مقالات وآراء سياسية

“مؤتمر أهل السودان 3 : لدولة مدنية ، ديمقراطية الحكم”

د. عادل الخضر أحمد بله

*مجمل الفكرة* :
في هذه المرحلة الحساسة التي يمر بها الوطن العزيز , هنا مبادرة أتمني ان تكون نواة يبدأ بها حوارا وطنيا جامعا للوصول لتوافق يقود الوطن للاستقرار والازدهار . الفكرة أن يجتمع أهل كل مهنة لوحدهم في مؤتمر سنوي. يقيموا الواقع ويخططوا لتطويره ممرحلا , ويتابعوا التنفيذ ويقيموه ويقوموه في مؤتمرات سنوية تالية , لا ليوضع علي الرفوف. وتكون لوحة جميع هذه الرؤى السنوية هي خطة عمل الحكومة, أيا كانت. وبناء عليه, فمن ناحية أخري , في نهاية المؤتمر الفني القاعدي السنوي لكل مهنة يتم أيضا اختيار عدد متفق عليه (6 مثلا) من الكفاءات المشهود لها في هذه المهنة , ثلاثة منهم يكونوا لجنة فنية تعين السيد الوزير, أيا كان , في تنفيذ مهامه التي وضعها المؤتمر العلمي القاعدي هذا. ثم ان مجموع هؤلاء الثلاثة في كل المهن , يكونوا لجنة فنية للسيد رئيس مجلس الوزراء . وعرض اللجنة الفنية للسيد رئيس مجلس الوزراء لمخرجات كل المؤتمرات الفنية القاعدية سيكون اللوحة المقترح علي السيد رئيس مجلس الوزراء , أيا كان , تنفيذها وطنيا ممرحلة في المستقبل المنظور. وبناءا عليها يتم توزيع ميزانية الدولة ويبدأ تنفيذها ويتم تقييم مخرجات كل مؤتمر قاعدي وتقويمه قاعديا في مؤتمرات سنوية تالية. وأما الثلاثة من الكفاءات المشهود لها المختارين من قبل المؤتمر السنوي فيمثلوا المهنة في المجلس التشريعي القومي. وعموما , بإعطاء الخبز لخبازه سيهتم أهل كل مهنة بواقعها فقط والعمل علي تطويره لمنفعة الوطن. والشاهد أنه خلال فترة قصيرة يمكن أن تقام فيه كل هذه المؤتمرات وتصبح الرؤية الفنية واضحة تماما لكل الشعب السوداني ويمكنه حتي متابعة التنفيذ والتطور بشفافية عالية , مما يغمره اطمئنانا ويحفزه ويشجعه للمشاركة الإيجابية وسيخلق نوعا من المنافسة الايجابية. وبديهيا هي فرصة لكل الشباب للمشاركة في تنفيذ هذه المؤتمرات العلمية , كل في مجاله , ومتابعة التنفيذ للتعلم وليقودوا هذا العمل الوطني مستقبلا.
*الموضوع* :

مبدئيا توفر الديمقراطية الليبرالية المتبناه في السودان الحريات المدنية كحرية الفكر وحرية الصحافة والتعبير والحق في السلامة الشخصية والحقوق السياسية وحقوق الإنسان وتنتهي هذه الحقوق عند التعدي علي حقوق الغير. بالإضافة إلى فصلها بين السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية مع إخضاع هذه السلطات لحُكم القانون لتعبر حقيقة عن إرادة الشعب. وفي ظل هذه الديمقراطية تتنافس الأحزاب السياسية عبر انتخابات نزيهة ليتولي الفائز قمة إدارة هذه السلطات في تداول سلمي. وتوفر كذلك العدالة والمساواة عبر سيادة حكم القانون الذي يعني مبسطا “ألا احدا فوق القانون”. ويضمن كل ذلك في دستور دائم متوافق عليه وطنيا. وعليه فالاتفاق علي تجديد وتطوير الواقع , لا إزالة آثار ما سبق فقط , يتطلب السعي لتحريك العقول لمواجهة الواقع الرتيب وتطويره وبذر أسسه الجديدة ثقافة وسلوكا تتوارثها الأجيال القادمة.
