السودان: انطلاق المرحلة النهائية للعملية السياسية في ظل تحديات واسعة

على الرغم من استمرار التظاهرات الرافضة للتسوية مع العسكر، تمضي الأطراف السودانية الموقعة على الاتفاق الإطاري نحو المرحلة الأخيرة من العملية السياسية، والتوقيع على اتفاق نهائي، من المنتظر أن يفضي إلى خروج الجيش من السلطة وتشكيل حكومة مدنية تتولى زمام الأمور في البلاد في فترة انتقالية مدتها عامين تنتهي بالانتخابات.
والأحد الماضي، أعلنت الآلية الدولية الثلاثية، المكونة من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وإيغاد، والتي تقوم بتيسير الحوار بين الأطراف السودانية، انطلاق المرحلة النهائية من العملية السياسية، بحضور المكونات المدنية والعسكرية الموقعة على الاتفاق الإطاري والتي أكدت التزامها بالوصول إلى اتفاق يعيد البلاد إلى مسار الانتقال المدني الديمقراطي.
وتتطلع أطراف العملية السياسية في السودان للتوقيع على اتفاق نهائي، خلال الأسابيع المقبلة، وذلك بعد حسم القضايا الخمس التي طرحها الاتفاق الإطاري للتشاور الواسع، عبر سلسلة من المؤتمرات، والتي تشمل العدالة الانتقالية وإصلاح المؤسسة العسكرية وتعديل اتفاق السلام الموقع في تشرين الأول/اكتوبر 2020 وحل أزمة شرق السودان بالإضافة إلى تفكيك نظام الرئيس المعزول عمر البشير.
وأختتم الخميس مؤتمر «خريطة طريق تجديد عملية تفكيك نظام 30 من حزيران/يونيو، والذي مثل أولى فعاليات المرحلة النهائية للعملية السياسية في السودان، ونظمته القوى السياسية الموقعة على الاتفاق الإطاري بتيسير من الآلية الدولية الثلاثية، بمشاركة وتمثيل مكونات سياسية واجتماعية من غير الموقعين على الاتفاق، بالإضافة إلى خبراء محليين ودوليين.
وكان الهدف من المؤتمر، حسب البيان الختامي، الوصول إلى خريطة طريق تشمل: «التشريع، السياسات، الآليات، المجالات، التكوين، المعايير، القواعد والإجراءات» لتجديد عملية تفكيك النظام السابق، بالإستناد على تقييم التجربة السابقة للجنة إزالة التمكين، والإلتزام بالمعايير الدولية وسيادة حكم القانون واحترام الحقوق الأساسية، على ان يتم تضمين خريطة الطريق في الاتفاق السياسي النهائي والترتيبات الدستورية الانتقالية.
وحسب تصريحات صحافية للمتحدث باسم العملية السياسية خالد عمر، ما تزال توصيات مؤتمر التفكيك قيد عملية الصياغة النهائية، مشيرا إلى إنها ستصدر لاحقا، ثم تعرض على أطراف العملية السياسية للتشاور والوصول لنصوص نهائية، ويتم تضمينها في الاتفاق السياسي بين العسكر والمدنيين.
وستكون قضية العدالة الانتقالية موضوع الخطوة القادمة في المرحلة النهائية للعملية السياسية، حسب المتحدث الرسمي، مبينا أن القوى الموقعة على الاتفاق الإطاري والآلية الدولية الثلاثية شرعت في النقاش حول تصميم العملية المتعلقة بقضية العدالة الانتقالية، بمشاركة أصحاب المصلحة من ضحايا الحرب والقمع في كل أنحاء البلاد.
ومن المنتظر أن ينتج عن مجموعات العمل والمؤتمرات، وفق الآلية الدولية، خرائط طريق حول القضايا الخمس، تمهيدا لتضمينها في الاتفاق السياسي النهائي.
«يجب أن تكون الاجتماعات والمؤتمرات الخاصة بالمرحلة النهائية، مكانا للتواصل والحوار وتبادل وجهات النظر بين الأطراف السودانية؛ حتى لا تنتهي العملية السياسية بالانهيار» هذا ما قاله المتحدث باسم الآلية الدولية الثلاثية المكونة من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي وإيغاد، محمد بلعيش، خلال مخاطبته تدشين انطلاق المرحلة الأخيرة من العملية السياسية، محذرا من التعقيدات التي قد يقود إليها عدم التوافق، في ظل الأزمات التي تعصف بالبلاد.
ولا تقتصر التحديات التي تواجه المرحلة النهائية، على التعقيدات الخاصة بتوافق أطرافها، حيث ما تزال عدد من القوى الفاعلة في المعارضة خارج العملية السياسية، أبرزها لجان المقاومة التي تقود التظاهرات في البلاد منذ انقلاب العسكر على الحكومة الانتقالية.
