبية وحزب الامة ممثلا للتجمع الوطني الديمقراطي انضمت الحركة الشعبية اليه تلقائيا بعد اجازة الانضمام في مؤتمرها سبتمبر ١٩٩١م المشار اليه في مقدمة المقال بتوريت .
مؤتمر نيروبي ابريل ١٩٩٣م :
حضر المؤتمر ممثلون للحركة الشعبية وحزب الأمة والحزب الاتحادي الديمقراطي والحزب الشيوعي السوداني والاتحاد السوداني للأحزاب الأفريقية والمؤتمر السوداني الأفريقي والقيادة الشرعية للقوات المسلحة
اعلن المؤتمر اتفاقه على تمسكه بالسودان الموحد وادراج الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان في الدستور السوداني و بناء الدولة على اساس المواطنة دون اي تمييز بين المواطنين علي اساس الدين او العرق او اللغة او الثقافة واحترام جميع الاديان والتقاليد
الملاحظ ان مؤتمر نيروبي ١٩٩٣م لم يتحدث على الإطلاق عن علمانية الدولة و ولا عن تقرير المصير إلا انه وجد طريقه إلى مؤتمر اسمرا للقضايا المصيرية منذ تحضير اجندته في ديسمبر ١٩٩٤م حيث وقعت الحركة الشعبية اتفاقيات مع الحزب الاتحادي الديمقراطي في القاهرة يوليو ١٩٩٤م ومع حزب الامة القومي ما عرف باتفاقية شقدوم ديسمبر ١٩٩٤م واجهت في الاتفاقيتين الحركة الشعبية الحزبين بمطالب الحركات الانفصالية ودخول حق تقرير المصير ضمن الصراع الجنوبي الجنوبي والجنوبي الشمالي ووجد طريقه إلى المبادرات الاقليمية فكان مؤتمر اسمرا للقضايا المصيرية يونيو ١٩٩٥م .
إعلان اسمرا للقضايا المصيرية ١٩٩٥م :
عقد التجمع الوطني الديمقراطي بكافة مكوناته مؤتمره التأسيسي في مدينة أسمرا الإريترية وصاغ قضاياه المصيرية وحلولها ووسائل تحقيقها وما يهمنا هنا هو ما يخص هوية الدولة وحق تقرير المصير حيث نص الاتفاق علي :
أن المعاهدات الدولية والاقليمية المعنيّة بحقوق الانسان سوف تكون جزءاً أساسياً من قوانين السودان ، وأن أي قانونٍ يتعارض معها سيكون باطلاً وغير دستوري. كما اتفقوا أيضاً أن القوانين سوف تؤكد المساواة بين السودانيين على أساس المواطنة ، واحترام المعتقدات الدينية والتقاليد بدون التمييز بسبب الدين أو العرق أو الجنس أو الثقافة ، وأن أي قانونٍ يتعارض مع هذه المبادئ سيكون باطلاً وغير دستوري
كما نص على عدم قيام اي حزب سياسي على اساس ديني حاسما جدلية الدولة العلمانية والدينية بدون اتخاذ اي مصطلحات فلسفية او خلافية وهنا كانت عبقرية مقررات اسمرا للقضايا المصيرية بخصوص علاقة الدين بالدولة
ايضا تناول المؤتمر مسالة حق تقرير المصير ونصت علي ان يكون تقرير المصير للاختيار بين خياري :
السودان الموحد فيدرالي / كونفيدرالي
او الاستقلال
كما اقرت بأن الاستفتاء يجب ان يكون في نهاية فترة انتقالية تعمل على بناء الثقة واعادة بناء الدولة السودانية على الاسس المتفق عليها
خلاصة القول ان حق تقرير المصير لم يدخل اجندة الصراع السياسي السوداني إلا بعد انشقاق الحركة الشعبية لتحرير السودان واستغلال نظام عمر الضلالي لذلك الصراع وتدخله لتأجيجه ولو كان علي حساب وحدة السودان واستقراره فزج بحق تقرير المصير لزيادة الصدع بين الحركات الجنوبية وليصبح واقعا بعد ذلك ادى لانفصال جنوب السودان وتشجيع الحركة الشعبية شمال جناح عبد العزيز الحلو على تبنيه مؤخرا مستغلا الحرب المفتعلة بين الاجهزة الامنية لنظام عمر الضلالي وتفرق القوى المدنية ولتضع اتفاقها مع حمدوك بصفته رئيسا لتنسيقية القوى الديمقراطية والمدنية امرا واقعا امام اجندة مؤتمرها التأسيسي ليعيد التاريخ نفسه في الممارسة السياسية والتحالفات المدنية ولا يجد المؤتمرون بدأ من قبوله او تفجر الخلافات بينهم وتفرق سامرهم .
