هنا محطة رواندا القديمة

أسماء جمعة

عندما يذكر اسم رواند فإن ذاكرة أي شخص تعود به لأبشع حرب أهلية وإبادة جماعية شهدتها أفريقيا والعالم قبل أكثر من 20 سنة، وقد راح ضحيتها مليون مواطن رواندي، ما يعادل 20% من السكان، والسبب يعود لقصة طويلة بدأت منذ أن خرج الاستعمار البلجيكي وترك رواندا لسكانها الأصليين عام 1959، لم تسعد رواندا باستقلالها مثل السودان وظلت تعاني عدم الاستقرار إلى أن انفجرت الأمور عام 1990 ودارت حرب أهلية طاحنة بين الهوتو الذين يشكلون أغلبية السكان والتوتسي دمرت البلاد وقضت على الاقتصاد والبنية التحتية والصحة والتعليم على ضعفها، وأصبحت رواندا عائلات مشردة ونازحة وأرامل ويتامى وعم الخراب كل شيء، كان حالها يشبه حال السودان الآن تقريباً.

في نفس هذه السنوات فجع السودان بوصول الحركة الإسلامية إلى السلطة وأصبح تحت قسوتها، وبدأت في تحويل السودان إلى رواندا أخرى، في حين أن روندا اتعظت واستطاعت بعد العام 1994 أن تتخطى الكارثة وتتجاوز أحزانها وتمضي بثبات إلى رحاب الاستقرار، بعد أن تمكن أبناؤها من تجاوز الأزمة عبر مصالحات مذهلة جرت بين القتلة والناجين من خلال الاعترافات الفردية والمغفرة والصفح في إطار محاكم أهلية، وحققوا الاستقرار السياسي والهدوء وبدأت الأحوال تتغير، الآن أصبحت رواندا واحدة من أكثر الدول شفافية واستقراراً وازدهاراً ونمواً ونظافة وجذباً للسياحة في العالم، ليبقى السودان وشعبه سجيناً في محطتها القديمة. الأسئلة التي تفرض نفسها الآن إلى متى ستظل حكومة المؤتمر الوطني وحركتها تسجن السودان في محطة رواندا القديمة ولماذا؟ وإلى متى سيظل الشعب السوداني مستسلماً لها ومنتظراً وهو يعاني الأمرين وإلى متى سيظل سلبياً عاجزاً عن اتخاذ مواقف مشرفة مثلما فعل الروانديون؟ لينتقل السودان إلى محطة رواندا الجديدة.

في الحقيقة الحكومة وحركتها الإسلامية تتعمد وتعمل جاهدة من أجل أن يبقى السودان في هذه المحطة ولا يغادرها أبداً، ولذلك فهي لا ترغب في إجراء أي نوع من المصالحات أو التغيير بأي شكل، ولا حتى مستعدة للتعاون مع الشعب لأخذ خطوة في هذا الاتجاه، ولكنها تعمل بجد على تضييع الزمن بحوارات غير مفيدة ومؤتمرات غير مجدية ومنابر تفاوض تخرج باتفاقات هشة وترضيات، وتنازلات كبيرة لإرضاء الدول العظمى وبحث عن مناصرين من نفس شاكلتها لدعمها أثناء محاكمات المجتمع الدولي لها، وتتخذ إجراءات عقيمة لتحسين الاقتصاد وغيرها من حيل تجعل التحرك والتغيير مستحيلاً، وهذا يصب في مصلحتها فهي تعلم أن قدراتها لا تمكنها من حكم دولة مزدهرة.

ليست رواند وحدها من حققت هذه النقلة المذهلة فقد كان لجنوب أفريقيا قصب السبق، وقبل أقل من 15 سنة جاءت تجربة ليبريا وهناك تجارب أخرى بدأت قبل ثلاثة أعوام وأخرى بدأت لتوها، هكذا تغادر كل الدول محطات الماضي السيئة والتخلف إلى رحاب الاستقرار والرفاهية إلا السودان ممنوع من التحرك بأمر الحركة الإسلامية وحزبها.

الشيء الوحيد المبشر دائماً هو أن السودان بلد غني بالموارد وقتما يعلن مغادرة هذه المحطة سيمضي سريعاً للحاق برواندا غيرها في طريق الازدهار وكلنا مطالبون بالعمل.

التيار

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..