الشاهد أنني ومنذ ديسمبر 2005م -وبعد اتفاقية السلام مع المرحوم د. قرنق مباشرة- أخذت أعيد ضرورة الأخذ بالتخطيط الاستراتيجي وضرورة تجديد الواقع السياسي لرتابته وجموده.. وقلت: ما كانت وليست هي الآن ولن تكون مشكلة السودان في: من يحكم؟ المسالة في : ماذا يراد تنفيذه, وكيف ينفذ؟ ثم كيف يحكم السودان؟ فإذا تحققت المسألتان الأخيرتان فإن مسألة من يحكم لن تكون إلا ملحا للديمقراطية. في تقديري ليس غريبا توافق الشعب السودان علي أسس قيام الدولة الحديثة : سيادة حكم القانون والحريات وحقوق الإنسان والهوية والتنمية الاقتصادية الاجتماعية والعلاقات الدولية .. ولكن احدي المعضلات الحقيقية الآن هي : ماذا يراد تنفيذه, وكيف سيتم التنفيذ؟ إنا فرد من أكثر من 3٠ مليون ، والفكرة ليست جديدة لمن كان يتابع ما اطرح , وهي أيضا ليست كاملة ، فالكمال لله وحده ، ولكنها نواة يمكن بتبنيها كما هي أو بتعديلات فيها ، إضافة أو حذفا، ان كانت هناك ضرورة ، الوصول لنقطة توافق تقود لاتفاق جمعي وهو المراد. هذا تخطيط استراتيجي. إذا كان ل ٢٥ عاما مثلا ، فالسؤال الأهم هو : من هو المستهدف بالخطة الإستراتيجية هذه؟ والإجابة، في تقديري : “هو المواطن السوداني الذي ، بإذن الله ، سيتم الحمل به في الدقيقة الأولي بعد ٢٥ سنة وبعدها. وعليه فكل الأحياء الآن هم مجرد عمال وموظفين لذلك المواطن المالك الحقيقي. ومتاح لهؤلاء العمال والموظفين الأكل من الكيكة التي أنجزوها ولكن بالتأكيد ليسوا هم المستهدفون أساسا. فالمستهدفون هم الأحفاد. وهذا التعريف أتاني من المثل الشعبي : “ما أحلا من الجنا إلا جنا الجنا”.
لتوضيح فكرة المؤتمرات الفنية القاعدية فهنا أمثلة :
أولا : السلطة القضائية : يحلم الشعب السوداني بسيادة حكم القانون التي ببساطة تعني (ألا أحدا فوق القانون) .. فكما سيجلس أهل الزراعة والتعليم والصحة وغيرها ويؤسسوا لمؤتمراتهم السنوية ،، فيستوجب الأمر مشاركة أهل القانون, الجالس والواقف , من هم بالخدمة والمعاش , ومن هم داخل الوطن وخارجة , وبطريقة يرتضونها للتوافق علي وتنفيذ ما اتفقوا عليه بشفافية عالية : ضمان استقلالية القضاء , وكيفية تطبيق سيادة حكم القانون , وكفالة الحريات , وقيادة عملية العدالة الانتقالية : المساءلة القانونية وجبر الخواطر وجبر الضرر , ووضع الدستور الدائم, (والمحاسبة للمقصر منهم) , وغيره مما هم به اعلم مني.
ثانيا : السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية (الأحزاب والإحصاء السكاني والانتخابات) : وهاتان السلطتان يتم عادة الاختيار لهما بالانتخاب الشعبي , كما هو معلوم . الشاهد ان الأسرة الدولية مرت بمراحل تطور فكري وكان لكسر الرتابة دورا أساسيا في نهضتها السياسية , في اعتقادي .. كانت الكنيسة مختلطة بإدارة شئون الدول, واقع حولته الرتابة لكهنوت سياسي ديني , قاد لإحجام المواطن عن المشاركة, استطال الوضع الرتيب , تراكم الظلم والفساد وهدر الحريات , امتلأ المواطن غبنا , ظهرت بوادر فكرية ورؤي جديدة , انفجر غضب المواطن , ظهرت الثورات كالفرنسية , استحدث الفكر والرؤي ونفذ في أشكال مثل سيادة حكم القانون والحريات وسار التوالي بأحزاب حقيقية وديمقراطية , قاد هذا الواقع الجديد لارتفاع معدل مشاركة المواطن في الحياة العامة, الانتخابات مثلا. بمرور الزمن استطالت نفس الممارسة , ظهرت الرتابة فظهر الظلم والفساد بظهور مراكز القوي في الدول الغربية الديمقراطية هذه , فانخفض معدل مشاركة المواطن حتي في الانتخابات لما دون النصف تقريبا الآن. والآن , لا يستغرب ان ترتفع وتيرة المشاركة الشعبية إذا حدث تثوير في الفكر , لا طلاء خارجيا جديدا للمبني القديم , والرؤي والسياسات والبرامج في هذه الدول الغربية الديمقراطية أصلا.
