إعلان اديس ابابا (قحت) الموسعة واعادة شرعنة الجنجويد مجددا وتأهيلهم سياسياً

إعلان اديس ابابا (قحت) الموسعة واعادة شرعنة الجنجويد مجددا وتأهيلهم سياسياً
د احمد عثمان عمر
(١) لقاء قيادة (تقدم) بقيادة الجنجويد وإصدارهما لإعلان اديس ابابا، شكل قمة تراجيديا العبث في مسرح السياسية السودانية ، و خطوة متقدمة في اعادة احياء الاتفاق الإطاري ، مع استصحاب نتيجة الحرب التي كرست هزيمة الحركة الاسلامية واستبعادها من موقع الصدارة في السلطة، الذي حازته بهيمنتها على لجنة الإنقاذ الامنية وقيادتها لانقلاب القصر المؤسس للوثيقة الدستورية المعيبة والذي أعطاها صفتها الدستورية. فالاتفاق اعاد تأهيل الجنجويد سياسياً ، وحكمهم في وضع أسس الدولة السودانية ، ونص صراحة على ان خارطة الطريق تشكل اساساً جيدا لوقف الحرب وتأسيس الدولة السودانية! وهو في بنوده اسس لتكوين جيش قومي ومهني واحد ، تبدأ برامج تأسيسه بالتعاطي ايجابياً مع المؤسسات الموجودة حالياً ، في شرعنة واضحة للجنجويد لحين الوصول إلى هذا الجيش الواحد، مع التزام بالتعاطي مع المليشيا ايجابياً في خطوات تكوينه، وفي هذا اعتراف صريح بالمليشا وشرعنة لها، والتزام بالتعاطي معها ايجابياً عند تكوين الجيش الواحد ، فتأمل!! والأسوأ من ذلك هو اشراك المليشيا في وضع التصور السياسي لتأسيس الدولة السودانية ، والتعاطي معها باعتبارها كيانا سياسياً له الحق في المشاركة في تقرير مستقبل البلاد السياسي ، والحديث عن كيف يحكم السودان. وفي اطار ذلك، تم الاتفاق مع الجنجويد على ان يكون الحكم مدني وديمقراطي، وهو نوع حكم شرطه الاول عدم وجود هذه المليشيا في المشهد السياسي والأمني ، فوق ان هذا الاتفاق هو قفز فوق المرحلة الانتقالية اللازمة لتفكيك التمكين وإلغائها ضربة لازب، لأنها من المستحيل أن تكون مدنية وديمقراطية بطبيعتها ناهيك عن وجود الجيوش والمليشيات وعلى رأسها الجنجويد ، التي تجعل هذا الأمر من سابع المستحيلات. فالمشروع المتفق عليه في الإعلان، هو مشروع لتكوين دولة مستدامة لا دولة انتقالية، وحكم مستدام لا حكم انتقالي. (٢) والمثير للدهشة هو الاتفاق على تفكيك التمكين فالمؤسسات المدنية والعسكرية، والمليشيا نفسها احد ادوات التمكين الضاربة بحكم وجودها وطبيعتها. والأدهى من ذلك الحديث عن عدالة انتقالية في الإعلان ، دون تحديد كيفية جلب المجرمين لهذه العدالة ، وقيادة الجنجويد على رأسهم بسلسلة الجرائم التي ارتكبتها قبل الحرب وأثناء الحرب مع الجرائم ضد الإنسانية التي كانت ومازالت ترتكبها ، ودون تحديد كيف من الممكن ان تتحقق عدالة انتقالية في ظل سيطرة المجرمين من الطرفين عسكريا وغياب قضاء مهني مستقل ومؤسسات عدلية قادرة على تصريف شئون العدالة. وبالطبع لم يتعرض الإعلان من قريب او بعيد للعملية التشريعية او برلمان انتقالي للشعب للتشريع للدولة ولنظام السلطة الجديدة و لوضع قوانين تسمح بالتفكيك وترسي قواعد العدالة عبر المحاسبة لكافة المجرمين. اما اللجان الوطنية المنصوص عليها في الاعلان ، ففي جانبها العدلي وضعها سيكون أسوأ من لجنة فض الاعتصام. والغريب ان الاعلان نص على تهيئة الظروف لعودة المواطنين إلى منازلهم، ولم يتم بموجبه تعهد المليشيا بالخروج من هذه المنازل التي تحتلها وتعويض هؤلاء