السودان: «الدعم السريع» وطموح أن تكون إسرائيل!

نشرت وكالة «رويترز» للأنباء، قبل قرابة أسبوع تقريرا عن رصد مسيّرات بعيدة المدى (من طراز دلتا وينغ) قرب مطار نيالا، المدينة التي تعتبر عاصمة «الأمر الواقع» للحكومة التي أعلنت قوات «الدعم السريع» السودانية عن تأسيسها في بداية آب/ أغسطس الماضي في دارفور.
اعتبر التقرير رصد أكثر من 10 من هذه الطائرات «الانتحارية» إعلانا عن امتلاك قوات «الدعم السريع» أسلحة قد تغيّر مسار الحرب، وتثير مخاوف من انتهاكات لحظر السلاح وتدويل أكبر للصراع العنيف المندلع منذ نيسان / إبريل 2023 والذي تخوضه قوات «الدعم» ضد الجيش السوداني، الذي يرأسه عبد الفتاح البرهان.
تزامن الإعلان مع بدء هجمات بتلك المسيّرات القادرة على الوصول إلى أي مكان في السودان، على مناطق تواجد القيادات السياسية للحكومة المدعومة من الجيش في بورتسودان، الميناء الرئيسي للبلاد على البحر الأحمر، بعد الخراب الكبير الذي حاق بمراكز الحكومة في العاصمة الخرطوم.
استهدفت «الدعم السريع»، أمس الجمعة، مسجدا في مدينة الفاشر المحاصرة في دارفور بطائرة مسيّرة، مرتكبة مجزرة فظيعة ذهب ضحيتها أكثر من 75 شخصا. الفاشر هي عاصمة ولاية شمال دارفور، وهي آخر مدينة كبيرة في الإقليم الشاسع التي لا تزال تحت سيطرة الجيش وحلفائه. القصد إذن من جريمة الحرب هذه هو إرهاب السكان المحاصرين الذين لم تتوقف «الدعم السريع» عن تقتيلهم منذ حصارها للمدينة الذي بدأ منذ أكثر من عام.
باتت المدينة، منذ ذلك الحين، تشهد أعمال عنف وحشية ذات طابع عنصري وعرقي حيث تستهدف قبيلة المساليت، التي قتل منهم، منذ عام 2023 قرابة 15 ألف شخص، في استكمال لإرث الجنرال «حميدتي» في أعمال التصفية العنصرية حين كان يقود ميليشيات الجنجويد التي استعانت بها حكومة الرئيس المخلوع عمر البشير لمحاربة مجموعات عرقية غير عربية مما أدى حينها لمقتل 300 ألف شخص في ظل اتهامات بالإبادة.
خلال الأعمال العسكرية التي قامت بها «الدعم» في مخيم أبو شوك للنازحين، استهدفت مستشفيات ومناطق ذات كثافة سكانية عالية وألحقت أضرارا بهيئة المياه لمنع السكان من الوصول الى المياه النظيفة، كما استولت على مخيم زمزم الذي يعاني أيضا من المجاعة، وأقامت سواتر ترابية على امتداد أكثر من 31 كيلومترا تحيط بالمدينة، «مما يخلق منطقة قتل حرفيا»، حسب تقرير لمختبر الأبحاث الإنسانية في ييل.
حسب الأمم المتحدة، ما زال هناك 300 ألف مدني عالقين داخل الفاشر ومحرومين من الغذاء والمياه والدواء والمساعدات الإنسانية، وقد أعلنت المجاعة العام الماضي في ثلاثة مخيمات للنازحين، ويعاني نحو 40 بالمئة من الأطفال تحت سن الخامسة من سوء التغذية الحاد، ويأكل المدنيون علف الحيوانات، بينما يموت كثيرون ممن يهربون إلى الصحراء جوعا أو قتلا.
يجب القول إن طرفي النزاع في السودان كانا يسعيان، قبل اندلاع الصراع، إلى الاستقواء بإسرائيل في مسعاهما للسيطرة على السلطة، وأن الطرفين ارتكبا انتهاكات ضد المدنيين، لكنّ الواضح أن «الدعم السريع»، سواء لإرثها العنصريّ السابق، أو لارتباطها برعاة «أقوياء» وقريبين من الدولة العبرية، تستلهم «النموذج الإسرائيلي» الذي لا يقيم أي وزن لا لقوانين البشرية أو أخلاق الحروب، وتطمح، كما يظهر، لتمثّل تغوّله وتجبّره على العالم.



