إقلب الصفحة

(صواع الملك)

إقلب الصفحة!

فيصل عبد اللطيف
[email protected]

ذهب المواطنون الجنوبيون إلى الاستفتاء، يمارسون حقهم بحماسة ، ليذهب الجنوب .. ويقول وداعاً ..

وفي معمعة الاستفتاء نسمع من يعرض من الشمال توقعات وقراءات حول مستقبل الدولة الوليدة. بعضهم يرى أن الجنوب سيكون دولة فاشلة، وهناك احتمال نزاعات قبلية .. ولكن الجنوبيين ماضون لمستقبلهم ، ولا يلقون بالاً لهذه القراءات .. أعجبني قول أحد المسؤولين الجنوبيين في مقاطعة الرنك : “الجنوب دولة ستولد بطريقة ديمقراطية ..” وهناك من يتوقع أن يصبح الجنوب ” دبي أفريقيا .. أو هونج كونج جديدة ” . وأنأ أرجو أن يتطور الجنوب ديمقراطياً، وينهض ليقدم المثال الأفريقي.

أما الشمال ، وما أدراك ما الشمال .. أفضل نصحهم يقدم لأقوام الشمال ، ولأهل الحكم أن يدعوا الجنوب في حاله ، لقد اختاروا ، وهذا الاختيار جاء بناء على معطيات أسهم بها الشمال..

والشمال مطالب بأن يتدبر أموره.. لأن التحديات التي تواجه ما تبقى من السودان جسيمة وعظيمة .. دعونا من أن نتبرع بتصريحات من مثل : الشمال مستعد لدعم الجنوب بالمال، والعون اللوجستي .. فالشمال في حاجة لمن يعينه، ويخرجهم من الضائقة الاقتصادية ، ومن التأزم السياسي.

أهم التحديات أمام الشمال أن ينجح في محاصرة فيروس التمزق والتفكك .. أن يقنع أهالي البروتوكولات والمشورة الشعبية في جبال النوبة والنيل الأزرق بأن في استطاعتهم البقاء في سودان يسع الجميع، ويحتضن التنوع الثقافي والاثني ..

الشمال يواجه تحدي التوافق على نظام حكم يتدارك المآلات الخطيرة للوطن. أهل الحكم يتمسكون بالدستور الانتقالي ، ويصرون على بقائهم وفق نتائج الانتخابات الأخيرة .. وعلى المعارضة والقوى الأخرى أن “يقابلوهم بعد خمس سنوات” أمام صناديق الاقتراع .. ولكن ما الذي سيحدث خلال السنوات الخمس التي يتوقع أهل الحكم أن تكون فترة صياغة جديدة للسودان على هواهم ووفق منظورهم، بحزب مسطر وبرلمان صافي ؟

الشمال يواجه تحديات أزمة دارفور .. لقد أوقفت الحكومة منبر مفاوضات الدوحة، وطلبت من الحركات أن تتجه صوب الداخل إذا أرادوا التفاوض ، وقال الرئيس البشير ” تاني مافي مفاوضات برة ” وكان قد قال قبل ذلك : “الركب قطر مفاوضات الدوحة ركب والما ركب بي طريقتو”..

ولكن لم يلمس أحد من المراقبين أن تحويل قبلة التفاوض من الدوحة إلى الداخل لاقى قبولاً لدى الحركات الدارفورية .. ولا ندري إن كانت الحكومة جاهزة بخطة بديلة ، من مثل العودة إلى منبر آخر يكون مقبولاً لجميع الأطراف . هل بالإمكان أن تقوم الحكومة بمثل هذه المراجعة أو التراجع بعد الإعلان الحاد الواضح بوقف التفاوض الخارجي؟

المتابعون لأزمة دارفور وتعقيداتها يقرؤون أنها هذه الأزمة في سبيلها إلى أن تتعقد .. كيف؟

فور انتهاء انفصال الجنوب، وتحديداً فور انتهاء الاستفتاء، ستُقلب الصفحة، وستكون المرحلة دارفورية بامتياز . الولايات المتحدة ، التي لم تكن تعول كثيراً على منبر الدوحة ، عازمة على أن تزيد ثقلها وتضغط أكثر .. فقد قال السناتور جون كيري رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الأمريكي ، الذي زار دارفور قبيل بدء الاستفتاء على تقرير مصير الجنوب، إنهم بصدد ” إعادة عملية السلام في دارفور إلى جدول الأعمال بطريقة اكبر واهم .. ويتعين على الولايات المتحدة والقوى الأخرى ان تساند عقد جولة جديدة من محادثات السلام “الرفيعة المستوى” لحل الصراع في اقليم دارفور السوداني لان الجهود الحالية لا تحقق نجاحا.

