مقالات وآراء سياسية

ما بين المتطرِّف والمُلحد من تشابه واختلاف!!

صديق النعمة الطيب

على الرغم من صعوبة الربط بين ذهنية المتطرف وذهنية المُلحِد، إلا أن هنالك تشابه بين الاثنين، وجود نقاط الالتقاء لا تلغي أوجه الاختلاف بينهما، فكلاهما يعلن خروجه من دين الله لأسباب نفسية الأول بلسان الحال والآخر بلسان المقال، الاثنان يخرجان من الدين بسبب مظاهر (التدين الشكلي الزائف) باعتبارها جوهر الدين، فالمتطرف يجد في الغلو الذي تدعيه الجماعات السلفية المتطرفة وسيلة لممارسة توحشه ومصادرته لحقوق الآخر في العيش بحرية في ظل غياب تام للعقل المتهم بالقصور، والملحد من ناحية أخرى يرفض الدين لذات الأسباب.

 

الانسان بطبيعة تكوينه كائن متأله (من تأله أي نسك وتعبد)، يتبدى ذلك في نزوعه الفطري نحو الكمال والجمال والابداع والخلق ومحاولات تجاوز ذاته للحصول على أجابات على الأسئلة الوجودية العميقة، ما الهدف من وجوده؟ من أين أتى؟ مسير أم مخير؟ وما سر الموت؟ يحاول في سياق مسيرته الحياتيه تلك أن يتجاوز ناسوتيتة وصولاً إلى لاهوتيته ليتعلق بالسماء، بمعنى آخر يحاول الاقتراب من مفهوم الانسان الكامل بالتخلق بمقتضى صفات الله، وهذا التحقق لا يعني المطابقة مع الذات العلية ولا يلغي العلاقة الاثنينية، ولكنه كمالٌ في اطاره النسبي البشري، حتى لا يطير برجٌ من رأسٍ قاصر، وجب توضيح مفهوم (التشكيك) لفك الالتباس، فعندما نقول ان الله سميع وزيدٌ سميع، فإن سمع الله مطلق وسمع زيد مقيد وشتان ما بين الذاتين.

 

لتقريب الفكرة يمكن الاشارة إلى المفكر السعودي عبد الله القصيمي، الذي التحق بجامعة الأزهر 1927م، ولكنه فُصل منها بسبب تأليفه كتاب (البروق النجدية في اكتساح الظلمات الدجوية)، رداً على مقالة عالم الأزهر يوسف الدجوي (التوسل وجهالة الوهّابيين)، بالاضافة إلى عدة كتب هاجم فيها علماء الأزهر دفاعاً عن الفكر السلفي مثل “شيوخ الأزهر والزيادة في الإسلام” و”الفصل الحاسم بين الوهّابيين ومخالفيهم”. ثم ما لبث أن انقلب ملحداً مهاجماً بذات الضرواة (أصوليته السلفية) ومن أهم الكتب التي ألفها “هذه هي الأغلال” و”يكذبون كي يروا الله جميلاً” و”العرب ظاهرة صوتية”. وبالمقابل نجد الأسترالي جاك بيلاردي، الذي قال عنه تنظيم “داعش،” إنه هو “أبوعبدالله الأسترالي،” منفذ الهجوم الانتحاري في مدينة الرمادي، والذي انتقل رأساً من الالحاد إلى “داعش” عقب وفاة والدته بالسرطان، وهدفه منذ البداية كان البحث عن (الجهاد) وكأنه يريد ينتقم لموت أمه من القدر وهو بحسب ضمير المسلم في عداد الشهداء، وضحايا الرمادي (برضو) شهداء.

 

بالنظر إلى الحالتين نجد أن التعامل مع الملحد أقل مؤونة، لأنه يستلم شهادة كفره قبل أن يرتد إليه طرفه، بينما يظل المتطرف يمارس التقتيل والترهيب والتفجير باسم الله، بدعم من المجتمع الذي يوفر له حاضنة باعتباره رجل متدين يصلي ويصوم ويطيل اللحية وينكح النساء، ولا يجروء مسلم على تكفيره، لأن العلماء يعلمون جيداً أن فتاواه لها سند في كتب التراث، ولا يغيب عن أذهاننا فتوى حرق الطيار (معاذ الكساسبة) الأردني وهو حي، والعجيب أن الشيخ صاحب الحس الكوميدي الذي يجوب الشاشات قال «كان بيضرب المسلمين.. واللا كان بيديهم شيكولاته».

 

عندما قال الرسول الكريم صلوات ربي عليه وسلامه (لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض) كان يعني عليه السلام والمحبة ما يقول، فقتال المسلمين بعضهم بعضاً كفرٌ ليس بعده كفر، ولكن للعلماء كما جرت العادة قول آخر وهو أن هنالك كفر دون كفر، وقتال دون قتال، وقاتل متأول وقاتل (ساكت)، في محاولة لتمرير بعض المعضلات التاريخية التي وقعت بين المسلمين الأوائل وراح ضحيتها آلاف مؤلفة من النفوس البريئة (مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا).

 

صديق النعمة الطيب

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..