والسؤال الرئيسي هو هل كل ما يحدث في السودان محض صدفة ام له تدخلات خارجية اقوى من كل الاحزاب السياسية والمكونات المدنية الديموقراطية في السودان؟.
الاعتراف بالخصائص الثقافية لجنوب السودان
دمج قوات انانيا في الجيش السوداني
بإعلان نظام ٢٥ مايو تقسيم اقليم جنوب السودان إلى ثلاثة اقاليم انهارت اتفاقية اديس ابابا ١٩٧٢م بتمرد كتيبة تتبع للجيش السوداني وتولى قياداتها لاحقا الدكتور جون قرنق مكونا الحركة الشعبية لتحرير السودان في يونيو ١٩٨٣م انانيا تو اتخذت الحركة منفستو خاص بها شكل رؤيتها الاشتراكية في اطار السودان الموحد عرفت بالسودان الجديد القائم على المواطنة التي تُساوي في الحقوق والواجبات بصرف النظر عن العِرق أو الدين أو اللغة أو الثقافة .
في هذا الوقت كانت الحرب الباردة بين المعسكرين الشرقي بقيادة الاتحاد السوفييتي والغربي بقيادة الولايات المتحدة الامريكية في اشدها واختارت الحركة الانضمام لما عرف بحلف عدن التحالف الاشتراكي بالإقليم الذي حاول السوفيت بمشاركة فيدل كاسترو اقامة تحالف يضمن المصالح السوفيتية الاشتراكية للسيطرة على القرن الأفريقي ضم التحالف كل من اثيوبيا منجستو هيلا ماريام واليمن الجنوبي وليبيا القذافي في مقابل سودان نميري ومصر السادات الموالي للمعسكر الغربي بقيادة الولايات الامريكية..
اندلعت انتفاضة أبريل ٨٥ ثورة الشعب السوداني ضد نظام ٢٥ مايو
إعلان كوكادام
في مارس ١٩٨٦م جرى توقيع اتفاق إعلان كوكادام بين رئيس حزب الامة القومي السيد الصادق المهدي ودكتور جون قرنق رئيس الحركة الشعبية نص على :
الغاء اتفاقية الدفاع المشترك بين السودان ومصر
الغاء ما عرف بقوانين سبتمبر ١٩٨٣م .
محاكمة اثار مايو ورموزها
لم يستمر الاتفاق وتبادل الطرفان حكومة السودان والحركة الشعبية الاتهامات بخصوص انهياره
مبادرة السلام الميرغني – قرنق
في نوفمبر ١٩٨٨م جرى إعلان اتفاق بين مرشد الحزب الاتحادي الديمقراطي الشريك في الحكومة السودانية محمد عثمان الميرغني والحركة الشعبية لتحرير السودان دكتور جون قرنق نص الإعلان على :
إعلاء مبادئ الوحدة ورابطة المواطنة .