ظن البعض أن ما قاله كيرى هو اجتهاد شخصي، ولكن اتضح أن عباراته بشأن فتح منبر خارجي هو رسالة أمريكية رسمية ، أفصح عنها الرئيس الأمريكي باراك أوباما في مقالة له نشرتها اليوم ( الاثنين ) صحيفة الشرق الأوسط : ” كما أبلغت القادة السودانيين في سبتمبر فإن الولايات المتحدة لن تتخلى عن أهالي دارفور، وسنواصل مساعينا الدبلوماسية لإنهاء الأزمة هناك ، إلى الأبد”.
ويقول الرئيس الأمريكي :” يجب على الأمم الأخرى أن تستخدم نفوذها لجمع جميع الأطراف حول المائدة وضمان أنها ستتفاوض بنية حسنة “. وذلك عين ما صرح به كيري لوكالة لرويترز : “.. المفاوضات التي تديرها الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي وتستضيفها الحكومة القطرية لم تكن تحظى باهتمام، ويتعين نقلها إلى مكان ابرز وان يدعمها مزيد من الأطراف الدولية”.

وأوباما الذي يكرر ” جزرة العلاقات الطبيعية ، ورفع العقوبات ، ورفع السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب” ، لم ينس في مقالته الإشارة إلى ” العصي ” في بقية مكونات خارطة الطريق الأمريكية تجاه السودان ودارفور، ، فهو يقول: ” سنواصل الإصرار على أن يشمل السلام الدائم المحاسبة على الجرائم التي اقترفت، بما فيها الإبادة الجماعية، التي لا مكان لها في عالمنا”.
يخشى أن تكون هناك أكثر من صفحة ستقلب وتطوى، وتفتح صفحات جديدة ، وهكذا إلى أن يطوى السودان كله ..
ـــــــــــــــــــ

[email protected]

تعليق واحد

  1. نحن النوبيون أبناء الشمال ، سوف نعمل منذ اللحظة للانفصال إن جاء سلماً أو بالقوة .. وسندق على هذا الوتر الحساس وشحذ همم أهلي الذين أعرفهم تماماً ..هم أكثر الناس حباً للوطن وتعلقاً به .. لكن حينما تصل الأمور لهذه الدرجة .. ويعيث أهل الجبهة في الوطن فساداً ما بعده فساد .. وينهبون أموال الشعب بكل بجاحة دون خجل أو حياء .. وحينما يصبح الشعب الذي قاد أكتوبر ( أعظم ثورة في التاريخ الحديث) عاجزاً عن فعل أي شيء .. فليكن خيارنا في الانفصال .. نترك لهم الجمل بما حمل .. ونعمل على بناء وطن جديد خال من العنصرية القميئة وكل فيه سيد نفسه .. ولنترك باقي السودان للبشير وزبانيته يفعلون فيه ما يشاؤون ..
    الجبهجية هم أكثر الناس كذباً وإفكاً ونفاقاً وضلالاً .. ويكفي ما فعلوه بالسودان وأهله .. بل يكفي حملهم لوزر تقسيم الوطن الذي عاش موحداً منذ آلاف السنين .. أعلنوا في بيان انقلابهم الأول المشؤوم أنهم سوف يحافظون على وحدة تراب الوطن .. واليوم يثبت واقع الحال أنهم جاؤوا ليفتتوا الوطن باسم الدين والشريعة ، وعملوا لانفصال الجنوب حتى يخلو لهم الجو ..
    المهم سوف نعلنها منذ اليوم .. نطالب بدولة للنوبة في الشمال تضم نوبة مصر ونوبة السودان ، وهي دعوة ليست بالغريبة ، فنحن أهل الحضارة والأمجاد منذ آلاف السنين .. وكنا وقتها أسياد العالم ..
    ولا نامت أعين الجبناء ..

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..