فيما يتعلق بالواقع السوداني والرتابة السياسية منذ الاستقلال : سيولة حزبية وانقلابات عسكرية, ففي الواقع المعاش اليوم , وحسب علمي , هناك أكثر من 200 تكوين سياسي: أل 6 أحزاب الكبيرة قبل 1989م أضحت هي نفسها اليوم أكثر من 20 تكوينا؛ وهناك حوالي 100 تكوين سياسي لا يعرف الشعب السوداني حتي أسماءها؛ وهناك أكثر من 80 حركة مسلحة لها جانب سياسي. وطبيعيا تتطور الحياة بتوالي التقييم والتقويم . وعليه , فمن غير المأمول السير بها لإحداث الحكم الديمقراطي عمليا والنهضة المأمولة لا بالأرجل الفالتة العدد للتكوينات السياسية الحالية ولا حتي بطلاء زخرفي لهذه التكوينات الحالية والوهم بأنها جددت وواكبت الزمن ويمكن إعادتها للملعب وتسويقها بقصد الموافقة عليها وانتظار دعمها شعبيا .. غير وارد , في تقديري لحادب علي مصلحة الوطن وأجياله القادمة قبول استمرار هذا الواقع الرتيب. بهذا الفهم , فالشاهد ان مشكلة السودان الحقيقية لا هي اقتصادية ولا اجتماعية بل هي سياسية بامتياز. وسببها الأساسي, في تقديري , هو وجود تكوينات سياسية لا ديمقراطية في ذاتها بدليل تشظيها الفالت وأخري جديدة لا يعلم المواطن حتي أسماءها وحركات مسلحة متشظية يفوق عددها جميعا أل 200 تكوين وكلها تسعي لكراسي الحكم . والغريب ان غالبية الشعب (المالك الحقيقي) غير منتسب لأي منها. ومثل هذا الوضع قاد ويقود لمحاصصات وترضيات غير موضوعية قادت وتقود لإسالة الواقع السياسي لدرجة تهدد سلامة وأمن الوطن لاهتمام التكوينات السياسية بكراسي الحكم لا ترسيخ مؤسسات الدولة. فساد شعار إزالة آثار من سبق وتمكين غيره وطبيعيا ظلت التجربة حتي الآن في مرحلة الاستقلال الأولي لم تتطور ايجابيا بدليل الانقلابات العسكرية التي نعيشها حتي الآن بعد أكثر من 60 عاما من الاستقلال. أما آن لهذا الشعب الرائع رفض استمرار التكوينات السياسية المتناسلة الحالية بهذا الوضع؟ ان مسير الديمقراطية الليبرالية المتبناه حاليا بأرجل التكوينات السياسية الحالية , أيا كانت المبررات, هو تكرار للمكرر الرتيب والسائل تماما .. وهذا واقع لا بديل لتجديده وتطويره . ان حالة التنكر والمخاصمة للتجديد هي المسؤولة عن شيوع حالة الرتابة في الواقع السياسي الحالي , في تقديري . ورفض ومقاومة مثل هذا التجديد , هو في حد ذاته كبت للتطور الطبيعي لا تقل خطورته عن الدكتاتورية السياسية في مجتمعنا . والإصرار علي استمرار وتوالي هذا الواقع مخالف أيضا للطبيعة السوية المتطورة .. والتجديد غير منبت عن الواقع بل يرتبط بالحاجة له ومواكبة العصر في سياقه التاريخي الاجتماعي السياسي والتكنولوجي .. وطبيعيا تتطور الحياة بتوالي التقييم والتقويم .. والأمثل ان يطور أهل هذا المجال واقعهم بأنفسهم في مؤتمر يعقدوه ليتفقوا فيه علي أسس رئيسية مثلا : ما هو الحزب السياسي؟ وما هي شروط القبول بالحزب السياسي في الحياة السياسية السودانية مثلا : عدد العضوية بالحزب , وتوزيعها الجغرافي , عدد الولايات زائد واحد , الخ. ووضع جميع العضوية الحزبية في قاعدة بيانات حتي لا يكون عضوا في أكثر من حزب سياسي واحد . وكل ما يضمن لهم الشفافية والعدالة سواء كان الحزب السياسي حاكما أو معارضا . وطبيعيا ألا يتناقض هذا مع حرية التنظيم ولكنه تنظيم لهذا الحق فقط . وان يضمن ما اتفقوا عليه في الدستور . فمخرجات مؤتمر أهل السياسة والأحزاب سيولد للديمقراطية المأمولة عددا مقبولا لأقدام ناضجة يمكن ان تمشي عليها كمرحلة تطور طبيعي. وهذا التجديد سيكسر الرتابة . وبسبب تجديد التكوينات القديمة ستزول العقبات الناتجة عن تراكم سلبيات الممارسة السابقة وحتي من تراكم سوء التفاهم الشخصي داخل هذه التكوينات وبين بعضها البعض. كما أنها ستضيف لأي فكرة أو سياسة أو برنامج قائم الآن أعضاء جدد فرق بينهم كثرة التكوينات وهي إضافة ايجابية لا خصما منها . والنتيجة المأمولة إنعاش آمال المواطن, المالك الحقيقي , وتحفيزه للمشاركة السياسية بالانضمام للأحزاب الجديدة أو علي الأقل الاهتمام بنشاطاتها (في الانتخابات مثلا) مما يعتبر مساهمة ايجابية منه في نهضة وطنه من كبوته المستمرة منذ الاستقلال وفق رؤية علمية واضحة يمكن تقييمها وتقويمها مستقبلا . في هذه المرحلة الوطنية الحساسة , ولنا في تجربة الدول الديمقراطية الليبرالية كبريطانيا والولايات المتحدة وغيرهما مثالا , تبادر التكوينات السياسية المختلفة والحركات المسلحة للحوار لدمج الأسس والسياسات والبرامج التي تقوم عليها حاليا ويمكن الإضافة لها لتواكب الواقع المعاش ولتخرج بعدد قليل من الأحزاب يؤمل ان يشارك فيها أيضا الكثير من الشباب وغير المنتسبين . وكما هو معمول به في بريطانيا والولايات المتحدة وغيرهما , هناك ضرورة للتوافق علي معايير حتي لا يتعارض هذا العدد المحدود مع حق التنظيم الدستوري وفي نفس الوقت تضبط تناسل العدد الفالت. وبالإمكان الوصول لهذا العدد المحدود عبر ممثلين لكل تكوين سياسي وحركة مسلحة أو بتوافقهم جميعا علي لجنة علمية قومية محدودة العدد تقدم لهم ملخص علمي كخطوة أولي لحوار عام حولها والتوافق عليها. ومن ثم يضمن ما تم التوافق عليه في الدستور . وطبيعيا فأحزاب حقيقية وديمقراطية وعبر الانتخابات هي من سيدير السلطتين التنفيذية والتشريعية.
ثالثا : الأمن الوطني : القوات المسلحة : جيش واحد بمهمتين : حماية الدستور وحماية الحدود ؛ والشرطة ؛ وجهاز الأمن الوطني . كلٌ لوحده يتولي التأسيس للمأمول فيه وينفذه بكفاءة وبدقة وشفافية عالية بما يحقق الطموحات والمكانة السامية التي يتبوءونها جميعا في نفوس الشعب السوداني. وفكرتي لإعادة تعريف الجبهة الداخلية جغرافيا كأساس للتخطيط الاستراتيجي للأمن القومي يمكن ان ترفع من تامين السودان بشكل أفضل وايضأ تحسين علاقات الجوار والعلاقات الدولية. فهناك ضرورة قصوى لتوحيد ودعم الجيش وجهاز الأمن الوطني والشرطة ماديا ومعنويا كمؤسسات قومية متفرغة لمهامها الموكولة لها حسب الدستور والقانون.