المواطنين عما نهبه منسوبيها من ممتلكات. وبالرغم من ذلك تم الاتفاق على تكوين ادارات مدنية بتوافق اهل المناطق المتأثرة بالحرب لضمان عودة الحياة لطبيعتها، وهذا ما ظلت المليشيا تفرضه لعدم قدرتها على الاضطلاع بدور الادارة المدنية، وهي تقوم بفرضه دون توافق بكل تأكيد. وقراءة البنود الواردة بالإعلان والمنوه عن بعضها اعلاه، توضح ان الاعلان لم يتجاوز حالة كونه اعادة شرعنة للجنجويد كلاعب سياسي بالرغم من زعم خروجها من الحياة السياسية، مع ضمان استمراريتها كمليشيا لحين تكوين جيش واحد، يتم التعاطي معها عند تكوينه بإيجابية ، والاتفاق معها في تكوين ادارات مدنية في المناطق تحت سيطرتها، وعلى اشراك المدنيين في مفاوضات جيبوتي القادمة ، وهذا مربط الفرس. (٣) فاللقاء والإعلان معا ، جاءا في اطار إلحاق القوى المدنية – تقدم تحديدا- بمفاوضات اقتسام السلطة بين الجيش المختطف والجنجويد ، لخلق شراكة الدم الجديدة ، عبر اعادة تشكيل الشراكة بأسس جديدة تستصحب نتائج الحرب وهزيمة الحركة الاسلامية المختطفة للجيش في جميع المعارك. فالإعلان مجرد اجراء تمهيدي له ما بعده، الغرض منه اعادة تأهيل الجنجويد سياسياً مجددا ، للجلوس إلى طاولة المفاوضات مع الحركة الاسلامية ممثلة في القيادة المختطفة للجيش في جيبوتي، وتقوية موقفها التفاوضي بوجود غطاء مدني لها يشاركها تصور وقف الحرب وتأسيس الدولة السودانية المستقبلية ، ويساهم في تثبيت سيطرتها العسكرية بتكوين ادارات مدنية في مناطق سيطرتها. فهو ببساطة إعلان انتصار القوى المؤيدة للاتفاق الإطاري على الحركة الاسلامية في جناحها المدني المعارض له بعد كسر الجناح العسكري الذي وافق عليه، في محاولة لاجبارها للتفاوض من مواقع الهزيمة التي ترفض الاعتراف بها. فالحركة الإسلامية المجرمة رفضت هذا الخيار وهي تتهرب منه، وفشلت في اعادة المليشيا لبيت الطاعة حتى تعود للاطاري ضامنة التفوق واستمرار التمكين ، لذلك اختارت خيار التعبئة الواسعة باسم المقاومة الشعبية ، في محاولة لتوظيف خوف المواطن ورعبه الطبيعي من الجنجويد لمصلحتها. وماكان للإعلان ان يكون غير ذلك، لأن مقابلة الجنجويد تحت مزاعم وقف الحرب واستغلال رغبة المواطن البسيط في ايقافها بأي ثمن، لابد من ان يقود لاتفاق سياسي باعتبار ان ايقاف الحرب عمل سياسي لا يمكن فصله عن المشروع السياسي الذي يقود إلى وقفها، وبكل تاكيد (قحت) الموسعة كانت تعلم ذلك وتعلم طبيعة المشروع السياسي الذي بصمت عليه في هذا الاعلان، اذ لا يتصور عقلا انها ذهبت إلى هذا اللقاء وهي خالية الذهن. (٤) لذلك حديث الناطق الرسمي باسم الحزب الشيوعي المرحب باللقاء بين “تقدم” والجنجويد مبني على قراءة خاطئة بكل اسف !!! اذ لا يمكن ان ترحب بلقاء من المستحيل ان يقود لما ذكره لاحقا بعد الترحيب!! والصحيح هو ان يرفض اي لقاء بين “تقدم ” والجنجويد لأنه لن يؤدي إلا لشرعنة الجنجويد، و لأن الصحيح هو توحيد القوى المدنية لرفض الطرفين المتحاربين. اي لقاء ثنائي مع الجنجويد ، سوف يجير لمصلحة الجيش المختطف والحركة الاسلامية، ويعتبر تأكيدا على ان القوى المدنية متحالفة مع الجنجويد ، ويسهل عمل ودعاية معسكر “بل بس”. على الاقل الاجتماع من حيث الشكل ، كان من الممكن ان يكون مع الجنجويد والجيش المختطف ، معا