الليبرالية في التجريم والعقاب

هناك اتجاهان في نطاق التجريم والعقاب ، اتجاه ليبرالي وآخر محافظ ؛ الأول يعتد بالحرية الفردية ، وعلى هذا الأساس يتجه إلى تضييق السياسة الجنائية ، فمثلا بدلا عن أن يسمى الشروع في الانتحار بهذا الاسم فإن الاتجاه الليبرالي يسميه الحق في الموت كمقابل للحق في الحياة ، وعلى هذا الأساس لا يتم تجريمه ولا المعاقبة عليه ، باعتباره حقا وباعتبار الانسان حر في أن يتخذ قراره بعدم الاستمرار في الوجود. هناك دول اتبعت هذا الاتجاه الليبرالي فلم تجرم الانتحار ، بل هناك دول وسعت من الحرية الفردية في استخدام الحق في الفناء فأجازت الموت الرحيم. في السودان لا زال تيار المحافظين هو الغالب لذلك يتم تجريم الشروع في الانتحار ، رغم أن الانتحار مشكلة نفسية ، فشخص يرغب في استئصال نفسه من الوجود لا يمكن أن تحقق عقوبة السجن أغراضها كالردع الخاص ولا اشباع الشعور العام بالعدالة بل يجب أن يخضع هذا الشخص الى علاج نفسي وتغيير بيئته بما يسمى في القانون بالتدابير الاحترازية.
وكالانتحار نجد الاتجاه الليبرالي يميل الى عدم تجريم المثلية الجنسية باعتبار أنها حرية فردية وأنها لا تمثل خطرا على المجتمع في حين أن تعاطي المخدرات رغم أنه حرية فردية لكنه يندرج ضمن الأنشطة التي قد تسبب خطرا عاما ولذلك نجد بعض الدول تجيز تعاطي جرعة محددة من المخدرات كموقف وسط بين الاتجاه الليبرالي والاتجاه المحافظ.
هناك أنشطة أخرى كثيرة كشرب الخمر وممارسة الجنس وخلافه مما يعتبر في الاتجاه الليبرالي حرية فردية ، والمعيار لعدم تجاوز هذه الحرية هو الخطر العام ؛ فمادام السلوك لم ينشأ عنه خطر عام فلا مندوحة من الإبقاء عليه في إطار الإباحة أما إذا بدأ في تجاوز الحدود الفردية الى تحقيق الخطر العام فهو يتحول الى سلوك مجرم جنائيا ، فشرب الخمر حرية فردية ولكن القيادة مع السكر تسبب خطرا عاما على بقية أفراد المجتمع ولذلك يتم تجريمها وتشديد العقاب عليها ، كذلك فإن ممارسة الدعارة حرية فردية ولكن يتم تجريمها على أساس أنها لا تخضع لتطبيق النظام الضريبي فتتاح عبر شركات خاضعة للضريبة وتحرم وتجرم خارج هذا النطاق.
ولا زال الجدال قائما في الولايات المتحدة الأمريكية حول المثلية الجنسية بين الديموقراطيين الليبراليين والجمهوريين المحافظين ، وكذلك نفس الانقسام داخل أوروبا.
والمسألة محل الجدل هي : من يملك الوصاية السلوكية على الفرد؟

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. مقال ثوري، يفضح الكثير من المسكوت عنه، و يفض بكارة تابوهات آن وقت انفتاح الحوار حولها.

    العرف و القانون يتعلقان بالمكان، أو قل البيئة، فالإنسان ابن بيئته!!
    فالناس، مثلا لا يتكلمون لغة واحدة، و إنما يتحدثون اللغة التي (يعرفونها) بالنشأة.
    فالعرف إذا يرتبط بالنشأة، و ذلك ببساطة ما يجعل الأعراف مختلفة، و متباينة.

    يقول المثل ( أكبر منك بيوم، أعلم منك بسنة)، و المقصود طبعا قدم التجربة و رسوخها. و يبدو جليا أن المجتعات الغربية أكثر تجربة و علمية من المجتمعات الشرقية، أعنى أرشد، فقد كانت من الشجاعة و التجرد بمكان، ساعدها أن تفرق بين الدين و بين استغلال الدين.

    العرف ليس غاية، إنما الغاية من القانون تنظيم المجتمع، و اقصاء المجرم بالحد من حريته، ليتمتع أكبر عدد من الناس بالحرية غير المقيدة، كما في الجنة.

    و غاية الغايات إذا هي الفرد الحر. لان المجتمع لا يمكن أن يكون حرا، الا لو امتلك قلبا واحدا، و هو غير ممكن، فقد خلقنا مختلفين شعوبا و قبائل.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..