تامين الوطن بفكرة إعادة تعريف الجبهة الداخلية جغرافيا كأساس للتخطيط الاستراتيجي للأمن القومي , أو النهضة المتزامنة للدوائر كما أسميتها أولا تتلخص في : المؤكد ان السودان تجاوره عدة دول وحدوده معها طويلة للغاية ويستحيل تأمينها عمليا. السودان (الدائرة الأولي) من مركزه الخرطوم يخف الاستقرار السياسي والاقتصادي والأمني كلما اتجهت نحو الأطراف. هذه الأطراف محاطة بمجموعة دول (الدائرة الثانية) وكل منها محاط في طرفها الأبعد عن السودان بدول (مجملها يمثل الدائرة الثالثة) .. تتأثر الدائرة الأولي بكل ما يحدث في الدائرتين الأخيرتين . ولذلك يكون التأثير في الأطراف اشد من المركز . فكانت سياسة شد الأطراف وقطعها. انفصال الجنوب مثالا . عليه ففي ظل عدم التوافق الوطني وأيضا عدم الاستقرار وسوء الأوضاع الحالية لدول الجوار وجوار الجوار فالشاهد ان القول بنهضة السودان آمنا منفردا هو تنظير غير عملي بسبب تحركات الحركات المسلحة في معظم هذه الحدود والهجرة غير الشرعية لأسباب كثيرة وتهريب السلع السودانية في الاتجاه المعاكس . عليه فالمطلوب التوافق علي إعادة تعريف الجبهة الداخلية جغرافيا لتضم الدائرتين الثانية والثالثة (بتوسيع مفهوم الجبهة الداخلية ضما للإطراف) . وبدون “توافق وطني حقيقي” لا يمكن ان تكون للرؤية الوطنية المستقبلية هذه أي إمكانية للقبول والتنفيذ والاستمرارية لا داخليا ولا إقليميا ولا دوليا (الدائرة الرابعة ، الكبرى). وخلافا للتجمعات الحالية كالإيقاد مثلا , فالفكرة هي النهضة المشتركة والمتزامنة للثلاثة دوائر الأولي بتفهم ودعم الدائرة الرابعة . لمزيد من التفصيل يمكن مراجعة مقالي الذي تم نشره في سودانيل الإلكترونية يوم 13/2/2009 تحت عنوان “مؤتمر أهل السودان 2 : النهضة المتزامنة للدوائر” وأعدت نشره تحت عنوان : “إعادة تعريف الجبهة الداخلية جغرافيا كأساس للتخطيط الاستراتيجي للأمن القومي” بصحيفة سودانيل الالكترونية, 2016م .
رابعا : الحكم المحلي والهيكل الاتحادي للضباط الإداريين : تنظيم الادارة علي مستوي المحلية هو الوسيلة المعروفة والمجربة لتسهيل توفير الخدمات للمواطن واستقرارها غض النظر عمن يحكم. الشاهد ان المحافظة أو المحلية الآن عمليا هي جمهورية مصغرة : رئيس الجمهورية هو المعتمد ورئيس مجلس الوزراء هو الضابط التنفيذي ومدراء الإدارات هم الوزراء ومجلس تشريعي هو البرلمان .. المؤكد ان تسييس الخدمة المدنية والتمكين أسالت تقديم الخدمات للمواطنين وأفرزت ظلما لا يمكن القبول باستمراره. عليه فالواجب يحتم إلغاء وظيفة المعتمد لأنها وظيفة سياسية . وايضأ الرجوع لتطبيق اتحادية هيكل الضباط الإداريين التي كانت متبعة من قبل . وعليه فالواقع يستوجب أيضا تعيين شباب كفوء كضباط إداريين بعدد يغطي كل الوطن . ثم يدربوا في دورات تدريبية حتمية طوال عمرهم الوظيفي تقريبا في ما تقدمه المحافظة/المحلية من خدمات كالزراعة والتعليم الصحة والأمن والأراضي الخ .. ثم لا يمكث الضابط الإداري في ولاية أكثر من 4 سنوات كحد أقصي (سنتان في كل محلية) يعطي ما لديه من تجارب ويتعلم من المتاح له , وهذا حماية له حتي له نفسه , فحتي النفس أمارة بالسوء .. ويتوجب أن يتخلل عمله دورات تدريبية حتمية في كل المجالات الفنية. وبالتالي عندما يصل الضابط الإداري لمرتبة المعتمد/المحافظ/ المدير التنفيذي/أمين ولاية يكون ذو علم وخبرة عملية بكل إدارات محافظته/ ولايته. ويجب ألا تتأثر هذه الخدمة المدنية التي تقدم كل الخدمات لجميع المواطنين بتغيير الحكومات. وهكذا يتم البناء من القاعدة وضمان استمرار تقديم الخدمات وتطويرها للمواطن في كل ربوع الوطن غض النظر عمن يحكم.
