مقالات وآراء

صـدأ الريف وصـدأ الجيش

مجاهد عبدالله علي

للدكتور عبدالله على ابراهيم

(Abdullahi Ibrahim) سفر ومفاكرة وتشخيص بديع في تمظهر الحالة الجنجويدية والحركات المسلحة ، ولهث الشباب خلفها كحرفة وعمل ، أو كما إستوحى ذلك من المختص بالشأن السوداني إليكس دي وال والمختصرة عن سفره هذا بالمعني التالي (أن غياب مظهر الدولة عن الريف ولفترة طويلة وتركها في رحم المكنون والمكون الأهلي هو الذي أنتج هذه الظاهرة) حيث أن هذا الغياب لشكل الدولة المفترض عمله في الإجتماع والرعاية والتنمية وتوفر عوامل التصحر والتعرية وإستمرار التخلف ومنتوج التمايز الحضاري في شكل الحكم بين الريف والحضر هو الذي أدى لتأكسد المجموعات القاطنة لهذا الريف ، وبالتالي إنتج الصدأ بمجتمعاتها وما خرج منها هو صدأ الريف. ولذلك فإن غياب الدولة عن أي من مؤسساتها أو رعاياها في التخطيط والتوجيه والتربية والتدريب والتعليم ، وتركهم لعوامل الفوضى والتشظي والذي ينتج التجفيف والتجريف والتجهيل فإنه يجعلها أكثر عرضة للضعف والإنهيار ، أي أكسدة البنيات الأساسية التي تقوم عليها كمؤسسة أومجتمع وبالتالي يظهر الصدأ بها . ومؤسسة الجيش أو قوات الشعب المسلحة لم تبعد من هذا المفهوم ، حيث أنه وبالرغم من الميزانيات المهولة التي إستهلكتها منذ الإستقلال ، وهو ما كان مخصوماً من صحة وتعليم وتدريب من مجتمع ومؤسسات الدولة الأخرى ، ومن مجمل شعب السودان ككل . ورغم أن مؤسسة الجيش عمرها الأن قرن من الزمان من عهد إستعماري لوطني ، ولها مايقرب لأكثر من نصف قرن تحكم نفسها والسودان بديكتاتورية كاملة ، وأن ميزانيتها وصرفها على نفسها وهي حاكمة فاق ثلثي مدخول الدولة ، وأن تنقلها من حرب لآخرى بفعل مفهومها لتصريف دولاب عمل الدولة ، وقهر المؤسسات المدنية من التخطيط وإدارة الحكم ، وديكتاتوريتها المفرطة للحكم المطلق ساعد في تعريتها من الأغطية الإستراتيجية ، والتي يجب ان تكون داخل أي مؤسسة تنشد الإستمرارية والتطور والمؤسسية في ادارتها وتنظيمها وتنميتها ، بحيث تصل لأهدافها كأي مؤسسة من مؤسسات الدولة التي يجب أن تكون متناغمة لتحقيق تطورالدولة والمجتمع ككل.
اكبر الخطل التي طرأت على هذه المؤسسة انها قد إعتبرت نفسها مؤسسة سياسية ذات طابع حزبي وليس مهني ، وعليها طابقت نفسها مثلها والاحزاب السياسية ، أي أنها إعتبرت نفسها حزب سياسي ، وليس فقط ذلك بل حزباً حاكماً . فطفقت تطلب الحكم الفينة بعد الاخرى ، مما جعلها تتناسي دورها المهني ، وتتناسى مؤسستها في التطوير والتدريب والمواكبة ، وكل هذا إنعكس في ترهُل عقلية منتسبيها ، والتي صارت تنظر لمن هو خارج مؤسستها بانه ناقص ومملوء بالضعف والهوان ، ويتصف بجانب عدم المسئولية أنه يستحق كامل الوصاية ، حتى أوصموا فرد الشعب فيه بكلمة (ملكي) ، وبذلك صار الشعب السوداني في عقلية المؤسسة بأنه غير قادر وقاصر عن إدارة شؤونة ، وأنهم هم فقط القادرون على هذه المسئولية وأن الوصاية واجبة على الشعب السوداني.