وترفع اللجان شعار اللاءات الثلاث «لاتفاوض، لا شراكة، لا شرعية» لقادة الانقلاب، معتبرة التسوية مع العسكر خيانة للثورة السودانية، وتتمسك بعدم الاعتراف بمخرجات العملية السياسية الجارية مؤكدة مواصلة التصعيد حتى إسقاط الانقلاب والتأسيس لسلطة مدنية كاملة.
وفي 5 كانون الأول/ديسمبر الماضي، وقعت مجموعة من القوى المدنية، اتفاقا إطاريا، مع العسكر، قابلته لجان المقاومة بتظاهرات في محيط القصر الرئاسي، نددت خلالها بالاتفاق وطالبت بتنحي القادة العسكريين ومحاسبتهم على تقويض الانتقال الديمقراطي في البلاد.
وبينما وقع عدد من الأحزاب المكونة لتحالف الحرية والتغيير على الاتفاق بشكل فردي، أبرزها التجمع الاتحادي والمؤتمر السوداني وحزب الأمة القومي، رفض حزب البعث العربي الاشتراكي الأصل، الإنضمام للاتفاق وانسحب من التحالف معتبرا الاتفاق تسوية مع قادة انقلاب 25 تشرين الأول/أكتوبر 2021 ومهددا للانتقال الديمقراطي في البلاد.
وكذلك انضمت إلى الاتفاق الذي يمهد للاتفاق نهائي، مكونات الجبهة الثورية بقيادة الهادي إدريس والتي تضم عددا من الحركات والتنظيمات السياسية الموقعة على اتفاق سلام 2020 بالإضافة إلى مجموعة من الأحزاب التي تشاركت الحكم مع النظام السابق، أبرزها الحزب الاتحادي الأصل بقيادة الحسن الميرغني والمؤتمر الشعبي.
بينما رفضه الإسلاميون، وتنظيمات دعمت الانقلاب العسكري، أبرزها مجموعة التحالف الديمقراطي التي تضم حركات مسلحة وأحزاب على رأسها الاتحادي الديمقراطي الأصل، بقيادة جعفر الميرغني وقادة عشائريين، بينهم نظائر قبائل الهدندوة محمد الأمين ترك.
في المقابل، تحظى العملية السياسية بدعم دولي واسع، حيث رحب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش بإنطلاق المرحلة النهائية، معتبرا إياها خطوة مهمة أخرى نحو تحقيق تطلعات الشعب السوداني في الديمقراطية والسلام والتنمية المستدامة.
وجدد التزام الأمم المتحدة بدعم العملية السياسية والمساعدة في تأمين اتفاق سياسي نهائي خلال الأسابيع المقبلة، مؤكدا على ضرورة المشاركة الواسعة لأصحاب المصلحة لضمان تسوية دائمة.
فيما حذرت دول الترويكا ومجموعة الوساطة الرباعية التي تقودها الرياض وواشنطن من محاولة تقويض العملية السياسية وإثارة عدم الاستقرار في السودان.
وأكدت دعمها انطلاق المرحلة النهائية من العملية السياسية المنوط بها استعادة التحول الديمقراطي في البلاد داعية القادة السودانيين للالتزام بالعملية السياسية وتشكيل مستقبل بلادهم.
وأشارت إلى ضرورة الانخراط في العملية السياسية بحسن نية لمواجهة التحديات السياسية والاقتصادية والأمنية التي تواجه البلاد والانفتاح على التعاون والاستثمار مع الشركاء الدوليين.
ورحب الاتحاد الأوروبي بالنتائج التي تحققت خلال الأسابيع الماضية من خلال تنفيذ بنود الاتفاق الإطاري وانخراط الأطراف السودانية في المرحلة النهائية من العملية السياسية.
واعتبر العملية السياسية الجارية في السودان، أفضل ما يمكن القيام به لوقف الانقسامات داخل القوى المدنية وبين المكون العسكري والمدني، مؤكدا دعمه لخيارات السودانيين، واستعدادها لتقديم المساعدات اللازمة لإكمال الاتفاق.
وعلى الرغم من أن القاهرة، طرحت مبادرة جديدة للحوار بين الأطراف السودانية، إلا إنها أعلنت كذلك ترحيبها بانطلاق المرحلة النهائية من العملية السياسية، واعتبرتها تطورا هاما وإيجابيا.
وأعربت عن ثقتها في قدرة الأطراف السودانية على الوصول إلى اتفاق سياسي نهائي وشامل ينهي الفترة الانتقالية ويحقق طموحات الشعب السوداني.
وطالبت المجتمع الدولي باستئناف مساعداته التنموية والاقتصادية في السودان، مؤكدة أن ذلك من شأنه أن يساعد البلاد في التعامل مع التحديات الاقتصادية والتنموية التي تواجهها، وإن مثل هذا الدعم سينعكس إيجابياً على مستوى معيشة المواطن السوداني، ويسهم في تحقيق التوافق السياسي الشامل.
القدس العربي – ميعاد مبارك