خامسا : أعمدة التنمية : (الأمن الغذائي والصحي والتعليمي الخ والقصور فيها هو أيضا مهددات للأمن الوطني) , يخطط لها ويتتابع التنفيذ والتقييم والتقويم عبر مؤتمرات علمية سنويا لكل مهنة , مثلا :
مؤتمر الزراعة السنوي (للزراعة شقين : نباتي وحيواني) : يتم ذلك بان تدار خطط الزراعة والتصنيع الزراعي (النبات والحيوان) عبر مؤتمر زراعي سنوي يعقد بهيئة البحوث الزراعية بمدني. ويرتب بحيث يشارك فيه التنفيذيين علي المستوي الاتحادي والولائي وعلماء الزراعة بالهيئة والجامعات وإدارات المشاريع الزراعية واتحادات المزارعين والرعاة. فيه تتم المدارسة حول الخطط لكل مشروع قائم حاليا علي حدة: مروي , مطري, وتربية وصحة الحيوان والرعي . وفي العام التالي (أو كل عامين) يتم تقييم وتقويم الأداء بشفافية عالية وهكذا. ويمكن ان يتم التوافق ليكون تدارس التقييم والتقويم حسب المشاريع الزراعية (مشروع الجزيرة , الرهد ..الخ) أو حسب المحاصيل (الصمغ , السكر , القطن , الحبوب , البساتين .. الخ) او حسب التوزيع الجغرافي (بالولايات مثلا) .. وعليه , وأيا كانت بنود المؤتمر , ستقدم إدارات المشاريع التقارير الحالية أولا. عليه سيتم التقييم والتقويم لكل مشروع سنويا للمشاريع الزراعية القائمة حاليا بعلمية وموضوعية وبشفافية عالية. وستشمل هذه الشفافية حتي نوعية وكمية مدخلات الإنتاج كالآلات الزراعية والأسمدة والمبيدات والتقاوي لكل مشروع وستكون الحاجات الوطنية والعطاءات معلومة لجميع المواطنين , مع النظر بجدية لتصنيع هذه المدخلات محليا. وتوضع الخطط ومتابعة التنفيذ للمشاريع الجديدة. ويتم حتي التوافق علي ما يجب ان يقوم به العلماء من بحوث وتطبيقها لاحقا ومتابعتها. من الناحية الأخري ضرورة إعطاء أولوية قصوى للثروة الحيوانية : رعاية وتربية وأمراض وتصنيع الخ. والرعي ومساراته وتداخله مع الزراعة والاقتتال بسببه. والعمل علي توفير مياه لتوطين الرحل في غرب وجنوب وشرق السودان في مزارع ضخمة متجاورة وربطها بصناعة اللحوم والألبان ومنتجاتها والجلود. وضرورة استقرار الرعي وتنمية المجتمعات الرعوية بتجميعهم في مجمعات سكنية لتأمين سلامتهم وتعليم وصحة أسرهم . والواجب يستلزم التذكير بضرورة المحافظة علي عادات وتقاليد وفنون كل القبائل لأن الاستقرار مأمول فيه تمازج القبائل والتزاوج والحفاظ علي هذه التقاليد والعادات والفنون يمكن أن يكون اقتصادا دسما عبر السياحة مثلا . وبديهيا يستوجب أيضا تحسين أوضاع الكادر البيطري وتوفير فرص التدريب المستمر لهم. ويتابع التقييم والتقويم للإنتاج الحيواني لارتباطه بالإنتاج النباتي عبر المؤتمر الزراعي السنوي هذا. ومن الضروري أن تكشف الحكومة القائمة , أيا كانت , وبوضوح تام ومنذ البداية الميزانية السنوية المرصودة فعلا للزراعة لذاك العام حتي يعلم الجميع ويحكموا تخطيطهم وتنفيذهم للمرحلة بموضوعية.