لمناقشة ترتيبات وقف الحرب وفتح الممرات الإنسانية وفقا لاتفاق منبر جدة، على ان يتم بإشراف دولي . وهذا ايضا خطأ استراتيجياً، لأنه التحاق بمنبر جدة من مواقع متخلفة!!! الترحيب في حد ذاته خطأ، لأنه يفترض بأن مخرجات الاجتماع من المحتمل ان تكون جيدة ، وهذا افتراض خاطئ حتماً. الاجتماع يأتي في سياق موقف الكفيل المشترك للجهتين ، وهو يؤسس لشرعية السلطة القادمة ( الجنجويد بغطاء مدني توفره “تقدم”)، لذلك لابد من فضحه مبكرا، باعتباره المنزلق الذي سيقود إلى شراكة دم جديدة ، تسمح للجنجويد برسملة الانتصار العسكري وتحويله إلى انتصار سياسي وسلطة سياسية بواجهة مدنية. والمطلوب هو رفض اللقاء والإعلان الصادر عنه، والعمل على تكوين الجبهة المدنية القاعدية الرافضة للحرب ، والقادرة على فرض ارادتها بإيقافها، وطرد الطرفين المتحاربين من الخارطة السياسية، ومحاسبتهما على جميع الجرائم . وقوموا إلى ثورتكم يرحمكم الله!! ٣/١/٢٠٢٤
Sincerely,
Abubakr Osman
حديث في منتهى المنطقية والمبدئية برغم صعوبة تحقيقه على ارض الواقع كما يبدو من د. أحمد عثمان عمر المحامي ومن الصعب التعليق والرد عليه دون الدخول في مغالطات منطقية ويحتاج الامر الرد من طرف خبير ومتمكن لذا ننتظر بفاق الصبر رد الدكتور الزيلعي
هذه مؤشرات غير جيدة بخصوص موقف الحزبى الشيوعي من اتفاق أديس أبابا، فرغم الترحيب الأولي المتحفظ من الناطق باسم الحزب إلى أن موقف هيئة محامي دارفور، وعلاقتها الحزب الشيوعي معروفة، الرافض للاتفاق ومثل هذا المقال من كادر قيادي بالحزب كلها مؤشرات غير مبشرة وتلمح لعودة الحزب لتخندقاته القديمة الرافضة لكل حتى لو استمرت الحرب والتقتيل والتشريد والتدمير … كاتب هذا المقال كان قد نشر أراء مشابهة حول شرعية الدعم السريع قبل الاتفاق وهاهو يكرر نفس الأفكار هنا وأعيد نشر تعليقي على مقاله الأول.
السيد الدكتور تحية طيبة … تابعت كتاباتك في الفترة الماضية وبدت لي، في أغلب الأحيان، أراء يمكن محاورتها والوصول إلى حدود دنيا مشتركة بشأنها “خلاف الموقف الرسمي للحزب الشيوعي المتمسك بمثاليات بعيدة عن أرض الواقع وتوازن القوى على الأرض” لا أطمح أن أنجح فيما فشل فيه دكتور الزيلعي …. لكنني أحب أن أذكرك بأمور أساسية في أي وقف للحرب متفاوض عليه أو أتفاق سلام ينهي حرباً.
ـ في الحالة السودانية وفيما يخص وقف الحرب فالأطراف الأساسية في التفاوض هي البرهان وجيشه وحميدتي ومليشياته، المدنيين ومراحل ما بعد وقف إطلاق يأتون لاحقا، …
ـ أتفاق ما بعد وقف إطلاق النار، المرحلة الانتقالية ووضعية الجيوش و”استعادة المسار الديمقراطي بصورة عامة” يجب أن يكون يقودها المدنيين فقط. سنتجاوز هنا عن معضلة “من هم المدنيون؟ وكيف يتم تمثيلهم” رغم أنها عقبة كؤودة …
ـ في هذه المرحلة المدنيين هم فقط طرف ثالث، مازال العسكر والمليشيا معنا، لا يمكن أن تفاوض طرف موجود على الأرض بسلاحه وجنوده وفق هذه الشروط “أنت لا شرعي، سيتم حل قواتك ونزع سلاحك ومصادرة كل أموالك ومحاسبتك على الجرائم التي أرتكبت خلال الحرب ولن يكون لك دور في المرحلة الانتقالية أو ما بعدها ولن تصبح حتى جزءا من ترتيبات إعادة بناء الجيش القومي” هذه الشروط تقول للمتحاربين عودوا إلى حربكم، هذه شروط لن بقبل بها حتى الوسطاء.
