الدولة الإسلامية السنية في مواجهة الجمهورية الإسلامية الشيعية، حرب استنزاف مقدسة

البغدادي اليوم آخر صرعة ونجم الموسم بدون منازع. لم نعد نرى مقتدى الصدر لابسا كفنه، ولا الشيخ علي الحاتم حاملا صقرا على ذراعه.

ميدل ايست أونلاين

بقلم: أسعد البصري

الولايات المتحدة لم يعد بإمكانها دعم الشيعة في العراق واليهود في إسرائيل والسنة في سوريا. بوجود اقتصاد أميركي متصدع ومنافس اقتصادي صيني وكذلك منافق سياسي روسي لم يعد بإمكان السياسة الأميركية في الشرق الأوسط الوقوع في المزيد من التناقض. روسيا بدأت تملأ الفراغات السياسة الأميركية لهذا انسحبت أميركا من التدخل العسكري المباشر إلى سياسة الحرب الباردة القديمة.

مفتاح المنطقة إيران وهي ليست دولة تقليدية بل تسيطر على المنطقة بتنظيم شيعي أخطبوطي.

إذا لن تسمح إيران بعودة حزب البعث لقيادة العراق، فهناك فكرة ترك تنظيم داعش يبني دولة قوية بين العراق وسوريا في شبه الجزيرة، لتستقطب المحارب الليبي والتونسي مع العراقي والسوري في حرب مفتوحة لاستنزاف إيران.

لماذا تقوم إيران بتهديد السعودية على حدودها الجنوبية بالحوثيين، وعلى حدودها الشرقية بالعراقيين، وكذلك تهدد بضم البحرين في استفتاء شعبي. الحل لمشكلة إيران الإخطبوطية ربما بأخطبوط داعشي يكون فيها الخليفة بمثابة خميني سني معكوس. هكذا يتم هدم الأضرحة لتشتعل الحرب وينشغل الشيعة بحرب العراق وحماية الأضرحة بدلا من مطالبتهم السعودية ببناء الأضرحة في البقيع. هذا مخطط وارد جدا. بدلا من أن تعتمد أميركا على الشيعة وإيران للقضاء على الإرهاب، الأفضل اليوم أن تعتمد أميركا مؤقتا على الإرهاب للقضاء على الإسلام السياسي الشيعي ونفوذ النظام الإيراني كما حدث في أفغانستان والإحتلال السوفيتي.

من الآن بدأ الخليج ومصر بتفريغ البلاد من الإسلام السياسي بكل أنواعه تمهيدا لتحمل صدمات عقائدية عنيفة تأتي من العراق بسبب اقتلاع الأعصاب وحماسة القتال المقدس. من الواضح أن الدولة الداعشية ستستقطب الإرهاب السني حول العالم وتزجه في حرب مقدسة مع الإرهاب الشيعي والحرس الثوري. هكذا يمكن الخلاص من التطرف الشيعي والسني معا بحرب استنزاف طويلة.

البغدادي بصراحة إرهابي متطرف، وهو ليس ردة فعل ضد الطائفية العراقية فقط، بل ردة فعل ضد النفاق العراقي والإنحطاط. العراق يدخله 200 مليار دولار سنويا تسرقها الحكومة نفسها ثم لا تسكت. الكتلة الشيعية تطنطن طنين الذباب وتتعارك على الدولارات، والمرتزقة السنة في الحكومة يفتحون فمهم بكلمة “سنة” حين يجوعون فيملأ المالكي أفواههم بالذهب وتدور السنوات. جلسات برلمان، تفجيرات، تحليلات سياسية.

العشائر السنية تنقسم بين جماعة المالكي والصحوات وبين جماعة الإعتصام، فيقبض جماعة المالكي من المالكي ويبقى جماعة المعارضة تقبض قليلا من السياسيين وقليلا من الخليج. وهكذا يستمر اللغو الفارغ والكل قوارض بالمال العام والدخل البترولي العملاق. في منتصف هذه الحفلة التنكرية والتدويخ خرجت داعش ليس بسبب الإيمان المتطرف، ولا بسبب معادلة مخابراتية معقدة، بل بسبب الملل والقرف من النفاق والفساد. إنها الرغبة الواضحة الصريحة بالعقاب. والكارثة هذا مطلب شعبي في العراق اليوم.