ومجمل القول عن أعمدة التنمية , فهكذا يجتمع أهل كل مهنة : تعليم , صحة , طاقة , اقتصاد , اجتماع , تعدين وصناعة, ودبلوماسية وعلاقات دولية , وثقافة وإعلام .. الخ , في مؤتمر يجمع كل أهل المهنة ليخططوا ويتابعوا التقييم والتقويم سنويا. ومخرجات هذه المؤتمرات العلمية هي الخطط الملزمة للحكومة , أيا كانت , علي تنفيذها. وهناك مساحة معقولة ليبرز الوزراء والمدراء وغيرهم قدراتهم في تنفيذ ما تم الاتفاق عليه علميا وموضوعيا . وتوضع كل تفاصيل ما يتم التوافق عليه عاليه في خطة استراتيجية موحدة وممرحلة . والأوجب علم كل مواطن لمضمونها ومراحلها ليتابع سنويا علي الأقل , اين هي الآن؟ وما المخطط له في الفترة اللاحقة؟ ومثل هذا الاعتبار المعنوي للمواطن هو ما يقوي الوطن عبر تقوية جبهته الداخلية , فالأوطان لا تبني وتحمي بالقوة العسكرية فقط بل بالتضامن الشعبي الذي هو تماسكا وتأمينا للجبهة الداخلية أساسا . ولا يغيب عن الذهن , أن الهدف من الخطة الإستراتيجية , إذا كانت ل 25 عاما هو توفير كل سبل الحياة الكريمة للمواطنالسوداني الذي سيتم الحمل به , بإذن الله , في الدقيقة الأولي بعد 25 عاما وبعدها. وعليه , فهذا الحفيد ليس في حاجة ليتسبب أفراد أسرته الصغيرة, أيا كانوا , في قتل أو ظلم أو سرقة من أجله طالما أن كل الشعب السوداني يعمل لراحته, وليواصل هو ما تم بناؤه من أجله.
سادسا : فيما يتعلق بالشباب والرياضة , فلحيوية الشباب وطاقتهم وتحفيز الشعور بالوطنية والشجاعة والحماس والقدرة على الابتكار وسرعة الانجاز يعتبرون نواة بناء مستقبل المجتمع الأساسية . وهم في حاجة ماسة لبرامج دائمة لإدارة مهارات النجاح وتقدير الذات حسب مجالاتهم الفنية وقدراتهم الفردية , ولتبعدهم عن الفراغ الزائد والملل المحبط لقدراتهم. لذلك هناك حاجة ماسة للعناية الفائقة باستثمار قدراتهم فيما فيه خدمة للمجتمع وتقديرهم لذاتهم . فهناك حاجة لتعيينهم في مهن حسب مجالاتهم أو دعم استثماراتهم الخاصة. ووجودهم جميعا في هذه المؤتمرات العلمية , كل في مجاله, مسألة تعينهم كثيرا في التعلم واكتساب الخبرة ليقودوا أيضا مثل هذه الرؤى مستقبلا. أما الرياضة فمثل ما هي ضرورة صحية لكل مكونات المجتمع فقد أضحت استثمارا دسما. فبالإضافة لوجوب الاهتمام المستحق لما هو قائم من ضروب الرياضة فبالإمكان الاهتمام بتطوير رياضات سودانية محلية مثل المصارعة وسباق الهجن والخيل مثلا وتحويلها لتصبح عالمية وتوسع مقدرات السياحة الداخلية وأرباح نقل عبر القنوات الفضائية … الخ.
سابعا : أما المغتربون والمهاجرون , فالأمثل أن يقيموا مؤتمرا سنويا مماثلا لما سبق ذكره تحت ظل مؤسسة, جهاز أو وزارة , يقيم ويقوم ربط المغتربين والمهاجرين بالوطن وحل كل مشاغلهم ومشاكلهم وتسهيل استثماراتهم.
ثامنا : يقام مركز طوارئ قومي: وهذا ينشأ بموقع وسط السودان , به كل الأجهزة والمعدات والكادر المدرب لمجابهة كل الكوارث الطارئة كالحرائق والجفاف والأوبئة. ويمكنه خدمة الإقليم والقارة. ويمكن ان تدعمه دول الجوار ومؤسسات الأمم المتحدة ذات الصلة.