ـ التجارب في جنوب إفريقيا و رواندا وكولمبيا وحتى أسبانيا علمتنا أنه من أحل التعافي والمضي للأمام لا يمكن نسيان الضحايا لكن أيضا لا يمكن الغرق في الماضي وتبديد الطاقات في القصاص والمحاكمات والانتقام للضحايا، العدالة فكرة وممارسة نبيلة لكنها ليست مطلقة بل نسبية وأنت سيد العارفين.
° القوات المسلحة الثورية الكولمبية “اليسارية” FARC مارست كل شيء خلال سنوات الحرب من الإغتيالات والتهديد واختطاف الأثرياء من أجل الفدية إلى الجبايات على تجارة المخدرات وحمايتها” وهي مصدر دخلها الأساسي، لكن بعد اتفاق السلام في 2016 أصبحب جزء من الحكومة، فارك سلمت أسلحتها للأمم المتحدة وتحولت إلى حزب سياسي بل جاء منها رئيس لكولمبيا في2018 …
ـ في أسبانيا التي روعها نظام فرانكو الفاشي من نهاية الثلاثينات إلى 1975 عندما مات فرانكو “موت الله” ورغم ألاف الضحايا ورغم كل الجرائم اتفق اليسار واليمين على ما بات يعرف ب “اتفاقية النسيان” Pact of Forgetting والتي تقول باختصار أنه من أجل المضي بأسبانيا للأمام لا يمكن التخندق في الماضي، حتى أن البحث عن قبور الضحايا من الثوار “بما فيهم لوركا” ونبشها كان ممنوعا ولم يسمح به إلى حديثا
ـ في رواندا وبعد انتهاء الحرب الأهلية والإبادة الجماعية فضلت الدولة عقد محاكمات الحقيقة والمصالحة على مستوى القرى عوضا عن المحاكمات الجنائية الرسمية، عقدت أكثر من ثمانية آلاف محكمة للحقيقة ورغم تشكيل المحكمة الدولية الجنائية لرواندا في أروشا ICTR فقد غلبت المصالحة على القصاص.
من الصعب والمر والمحزن مطالبة الضحايا وذويهم بالتنازلات وغياب القصاص قد يشجع آخرين على تكرار هذه الانتهاكات لكن دروس الحاضر وحكمة التاريخ تقول من أجل التقدم للإمام يجب على الجميع تقديم تنازلات .. الضمانة الوحيدة لعدم تكرار هذا وللمضي للأمام بخطى ثابتة هو وحدة القوى المدنية الديمقراطية وتماسكها …
فكرة مجرد الاجتماع مع أي طرف أو حتى الاتفاق معه نحو وقف الحرب أن ذلك يمنحه الشرعية فكرة خاطئة تماماً يا دكتور! وقف الحرب تعقبه المحاسبة السياسية والقانونية وإن شملها اتفاق وقف الحرب، فلا يملك أحد الإعفاء من الجرائم ضد الإنسانية والأشخاص وجرائم الحرب إلا الضحايا ومتى ما رفعوا شكاويهم للقاء المحلي أو الدولي ستأخذ العدالة مجراها
فكرة مجرد الاجتماع مع أي طرف أو حتى الاتفاق معه نحو وقف الحرب أن ذلك يمنحه الشرعية فكرة خاطئة تماماً يا دكتور! وقف الحرب تعقبه المحاسبة السياسية والقانونية وإن شملها اتفاق وقف الحرب بالغفو عنها، فلا يملك أحد الإعفاء من الجرائم ضد الإنسانية والأشخاص وجرائم الحرب إلا الضحايا ومتى ما رفعوا شكاويهم للقاء المحلي أو الدولي ستأخذ العدالة مجراها
الدعم السريع رغم جرائمه التي سيحاسب ليها أفراداً ومجموعات عسكرية أو إجرامية قتل نهب واغتصاب ودخول الملكيات الخاصة ولو بمسوغ الحرب. ولكن من ناحية شرية وجوده وتصرفاته العسكرية فهو أكثر شرية والبرهان وجنرالات الجيش وكتائب الفلوليين الذين معه وحمدوك لا يحتاج لشرعية جديدة. كتب مجاهد بشرى في سودانيزاونلاين بعنوان (درس أول.. وأخير..) وانا اتفق مع كافة تقرياته القانونية التالية:
[3 يناير 2024]
■ تقول المراجع الأمريكية أن ربيع العام 1945م شهد بحثاً يابانيا محموما عن السلام عبر وساطة سوفييتية تُنهي الحرب بين اليابان و الولايات المتحدة, وهو ما كانت تعلمه الآخيرة التي اخترقت شفرة الاتصال اليابانية, فقد كانت جُلّ مطالب اليابان تتمثل في الإبقاء على الإمبراطور, وهو أمر لم يكن يكترث لأهميته الامريكان, لأنه سيكون منصبا شكلياً.