البغدادي اليوم آخر صرعة ونجم الموسم بدون منازع فلم نعد نرى مقتدى الصدر لابسا كفنه، ولا الشيخ علي الحاتم حاملا صقرا على ذراعه ومرتدياً النظارات الشمسية ماركة راي بان الإيطالية. لقد هرب الجميع من المشهد بقدوم البغدادي ولم يبق سوى سياسي رصين في المعارضة هو عزة الدوري فقط. البغدادي يُعتبر انقلابا اليوم شئنا أم أبينا.

الشيخ علي الحاتم أمير عشائر الدليم صرح هذا اليوم لقناة العربية بأن العشائر لن تقاتل داعش نيابة عن المالكي، هذا رد صريح لدعوة المالكي مؤخراً لأبناء العشائر السنية التطوع لقتال المتمردين في الموصل. لا يستطيع الشيخ علي الحاتم ولا غيره قتال البغدادي اليوم بسبب تعاطف أبناء هذه العشائر مع تنظيم الدولة. فما هي الوقائع التي انتصر بها الشيخ علي الحاتم مثلا؟ معركة البغدادية، ووقعة العربية و… الخ. لم نجن من تلك الحروب الإعلامية سوى المزيد من المعجبات للشيخ الوسيم والمزيد من الخيبات لأهل السنة. كل من الشيخ علي الحاتم والبغدادي مواليد 1971 لكن البغدادي غرر بقلوب المحاربين بينما الشيخ الحاتم لا يغزو سوى قلوب المذيعات في الفضائيات.

في الوقت الذي تزداد المعارك شراسة داخل سامراء هذه الأيام قام الشيخ علي الحاتم من جهته بملاحقة ذئب في الرمادي، بأربع سيارات دفع رباعي وقتله رميا بالرصاص، في شريط ڤيديو ألهب حماسة المحيطين به وأغضب منظمات الرفق بالحيوان والبعثيين. فقد صرح لي أحد البعثيين بأنهم وضعوا قصيدة الفرزدق بمناهج التعليم وهي قصة لفارس عربي يتقاسم طعامه مع ذئب ويصاحبه، حتى قصيدة البحتري في قتل الذئب كانت دفاعا عن النفس وما فعله الشيخ لا ينسجم مع القيم التي يؤمن بها البعث. ربما البغدادي إرهابي لكنه مشغول جدا فلا يضع صقورا على ساعده، ولا يطارد الذئاب، ولا تلاحقه المذيعات كالشيخ علي الحاتم. المقصود هنا أنه لم يعد هناك منافس عشائري لشخصية البغدادي فالمنافس السياسي الوحيد اليوم هو حزب البعث فقط.

أبناء العشائر لن يلبوا نداء المالكي للتطوع فجيشه غير مقنع على الإطلاق، لم يقم بعملية فدائية واحدة، ولم ينتحر ضابط عراقي واحد بسبب هزيمة عسكرية وكأنه جيش مدرب على الفرار فقط. بينما من جهة أخرى نرى المقاتل النجدي السعودي مثلا قد أذهل العالم. مقاتل مفعم بالثراء وحنان الأمومة في طفولته لا ينطبق عليه أي تحليل نفسي فرويدي أو أي تحليل طبقي ماركسي، مقاتل زار عواصم الدنيا وتفتحت عيناه على أجمل طائراتها ومضيفاتها، مقاتل لا يبحث عن جواز أجنبي أو راتب مساعدة اجتماعية. هؤلاء النجديون صحيح أنهم شباب مغرر بهم ومخدوعون بالإرهاب الداعشي لكن أمرهم غريب حقاً. يتخذون الغابات منزلا دون القصور، أبناء خير وعز يفترشون العشب ويلتحفون الفضاء ويقبلون على الموت كأنه لعبة. ظاهرة لا تفسير لها.

أسعد البصري

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..