
الانحياز التأكيدي (Confirmation bias)، عدم استخدام هذا المصطلح في لغتنا اليومية، يجعل ترجمته صعبه، لأن المفهوم نفسه غائب وفي احسن الأحوال غائم، لذلك لا بد أولاً من توضيح المفهوم نفسه، وترك الترجمة لأهلها.
الانحياز التأكيدي أو التوكيدي هو عملية يبحث من خلالها الفرد عن أي شيء يمكن أن يؤكد معتقده أو فكرته، بينما يستبعد أي شيء يخالف معتقده أو فكرته، قد يحدث ذلك من خلال التفسير الغير موضوعي أو التذكر الانتقائي لأشياء تخدم فكرته.
وهذا ما يفسر تفرق المسلمين وتمذهبهم، رغم انهم كلهم يجتمعون على القرءان، والكل يتلوه آناء الليل وأطراف النهار. فكل طائفة تأخذ الآيات التي تناسبها، وتترك أو تؤول الآيات التي تخالفها.
لذلك تجد المسلم “السني” على سبيل المثال يقرأ القرءان ويخرج منه أكثر اعتقاداً بمذهبه! ذلك لأنه ببساطة يقرأ القرءان بمنهج أهل السنة، والمنهج في المذاهب الدينية هو ببساطة اطار مفاهيمي كامل “Paradigm”، كالنظارة من خلالها يرى كل شيء على النحو الذي تحدده عدسات النظارة من حيث الدقة واللون والحجم.
وعلى ذات المنوال يقرأ المسلم الشيعي القرءان، ويخرج منه أكثر اعتقاداً بمذهبه الشيعي، ذلك لأنه يقرأه بمنهج الشيعة، وهو إذ يفعل ذلك تتعزز لديه معتقداته وأفكاره، لا شعورياً!
إذن أين الخلل يا مسلم؟
في تصوري أن الخلل يكمن في حالة اليقين الزائف الذي تولده قِلة العلم والمعرفة، لأن أكثر الناس يقيناً هم أكثرهم جهلاً، لذلك لا تعتمد على اليقين في العلم والمعرفة، سواء كانت معرفة دينية أم علمية، بدليل أن المذاهب الأخرى هي أيضاً على يقين فيما يخالفونك فيه، فقط تذكر دائماً قوله تعالى (وَقُل رَّبِّ زِدْنِي عِلْمًا).
اليقين يا صاحبي حالة إيمانية محضة، تختص بعلاقتك المباشرة مع الله سبحانه وتعالى ويقينك بوجوده، أما فهم كلامه تعالى (القرءان) فذلك أمرٌ لا تحتويه عقول البشر ولو اجتمعوا له! (وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً ۖ وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ)!
اليقين مقبرة العالِم، لأن العلم يقوم بالأساس على قابليته على “التكذيب”، كما يقول “كارل بوبر”، فكل قول لا يقبل “التكذيب” والاختبار فهو علم زائف، لذلك تجد العلم كل يوم في شأن، ما نعتقد بصحته اليوم تكذبه مكتشفات الغد، وهكذا ينمو ويتطور العلم.
لذلك تجد المنجمين والسحرة والدجالين لا يقولون عبارات محددة تقبل التكذيب، وإنما يقولون عبارات مراوغة ومخاتلة يؤولونها لكل إنسان بحسب وضعه واستعداده لتقبل خرافاتهم. لذلك تجدهم ينشطون في وسط المجتمعات الجاهلة!
القرءان نزل لك أنت شخصياً، فاقرأه بعيونك أنت، لا بعيون من وضعوا لك منهجاً لقراءته وفق تصوراتهم ورؤاهم، فاستيقظ يرحمك الله!
صديق النعمة الطيب
[email protected]




أشكر لك المقال الذي أضحت فيه بوضح لكل من يملك عقلا صحيحا “أفلا تعقلون” إذ شتان ما بين من يناقشك من منطلق إيمانه فقط فالفهم ليس رديفا لليقين …. الفهم هو ما يقوي اليقين و يجعله نبراسا مبينا كما فعل مقالك المبين هذا … لك تقديري.