لكن الولايات المتحدة كانت تعلم بأن تردد اليابانيين في الاستسلام, مرجِعَهُ طمعهم في تحقيق مكاسب عند الاجتياح البري لقوات الولايات المتحدة لليابان, والحاق خسائر بها, ولم تكن اليابان تعلم عن القنابل النووية الامريكية شيئاً بالطبع, ومع سقوط ناجازاكي و هيروشيما, حاول العسكريون منع الامبراطور من الاستسلام, و أضطر للإلتفاف عليهم, وبث خطاب اذاعي يُعلن استسلام اليابان, قائلا عبارته الشهيرة :
“لا يهمني ما سيحدث لي شخصيا، لكنني أريد النجاة لجميع رعاياي” .
● هذه المقدمة القصيرة ستُفسّر نفسها بنفسها من خلال هذا المقال, والذي يكشف بدوره عن جوانب لا تراها في المشهد الذي أخذ بالتشكل بين بورتسودان و جدة وأديس أبابا, و مآلاته , وتأثيره على الحرب المشتعلة حاليا في السودان.
● صبيحة الـ25 من اكتوبر 2021م, استيقظ الشعب السوداني على بيان لقائد الجيش, يٌعلن فيه تحفظه على رئيس الوزراء, واعتقاله للقياديين من المكون المدني صاحب النسبة الأعلى في السلطة, حسب الوثيقة الدستورية الحاكمة, وقد كانت خطوة قائد الجيش, واحتمالية قيامه بإنقلاب عسكري أمرا واضحاً للعيان, يهدف للإستفراد بالسلطة , وإعادة النظام البائد إلى الواجهة, والقضاء على الثورة تماما, لذلك أطلق على انقلابه “تصحيح المسار”,يشاركه في ذلك نائبه في السلطة , قائد الدعم السريع محمد حمدان دقلو, وبعض قادة الحركات المسلحة, ليشكلوا سلطة أمر واقع بحسب الانقلاب, في ظل تصاعد أبخرة حُمم الخلافات بينهم, والتي بدورها كانت تُنذر بإندلاع صراع مسلح, بسبب الخلافات العميقة بين مكونات الانقلاب و قادة النظام البائد.
● ولعدم الإسهاب, فإن إحتدام الخلافات, وتزايد الخطر, دفع بنائب البرهان إلى إعلان أن ما قاموا به كان انقلاباً, وليس تصحيحا للمسار, وقد سهّل هذا الانقلاب عودة الإسلاميين إلى مفاصل الدولة, وقد فشل في تحقيق المرجو منه, تصريح بهذا الحجم يعني أن قائد الجيش أصبح متهما بتهم تصل عقوبتها إلى الإعدام , مثل تهمة تقويض النظام الدستوري القائم, وبالتالي عدم شرعية أي قرار يصدره, او منصب يتقلده, وما توقيعهما على الاتفاق الإطاري إلا اعترافا ضمنيا بانقلاب الـ25 من اكتوبر.