تاسعا : يقام مركز معلومات قومي : لحساسيته يتبع مباشرة للسيد رئيس الجمهورية , أيا كان . وفيه تحفظ كل دقائق المعلومات عن الموارد الوطنية : الإنسان والأراضي وملكيتها والمياه الجوفية والثروة الحيوانية والمعادن … الخ وتجدد سنويا. بتوفير المعلومات الدقيقة هذه يكون التخطيط سليما للبنية الأساسية. وأيضا تقديم المشاريع للاستثمار الداخلي والخارجي تتابعا بعد دراستها موضوعيا وبشفافية عالية. والهدف الرئيسي هو تأمين الوطن وتنمية المواطن أساسا.
عاشرا : كيف يحكم السودان؟. الشاهد ان الشعب السوداني بطبعه وسطيا والشاهد ان القيم الإسلامية الوسطية ما زالت وستظل سائدة. وذلك سيهون إمكانية اتفاق كل الشعب علي : كيف يحكم السودان؟
احدي عشرا : الدستور الدائم , تضمين كل ما يتم التوافق والاتفاق عليه في دستور دائم.
المؤكد في تقديري , ان هناك بعض من النقاط فيما طرحته ربما تحتاج لمزيد من التفصيل لتوصيل الفكرة. فإن غابت هنا لضيق المساحة، فإنني استعين بفطرة القارئ الكريم في تسهيل مهمتي لإيصال الفكرة إليه ودفعه للمساهمة, وأيضا يمكنني توضيحها بالحوار إذا قدر له.
وختاما , فيا أهل وطني , أمامكم مرحلة شديدة الحساسة يمر بها الوطن حاليا, فإذا استمر الواقع ككيكة كراسي حكم تتحارب حولها التكوينات السياسية الكثيرة العدد الحالية والقائدة لامحالة للمحاصصات والترضيات التي معها ربما يضيع الوطن نفسه, فما أطوله وآلمه من ليل. وإن كانت الحكمة وإشراك الجميع وتولي كل خباز خبزه وتفرغ له تماما, فما اقصره من ليل وما أصبحه من صباح , صباح يغني فيه العالم لشعب السودان الرائع :
“يا الفريد في عصرك الزمان زمانك”.
وليوفقنا الله , جل وعلا, جميعا لنقدم للوطن ما يليق به. ودمتم في انتظار الغد المأمول. يعدلا عليكم.
# نشر سابقا يوم ٣٠ ديسمبر ٢٠٢١م .

 

تعليق واحد

  1. كلام لتن وعجن في الفاضي. هل يحتاج أهل المهنة الواحدة إلى التحزب لحل قضاياهم وتطوير مهنتهم؟ وهل يحتاج سكان الدائرة الجغرافية الواحدة إلى أحزاب لتبصرهم بمشاكل الدائرة وتوفير حلولها؟ لماذا كل هذا التعب من أجل بعث الأحزاب بعثاً جديدا وتطويرها؟ هل الديمقراطية الحزبية غاية في حد ذاتها؟ بل ما علاقة الحزبية بالديمقراطية؟ إن الديمقراطية المباشرة تتجاوز كل هذا الركام وتجعله من الماضي. ويمكن فعل ذلك بإلغاء قانون الأحزاب وحظر التمثيل الحزبي في أي انتخابات عامة أو مهنية أو فئوية. فيمكن مثلاً انتخاب المجلس التشريعي الانتقالي المقترح في الاتفاق الإطاري بتقسيم السودان إلى دوائر جغرافية واسعة أوسع من الدوائر الانتخابية لفترة ما بعد الانتقالية التي يحكمها الدستور الدائم وذلك بجعل خمس دوائر جغرافية لكل ولاية وخمس دوائر مهنية واحدة لكل قطاع من قطاعات الشعب المهنية بالإضافة لدائرة فئوية للمرأة – كتقسيم عام لا يحتاج إلى إحصاء وبلا نصاب بحيث يكون الفائز هو الحاصل على الرقم الأعلى من أصوات الناخبين شريطة ألا يكون حزبياً معروف انتماؤه مع حظر الدعاية الحزبية حيث لا يحتاج إلى برنامج غير خدمة قضايا دائرته والتزامه بشعارات وأهداف الثورة في إزالة تمكين النظام البائد وعزل عناصره من مؤسسات الدولة ومواصلة العمل فيها – على تكون لدائرته الحق في محاسبته على ذلك وسحبه من تلقاء نفسها إذا ما بدرت منه مخالفة لأهداف ومقررات الثورة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..