تجميد قوانين سبتمبر ١٩٨٣م المسماة إسلامية
عقد مؤتمر قومي دستوري في سبتمبر ١٩٨٩م يشارك فيه كل السودانيين
في أبريل ١٩٨٩م نظمت الحكومة السودانية ما عرف باجتماع القصر شمل كافة القوى السياسية والامنية ممثلة في القوات المسلحة اتفق الاجتماع على اعادة كافة الاتفاقيات الموقعة مع الحركة الشعبية وعقد مؤتمر قومي دستوري في سبتمبر ١٩٨٩م تشارك فيه الحركة الشعبية لتحرير السودان ، قطعت طريقه الجبهة الاسلامية القومية بانقلابها في ٣٠ يونيو اي مستبقة المؤتمر القومي الدستوري
انقلاب ٣٠ يونيو ١٩٨٩م
بهذا الانقلاب تحولت الحرب بجنوب السودان من حرب سياسية الى حرب دينية قطعت كافة الجهود لإنهاء الحرب وتمددت لتصل اقليم دارفور تمرد يحى بولاد وانضمامه للحركة الشعبية واعلن نظام الجبهة الإسلامية الجهاد ضد الحركة الشعبية لتحرير السودان ليزيد الحرب اشتعالا ويعقد امرها
ظهور مطلب حق تقرير المصير .
مطلع التسعينات من القرن الماضي شهد عدة متغيرات اساسية أدت إلى احداث انقسام داخل الحركة الشعبية بانهيار نظام منجستو هيلا ماريام في مايو ١٩٩١م الذي كان يقدم الدعم للحركة الشعبية وظهرت التيارات الانفصالية بقيادة كل من دكتور رياك مشار ولام أكول او ما عرف بمجموعة الناصر لاحقا اعلن الانقساميون تمردهم على الحركة الام في اغسطس ١٩٩١م واعلان رغبتهم في الانفصال عن السودان عبر تقرير المصير وكان هذا اول ظهور لمبدأ تقرير المصير في الأزمة السودانية كما قرر الانفصاليون عن عزل دكتور جون قرنق … تدخلت ايادي نظام الجبهة الاسلاموية ووجدت في الانقسام مرتعا خصيبا لها وقدمت الكثير من الدعم المالي والعسكري واسست المليشيات المساعدة لها داخل المكونات الجنوبية حينها ..
في المقابل عقدت الحركة الشعبية بزعامة دكتور جون قرنق اجتماعا لمكتبها السياسي في سبتمبر ١٩٩١م قرر انه وفي ظل تحول الحرب إلى حرب دينية فان اي اتفاق سلام يجب ان يشمل :
وقف الحرب باعتماد نظام حكم ديمقراطي علماني
او نظام كونفيدرالي
او تجمع لدول ذات سيادة واحدة
او تقرير المصير
وبهذا اصبح تقرير المصير مطلبا جنوبيا متفق عليه ويدخل ادبيات الحرب لاول مرة في تاريخها منذ ١٩٥٥م
اتفاق فرانكفورت يناير ١٩٩٢م :
واصل انقلاب الجبهة الاسلامية تدخلاتها بين الفرقاء الجنوبيين وعقد اول اجتماع في نيروبي اكتوبر ١٩٩١م مع الفصيل المنشق الانفصالي بقيادة دكتور لام أكول وقررا عقد اجتماع آخر موسع في دولة غربية اختيرت المانيا مقراً له وانعقد اتفاق فرانكفورت في يناير ١٩٩٢م بين انقلاب ٣٠ يونيو ومجموعة الناصر ونص على الاتي :
فترة انتقالية يتمتع جنوب السودان خلالها بنظام قانوني دستوري خاص