● أكبر فخ وقع فيه قائد الجيش هو استمراره في الإدعاء بأنه مايزال رئيسا لمجلس السيادة الإنتقالي, و أن كل قراراته مبنية على الوثيقة الدستورية, حتى لا يُثبت حقيقة ان ما قام به كان انقلاباً عسكرياً, وهي نقطة ستشكل محور ما يقوم عليه المقال, في كيف سيضع هذا الفخ البرهان و الجيش في خانة المتمردين على الدولة وفقا للقانون.؟
● في الفصل الأول من الاحكام العامة للوثيقة الدستورية التي يتمسك بها البرهان, فإن المادة الثانية البند (1) تؤكد فيه إلغاء دستور 2005م الانتقالي, مع سريان القوانين الصادرة بموجبه, ومن ضمنها قانوني القوات المسلحة 2007م و قانون الدعم السريع 2017م, يفصّل البند الثاني من ذات المادة أن جميع المراسيم التي اصدرها المجلس العسكري منذ 11 ابريل تظل سارية ما لم تُعدل بواسطة المجلس التشريعي الإنتقالي, ومن ضمنها المرسوم الدستوري 34 الذي أصدره البرهان في 30 يوليو 2019م, والذي قضى بإلغاء المادة 5 ببنودها 1و 2 من قانون الدعم الدعم السريع, وإلغاء تبعية الدعم السريع لقانون القوات المُسلحة بجميع فقراته, وقضى بإعادة ترقيم قانون الدعم السريع الذي أصبح بمقتضى ذلك المرسوم, قوة نظامية و جيشاً موازياً للقوات المسلحة, برضاها , وتوقيع قائدها عبد الفتاح البرهان.
● إلغاء المادة 5 من قانون الدعم السريع ستعني أن قائده وفقا للقانون, لا يمكن عزله , او تحديد إنتشار قواته , او تلقيه أي اوامر, او احتياجه للتنسيق مع أي جهة سواء في اثناء الحرب , او في اوقات السلم, وفقا للمادة 6 البند (2) و المادة (10) والمادة (11) , فقانون الدعم السريع قائم على تعيين قائده من رئيس الجمهورية, وتشكيل مجلس اعلى للدعم السريع يرأسه قائد القوة, ويكون مسؤلا عن قواته امام رئيس الجمهورية, دون أي تدخل للقوات المسلحة, او وزير الدفاع , وأن انقلاب الـ25 من اكتوبر و إن شاركت فيه, فإنها بتوصيفها له بالإنقلاب, فإن قائد الجيش عبد الفتاح البرهان أصبح رجلاً خارجا عن القانون, و مقوضاً للنظام الدستوري بالبلاد وفقا لقانون الدعم السريع 2017م المادة 7 بجميع فقراتها (أ,ب,ج,د), ومشاركة الجيش معه في هذا الانقلاب, يعني تحول الجيش لقوة متمردة أيضا, وان على الدعم السريع الدفاع عن البلاد ضد اي مهدد داخلي او خارجي وفقا للبند (د) من المادة 7, وفقا لتفسيرات قائده, و أوامره المنصوص عليها بالمادة 11 من القانون…
● وعند اندلاع الحرب, فإن قانون الدعم السريع يصبح فاعلا بجميع مواده وفقراته وتفسيراته وفقا للأهداف و المهام التي تم انشائه من أجلها, و الواردة في المادة 7 بجميع فقراتها, ولا يحتاج إلى استشارة أي احد في ظل غياب رئيس الجمهورية, الذي ذهبت صلاحياته إلى رئيس الوزراء, وحده قائده من يحدد المهدد الداخلي او الخارجي, ووحده من يُصدر الأوامر المستديمة في ذلك لقواته.
● البرهان سيد الانقلاب, وفقا للقانون و الوثيقة الدستورية, تُعتبر كل قراراته منذ 25 اكتوبر 2021م لاغية, حتى في ظل الحرب, ومن أجل إلغاء أي قرار او مرسوم, فيجب عليه إعلان الإستيلاء على السلطة, وهو ما سيورطه بصورة أكبر, ويمنح الدعم السريع المشروعية القانونية و الدستورية الكاملة, لمحاربة البرهان و الجيش بإعتبارهما مهددا داخليا للدولة, وهي احد اهداف القانون التي وضعتها الحركة الإسلامية, من أجل الحد من انقلابات الجيش المتوقعة, فأصبحت هي تحت رحمة القانون, ومهددا داخليا بإشعالها للحرب.