وهذا المفهوم كان عنصر الإعاقة الكبير لهذه المؤسسة ، حيث أن عدم مواكبتها لدورها المهني ، وغياب عقليتها عن التخطيط الإستراتيجي لتطوير نفسها وترقية وتنمية كادرها في الجوانب المهنية التي يجب أن تهتم بها ، جعلها عرضة لضعف وهوان كبيرين فلم تستطع أن تصمد أمام كثير من النوائب والحروب التي حلت بشعب السودان ودولته ، وكانت على الدوام تحتاج لذات الشعب الموصوم فرده بــ (الملكي) ليدفع معها هذه النوائب. فما أن ظهرت الحركة الشعبية في أواخر عهد مايو وبلغ السوء والضعف بالمؤسسة وبالرغم من الميزانية المايوية التي صُرفت عليها في ستة عشر عام إلأ أنها لم تستطع أن تجهض تمرد كتيبة كما تسميه. وجاءت الديمقراطية ، ومن فرط تناسيها بلغ بها الضعف مبلغ الصرخات والمذكرات تلو المذكرات (وكأني بها تصيح بشعبنا الملكي يا أبومروة) ولذلك إستعانت في عهد الديمقراطية بقوات المراحيل كقوة إسناد لهم وقوة رافعة لحزب الأمة الحاكم ، وواصلت في طلبها الحكم وجاءت في الإنقاذ كحاكمة ومن خلفها الجبهة الإسلامية وواصلت إستعانتها بنفس الملكية ، ولكن هذه المرة كانت بمفهوم أخطل للدين والدولة حيث إزدادت رقعة الحروب ، وقامت بتفويج الدفاع الشعبي والخدمة القهرية والتي سُميت جزافاً بالخدمة الإلزامية . وواصلت في الإنقاذ حكمها وصرفها المالي على المؤسسة العسكرية وهو الصرف الذي كان لا يعرف الفقر لا أن يخشاه . وصارت المؤسسة في خلال العامين مؤسسة تمتلي بالولاء للحركة الإسلامية وليس بالكفاءة. وغير بعيد أن إختلف شيخ الحركة مع قائد الإنقلاب في المفاصلة الشهيرة ، وتم إعلان أن حروب النظام ليس في الجهاد منها حق ، حتى مالوا لوقف الحرب وجنحوا للسلم والإتفاق والذي أوصل السودان لسودانين ، وهو ما كشف أن المؤسسة ورغم أنها المدلل الأول بين مؤسسات الدولة إلأ أن العقم الذي أصابها ما كان له أن يُعرف طالما أن المؤسسة تعمل خارج إطارها المهني والإحترافي . وليس ببعيد أن إنفجرت حرب دارفور وكشفت عورة المؤسسة الكبيرة في الضعف الذي تراكم بها ، وإستعانت مرةٍ آخرى بصدأ الريف في الظاهرة الجنجويدية والتي نمت وتربت وترعرعت في كنف المؤسسة نفسها كقوة إسناد كبيرة ، ونفخت فيها المؤسسة العسكرية من روحها الضعيفة عسكرياً ومن بقايا مشروعها الحضاري معنوياً ، فتقاسمت ضعفها مع المؤسسة الوليدة ، حتى أصاب الصدأ المؤسسة الأم واصبح صدأ الجيش ، وحصل شعبنا على صدأين هما صدأ الريف وصدأ الجيش ، يتقاتلان الأن ، وبضُعف المؤسسة لا يعرفان القتال ، ووبقايا المشروع الحضاري يتقاتلان وكلٌ يصيح (الله أكبر) في إصابة دم الآخر . وصار الشعب بين أثنين أما أن يصيبه الصدأ أو أن يزيل الصدأ من مؤسسات الدولة كلها.

#لا – للحرب

#الثورة – مستمرة

#صدأ – الريف

#صدأ – الجيش

#الجيش – للثكنات

#الجنجويد – ينحل

 

 

تعليق واحد

  1. كان عندي زميل دراسة وصديق قريب الى نفسى دخل الكلية الحربية وتخرج ضابطا ملازم وعمل بالمدرعات الشجرة فكان يزورني في منزلي بامدرمان باستمرار واغتربت انا في دول الخليج وعند عودتي في اول اجازة زرته في غرفتة او ما يعرف بالميز ولكن صدمت مما شاهدت بان معظم غرف الضباط تعج بالفتيات يعني وكر مؤمن تامينا شاملًا والمنطقة عسكرية ممنوع الاقتراب او التصوير كان هذا في الثمانينات

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..