اجراء استفتاء عام في جنوب السودان بنهاية الفترة الانتقالية يقرر فيه الجنوبيون مصيرهم في الحكم
وبذلك اصبح تقرير المصير لجنوب السودان المتفق عليه بين حكومة السودان والحركة الانفصالية جندا اساسياً في اي حوار لإنهاء الحرب لاول مرة في تاريخها
خاصة بعد ان تبنت مبادرة الايقاد في مايو ١٩٩٤م لتقرير المصير بموجب اتفاق الحكومة والتيار الانفصالي
مبادرة الايقاد مايو ١٩٩٤م :
حاول نظام الجبهة الاسلامية في الخرطوم التملص من تقرير المصير في مبادرة الايقاد المبادرة التي عقدت بعد نداء رئيس النظآم الجنرال عمر البشير لدول الايقاد وهي (مبادرة مختصة بمحاربة الجفاف والتصحر بالإقليم) !!! خاطبها مطالبا إياها بالتدخل بينه والحركة الشعبية فوجدت في اتفاق فرانكفورت مدخلا لها وحينما رفضها البشير ذكرته دول الايقاد باتفاقهم في فرانكفورت وحاصرته بين قبول العلمانية او تقرير المصير ليعود مرة اخرى ليوافق عليها بعد اتفاقه مع الحركات الانفصالية في الناصر ١٩٩٧م
اتفاقية الخرطوم للسلام ١٩٩٧م او ما عرف السلام من الداخل :
وقعت حكومة الجبهة الإسلامية اتفاق السلام بينها وبين الحركات الانفصالية بقيادة كل من رياك مشار ولام اكول وكاربينو وروك طون أروك وفاولينو ماتيب وآخرين تطورت الاتفاقية لتصبح ضمن بنود ما عرف بدستور السودان ١٩٩٨م وبذلك ادخلت الجبهة الإسلامية حق تقرير المصير في الدساتير السودانية لاول مرة في تاريخ السودان
إذا ظهر حق تقرير المصير في المشكلة السودانية في ١٩٩١م بعد انقسام الحركة الشعبية وأقرته حكومة الجبهة الإسلامية باتفاق فرانكفورت في يناير ١٩٩٢م وبعدها انتقل الي الحركة الشعبية الام بقيادة جون قرنق الذي طالب به حلفائه في المعارضة السودانية .
الحركة الشعبية والأحزاب السياسية المعارضة :
بدأ اول اتصال بعد انقلاب الجبهة الإسلامية في يونيو ٨٩ بمبادرة من حزب الامة القومي بقيادة الصادق المهدي في يناير ١٩٩٠م نوقش فيه انضمام الحركة الشعبية لميثاق التجمع الوطني الديمقراطي المتفق عليه في اكتوبر ١٩٨٩م بين القوى السياسية والمدنية المعارضة للانقلاب مثل حزب الأمة مبارك الفاضل وعن الحركة الشعبية سلفاكير ميارديت اتفق الطرفان على اسقاط نظام الجبهة الإسلامية واستعادة النظام الديمقراطي وعقد المؤتمر القومي الدستوري الذي تم الاتفاق عليه في مبادرة الميرغني قرنق والذي كان مقررا له سبتمبر ١٩٨٩م
والحق الاتفاق باتفاق آخر نص على وقف العدائيات بمناطق التماس بين القبائل والحركة الشعبية لتحرير السودان .. باتفاق الحركة الشعبية وحزب الامة ممثلا للتجمع الوطني الديمقراطي انضمت الحركة الشعبية اليه تلقائيا بعد اجازة الانضمام في مؤتمرها سبتمبر ١٩٩١م المشار اليه في مقدمة المقال بتوريت .
