من مدرسة غوردون إلى برمنغهام: تطور الكمبرادورية في السودان

عبدالحافظ سعد الطيب
المصطلح Compradores الكمبرادورات مصطلح اقتصادي–سياسي، يُستخدم لوصف فئة من الرأسماليين المحليين المرتبطين ارتباطًا تبعيًا بالرأسمال الأجنبي (الاستعماري أو الإمبريالي).
بمعنى آخر، هم الوسطاء المحليون الذين يخدمون مصالح الشركات الأجنبية وبيوتات المال العالمية داخل بلدانهم.
استُخدمت أولاً في القرن التاسع عشر في الصين والهند لوصف التجار المحليين الذين كانوا يشترون ويبيعون لصالح الشركات الاستعمارية الأوروبية.
عند ماركس ثم لينين وبعدهما سمير أمين ومهدي عامل، صار المصطلح يشير إلى طبقة برجوازية تابعة:
لا تملك مشروعًا وطنيًا مستقلاً.
تعتمد في أرباحها على علاقتها بالرأسمال الأجنبي (الاستثمارات، الوكالات التجارية، الشركات العابرة للقارات).
تعمل كـ”وسيط” أو “سمسار” بين الاقتصاد المحلي والسوق العالمية.
الصفوة الاقتصادية والسياسية التي تدافع عن سياسات السوق المفتوح وخصخصة القطاع العام لأنها تخدم مصالحها المرتبطة بالرأسمال الأجنبي.
يتحالفون مع النخب الحاكمة العسكرية أو البيروقراطية التي تحمي مصالحهم.
في مطلع القرن العشرين، شكّلت مدرسة غوردون التذكارية النواة الأولى لتكوين نخبة سودانية جديدة. لم تكن هذه المؤسسة التعليمية مشروعًا وطنيًا، بل أداة استعمارية لتخريج موظفين إداريين ومترجمين وكتبة لخدمة جهاز الحكم البريطاني–المصري.
بهذا المعنى، كان خريجوها أول من جسّدوا ما يمكن تسميته بـ الكمبرادور الثقافي–الإداري، أي الفئة التي تلعب دور الوسيط بين المستعمر والشعب، تنقل ثقافته ومؤسساته وتكرّس نمط الولاء للنظام الخارجي. نعم ليس هذا بالمطلق هنالك اخرين لكن هنا نتحدث عنهم فقط
مع مرور الوقت، انتقل هؤلاء من كونهم أدوات تنفيذ إدارية إلى بيروقراطية وطنية بعد الاستقلال عام 1956، لكنهم حافظوا على نفس البنية الذهنية والاقتصادية الموروثة: اقتصاد يعتمد على الاستيراد والتجارة والخدمات بدل الإنتاج الوطني.
من هنا بدأ التحول من الكمبرادور الثقافي إلى الكمبرادور الاقتصادي، إذ احتكرت هذه النخبة مجالات البنوك والتجارة الخارجية والعقود الحكومية، وأصبحت الواجهة الجديدة للرأسمالية التابعة في السودان.
في سبعينات القرن الماضي، ومع سياسات “الانفتاح الاقتصادي” في عهد نميري، تبلور هذا الدور بوضوح: فئة من رجال الأعمال والبيروقراطيين والمثقفين تعيش على عمولات الشركات الأجنبية والمنح الدولية. ثم جاء عهد الإنقاذ (1989–2019) تنظيم الحركة الاسلامية ليمنح الكمبرادور بعدًا أيديولوجيًا منظمًا، حين تحالفت الرأسمالية الطفيلية الإسلامية مع رأس المال الخليجي والصيني، مستخدمة جهاز الدولة والأمن لاحتكار الامتيازات والمشروعات والذهب والاتصالات.
تحول الكمبرادور هنا إلى طبقة محمية بالسلاح، تتحكم في السوق، وتعيد إنتاج التبعية الاقتصادية تحت غطاء ديني أو وطني.
هذه الاستمرارية ليست مصادفة، بل هي نتيجة بنيوية لمسار طويل من التبعية الثقافية والاقتصادية بدأ من غوردون، ومرّ بجامعة الخرطوم، وتعمّق في الحقبة الحديثة عبر التحاق أبناء النخبة السودانية بمؤسسات غربية مثل كلية برمنغهام، حيث يُعاد إنتاج نفس النموذج ولكن بلغة الاقتصاد العالمي الجديد.
من هناك تخرّج كثير من المسؤولين الذين أصبحوا لاحقًا وزراء مالية أو رؤساء وزراء في حكومات السودان المتعاقبة، وقد عمل بعضهم في صندوق النقد الدولي أو البنك الدولي قبل العودة لتطبيق وصفاته في الداخل.
📍عبدالرحيم حمدي عراب الخصخصة والسوق المفتوح مشتح
📍ابراهيم بدوي
📍عبدالله حمدوك من مرشح وزير مالية الي مرشح رئيس وزراء
📍هبة محمد علي
لم يكن الأمر صدفة أن يتحول موظفو تلك المؤسسات إلى صانعي القرار الاقتصادي في السودان. فهذه المؤسسات — بصفتها أدوات للرأسمالية العالمية — تحتاج إلى وكلاء محليين يعرفون اللغة التقنية للنيوليبرالية ويملكون القدرة على تمرير “الإصلاحات” التي تعني عمليًا رفع الدعم، الخصخصة، والتبعية التمويلية.
وبذلك يصبح موظف صندوق النقد الدولي هو الامتداد العصري للكمبرادور القديم:
يخدم رأس المال العالمي من داخل جهاز الدولة الوطنية، ويمارس سياسات اقتصادية تؤدي إلى إضعاف الإنتاج الوطني وربط السودان بسوق الدين والسلع العالمية.
من غوردون إلى برمنغهام، ومن الكمبرادور الإداري إلى الاقتصادي، لم يتغير جوهر العلاقة:
فئة تتزيّا بلباس الحداثة والعلم، لكنها تؤدي نفس الوظيفة القديمة — الوساطة بين الخارج والمجتمع المحلي، على حساب الاستقلال الوطني والتنمية الحقيقية.