● لكن اللافت في لقاء حميدتي برئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك هو مناداته له بـ”سيادة الرئيس”, مما يعني إعتراف قائد الدعم السريع بشرعية رئيس الوزراء عبد الله حمدوك, وعدم شرعية سلطة البرهان الذي خسر الحرب, واصبح بلا جيش, يستنفر الشباب الذين قتلهم سابقا, ويمنح السلاح للمواطنين ليدافعوا عن انفسهم, مما يعني أنه لا يوجد جنودا ليحملوا هذا السلاح, ويشكل تهديدا أمنيا خطيرا للإقليم و الدول المجاورة بسبب سياساته التي ستفكك الجيش و الدولة السودانية.
● و يتعقد المشهد أمام البرهان أكثر , حيث يخرج قائد من أسماه “بالمليشيا”, ليستجيب فوراً لنداء السلام والعمل على العودة إلى المسار المدني الديمقراطي, رغم تقدمه في الميدان,وجلوسه مع المكون المدني في السلطة المنقلب عليها, يُعطي المدنيين دفعة أكبر للعب دور دولي و إقليمي لإنهاء الحرب, وبذلك يُبيّن للمجتمع الدولي والشعب السوداني من الحريص على استمرار الحرب,ومن الحريص على السلام, فلا يحرص على استمرار الحرب إلا من أشعلها.
بينما البرهان ما يزال يعد السودانيين بإستمرار الحرب, والموت حتى آخر جندي , ومستنفر , ومواطن يحمل السلاح, وهو أمر يجعله شخصا يمثل تهديدا وجوديا, لوحدة البلاد , وخطرا على سلامة المدنيين, ومدينة مدني خير مثال, وهو المتهم الأساسي كقائد للقوات النظامية في مجزرة فض اعتصام القيادة العامة في يونيو 2019م, وانقلاب الـ 25 من اكتوبر , ومقتل مئات الشوارع على يد جنوده, ويؤكد بوضوح عدم رغبته في حل سلمي ينهي الحرب بالتفاوض, على الرغم من عدم امتلاكه القدرة على القتال, ويُثبت بأن الحركة الإسلامية التي تُمثل عسكر الامبراطور الياباني, تعمل بكل قوتها لعرقلة أي سعي نحو السلام, وتجبر البرهان على وضع شروطا لمنع التفاوض رغم هزيمته التي لا يتناطح عليها عنزان.
● خطوات قائد الدعم السريع ستساعد في تثبيت مشروعية رئيس الوزراء المنقلب عليه, وتُضيق الخناق اكثر على الإسلاميين الذين يحاولون تسليح المواطنين و نشر السلاح خارج يد الدولة, تحت ذريعة حماية أنفسهم, ولا أحد يدري حماية أنفسهم من الجهة التي تمد يدها بالسلام, وإيقاف القتال , أم من الجهة التي تُصر على استمرار الحرب, وضرب المجتمع ببعضه؟
● اخطاء البرهان الكارثية, و مطامعه في السلطة , جعلت من الجيش المؤسسة الوحيدة الخارجة على القانون, فقد ساعدت الإسلاميين في الانقلاب على الحكومة الشرعية في 1989م, وأدخلت البلاد في حرب اهلية انتهت بتقسيم البلاد, ومقتل أكثر من 9.5 مليون سوداني, ومرة أخرى عاد الجيش لنفس الجرم, فانقلب في الـ25 من اكتوبر 2021م على حكومة الثورة الشعبية التي أطاحت بالإنقلابيين, وهاهو الجيش يحاول مجددا إعادتهم للسلطة على أجساد و جثث السودانيين الذين لفظوا هذا التنظيم الإرهابي, الذي لا يعترف بالديمقراطية, أو الحلول السلمية طوال تاريخه الدموي, فيدفع السودانيون ثمن إجرام جيشهم الذي تخلى عنهم, ورفض حمايتهم, ويدفعهم لقتال خصم , عجز هو عن مواجهته أو هزيمته.
● وعندما يتعلق الأمر بالسلام, ووقف نزيف الحرب, فإن الوقت دائما مناسب للجلوس في مائدة التفاوض,والجنوح للسلم كما أمر الله تعالى, أو الاستمرار في تلقي الدرس ..
الدرس الأول و الآخير .
تصحيح شرية إلى شرعية : من ناحية شرعية وجوده وتصرفاته العسكرية فهو أكثر شرعية من البرهان وجنرالات الجيش وكتائب الفلوليين الذين معه