المقالات والآراء

سهام الطائرات.. ورقصة الأمواج الحمراء

✍️ محمد هاشم محمد الحسن.
بينما تتصاعد وتيرة الأحداث وتتشابك خيوط الأزمة السودانية، يبرز سؤال محوري حول تداخل هذه الحرب مع أمن البحر الأحمر الحيوي. فبعد أن ظلت نيران الصراع تتأجج في الداخل السوداني، ها هي شراراتها تتطاير نحو الشرق الحساس، لتلامس شواطئ استراتيجية تهتز بالفعل على وقع صراعات إقليمية ودولية متصاعدة.

إن دوي الطائرات المسيّرة في سماء بورتسودان وكسلا ليس مجرد حدث عابر في سياق الحرب. بل هو أشبه بقرع طبول ينذر بمرحلة جديدة، حيث يتحول الصراع من نزاع داخلي إلى نقطة التقاء مصالح وأجندات إقليمية ودولية معقدة. فبورتسودان، التي كانت تعتبر حتى الأمس القريب ملاذًا آمنًا، أصبحت الآن ساحة محتملة لتداخل النيران، ومسرحًا لرسائل سياسية وعسكرية تتجاوز حدود السودان.

هذا التحول النوعي في طبيعة الصراع، باستخدام تكنولوجيا الطائرات المسيّرة، يحمل في طياته دلالات عميقة. إنه لا يعكس تطورًا في القدرات العسكرية للأطراف المتصارعة فحسب، بل يشير أيضًا إلى استراتيجية جديدة تهدف إلى زعزعة الاستقرار في المنطقة الأكثر أهمية لحكومة البرهان، وربما توجيه رسائل مبطنة إلى قوى إقليمية ودولية تراقب المشهد عن كثب.

إن الشرق السوداني، ببوابته المطلة على البحر الأحمر، يمثل نقطة ارتكاز حيوية في حسابات الأمن القومي لدول الجوار الإقليمي والقوى الكبرى المهتمة بأمن الملاحة الدولية، كما أنه يثير اهتمام أطراف إقليمية أخرى تسعى لتعزيز دورها في هذه البقعة الاستراتيجية. لذا، فإن أي اهتزاز في هذا الشرق، خاصة مع استخدام أسلحة متطورة كالمسيّرات، لا يمكن فصله عن التوترات المتصاعدة في مياه البحر الأحمر، حيث تتصادم مصالح قوى إقليمية ودولية.
والسؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هل ستظل بورتسودان بمنأى عن تداعيات هذا التصعيد؟ إن استهداف مدينة تحتضن بعثات دبلوماسية ومنظمات دولية يثير علامات استفهام كبيرة حول مستقبل الاستقرار السياسي والإداري في المنطقة. هل هو مؤشر على بداية تآكل سلطة الأمر الواقع، ونذير بتحول بورتسودان من مركز آمن إلى ساحة صراع جديدة؟

إن اختيار توقيت ومكان الهجمات يثير تساؤلات حول الأهداف الاستراتيجية للجهة المنفذة. فاستهداف بورتسودان، المركز الحكومي المؤقت والبوابة الرئيسية على البحر الأحمر، قد يشير إلى محاولة لتقويض سلطة البرهان بشكل مباشر، وربما قطع خطوط الإمداد الحيوية التي تعتمد عليها الحكومة. كما أن استهداف كسلا، القريبة من الحدود الإريترية، قد يحمل رسالة إقليمية مبطنة، أو يهدف إلى فتح جبهة جديدة لتشتيت جهود الجيش السوداني.

إضافة إلى ذلك، فإن هذه الهجمات تلقي بظلال قاتمة على الوضع الإنساني المتردي في السودان. فاستهداف البنية التحتية الحيوية مثل المطارات يمكن أن يعيق بشدة وصول المساعدات الإنسانية الضرورية للمدنيين المتضررين من الحرب، وربما يؤدي إلى موجات نزوح جديدة بحثًا عن الأمان.

وعلى صعيد التصعيد المحتمل، فإن هذا الهجوم قد يدفع الأطراف المتصارعة إلى مزيد من العنف. فمن غير المستبعد أن ترد الحكومة السودانية بتصعيد عملياتها العسكرية في مناطق أخرى، بينما قد تسعى الجهة المنفذة للهجوم إلى توسيع نطاق عملياتها. كما أن هذا التصعيد قد يستدعي ردود فعل من قوى إقليمية ودولية، سواء من خلال زيادة الدعم لأطراف معينة أو من خلال محاولات للتدخل لتهدئة الأوضاع.

سرعان ما بدأت تظهر أصداء هذه الهجمات على الساحة الإقليمية، حيث صدرت تعليقات أولية تعكس مدى القلق من انعكاسات هذا التصعيد على الاستقرار الإقليمي وأمن الممرات المائية الحيوية. ولا شك أن العديد من العواصم المؤثرة تولي هذا التطور اهتمامًا بالغًا، وتدرس بعمق التداعيات المحتملة لاستخدام المسيّرات في هذا النزاع وتأثيره على أمن البحر الأحمر وحركة التجارة العالمية. هذا التطور يضع المنطقة أمام تحديات جديدة تتطلب تنسيقًا إقليميًا ودوليًا لمواجهة أي تهديدات محتملة.

في الختام، يمكن القول إن سهام الطائرات المسيّرة التي اخترقت سماء شرق السودان لم تستهدف مطارات فحسب، بل ألقت بحجر في بركة جيوسياسية راكدة، لتطلق موجات من التساؤلات والقلق، وتفتح الباب أمام احتمالات جديدة قد تعيد رسم خريطة الصراع في السودان، وتؤثر بشكل مباشر على أمن وحركة التجارة في البحر الأحمر. إنها رقصة خطرة على حافة الهاوية، وأصوات الطائرات هي نغماتها المقلقة.

‫2 تعليقات

  1. حماقة المراوغ البرهان ومتطرفي عصابة الكيزان نقلوا وفي تهور وعدم تقدير للعواقب. نقلوا مسرح الصراع الاسرائيلي الإيراني الي بورتسودان وشرق السودان عموما. وتكون هذه الخطوة الخاطئة القشة التي ستقصم ظهورهم

  2. مازالت إدارة تحرير الراكوبة تمارس في لعبتها المكشوفة بتمرير بعض الردود على المقالات وحجب الردود التي لا تروق لها أو تعطيلها. أنبه إلى الاختراقات التي حدثت في إدارة الراكوبة بواسطة أمنجية الكيزان

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..