مؤتمر نيروبي ابريل ١٩٩٣م :
حضر المؤتمر ممثلون للحركة الشعبية وحزب الأمة والحزب الاتحادي الديمقراطي والحزب الشيوعي السوداني والاتحاد السوداني للأحزاب الأفريقية والمؤتمر السوداني الأفريقي والقيادة الشرعية للقوات المسلحة
اعلن المؤتمر اتفاقه على تمسكه بالسودان الموحد وادراج الاتفاقيات الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان في الدستور السوداني و بناء الدولة على اساس المواطنة دون اي تمييز بين المواطنين علي اساس الدين او العرق او اللغة او الثقافة واحترام جميع الاديان والتقاليد
الملاحظ ان مؤتمر نيروبي ١٩٩٣م لم يتحدث على الإطلاق عن علمانية الدولة و ولا عن تقرير المصير إلا انه وجد طريقه إلى مؤتمر اسمرا للقضايا المصيرية منذ تحضير اجندته في ديسمبر ١٩٩٤م حيث وقعت الحركة الشعبية اتفاقيات مع الحزب الاتحادي الديمقراطي في القاهرة يوليو ١٩٩٤م ومع حزب الامة القومي ما عرف باتفاقية شقدوم ديسمبر ١٩٩٤م واجهت في الاتفاقيتين الحركة الشعبية الحزبين بمطالب الحركات الانفصالية ودخول حق تقرير المصير ضمن الصراع الجنوبي الجنوبي والجنوبي الشمالي ووجد طريقه إلى المبادرات الاقليمية فكان مؤتمر اسمرا للقضايا المصيرية يونيو ١٩٩٥م .
إعلان اسمرا للقضايا المصيرية ١٩٩٥م :
عقد التجمع الوطني الديمقراطي بكافة مكوناته مؤتمره التأسيسي في مدينة أسمرا الإريترية وصاغ قضاياه المصيرية وحلولها ووسائل تحقيقها وما يهمنا هنا هو ما يخص هوية الدولة وحق تقرير المصير حيث نص الاتفاق علي :
أن المعاهدات الدولية والاقليمية المعنيّة بحقوق الانسان سوف تكون جزءاً أساسياً من قوانين السودان ، وأن أي قانونٍ يتعارض معها سيكون باطلاً وغير دستوري. كما اتفقوا أيضاً أن القوانين سوف تؤكد المساواة بين السودانيين على أساس المواطنة ، واحترام المعتقدات الدينية والتقاليد بدون التمييز بسبب الدين أو العرق أو الجنس أو الثقافة ، وأن أي قانونٍ يتعارض مع هذه المبادئ سيكون باطلاً وغير دستوري
كما نص على عدم قيام اي حزب سياسي على اساس ديني حاسما جدلية الدولة العلمانية والدينية بدون اتخاذ اي مصطلحات فلسفية او خلافية وهنا كانت عبقرية مقررات اسمرا للقضايا المصيرية بخصوص علاقة الدين بالدولة
ايضا تناول المؤتمر مسالة حق تقرير المصير ونصت علي ان يكون تقرير المصير للاختيار بين خياري :
السودان الموحد فيدرالي / كونفيدرالي
او الاستقلال
كما اقرت بأن الاستفتاء يجب ان يكون في نهاية فترة انتقالية تعمل على بناء الثقة واعادة بناء الدولة السودانية على الاسس المتفق عليها
خلاصة القول ان حق تقرير المصير لم يدخل اجندة الصراع السياسي السوداني إلا بعد انشقاق الحركة الشعبية لتحرير السودان واستغلال نظام عمر الضلالي لذلك الصراع وتدخله لتأجيجه ولو كان علي حساب وحدة السودان واستقراره فزج بحق تقرير المصير لزيادة الصدع بين الحركات الجنوبية وليصبح واقعا بعد ذلك ادى لانفصال جنوب السودان وتشجيع الحركة الشعبية شمال جناح عبد العزيز الحلو على تبنيه مؤخرا مستغلا الحرب المفتعلة بين الاجهزة الامنية لنظام عمر الضلالي وتفرق القوى المدنية ولتضع اتفاقها مع حمدوك بصفته رئيسا لتنسيقية القوى الديمقراطية والمدنية امرا واقعا امام اجندة مؤتمرها التأسيسي ليعيد التاريخ نفسه في الممارسة السياسية والتحالفات المدنية ولا يجد المؤتمرون بدأ من قبوله او تفجر الخلافات بينهم وتفرق سامرهم .
والسؤال الرئيسي هو هل كل ما يحدث في السودان محض صدفة ام له تدخلات خارجية اقوى من كل الاحزاب السياسية والمكونات المدنية الديموقراطية في السودان؟.