مقالات وآراء سياسية

متى يتعلم زعماؤنا السياسيين من الشعب؟

ياسر عبد الكريم

واقعة تستحق التأمل:قبل سنوات ذهبنا أنا وهدية إبنتي لشراء الخبز وفي المخبز وجدت كيس على جدار المخبز عندما لاحظت بنتي إستغرابي شرحت لي:(هذا كيس فيه خبز بشتروه الناس للمساكين) وفوق الكيس مباشرة ورقة مكتوب عليها (إشتري لك ولغيرك) وراقت لي الفكرة واشتريت انتظرت اخذ الخبز لأضعه في الكيس لكن يبدو حسب النظام انت تدفع وسيقوم عامل المخبز بوضعه في الكيس

وذهبنا وإبتعدنا من المكان ثم خطر لي أن أراقب من بعيد وإنتظرت فإذا بعامل المخبز أخد كمية من الخبز ووضعها في الكيس.وبعد إنفض الجمهور من أمام المخبز جاءت سيدة أخدت كمية من الخبز وأغلقت الكيس كما وجدته وجاء شاب فأخد ما يكفيه وأغلق الكيس ومرة على بائع الفلافل عمل منها (سندوتشات) وإنصرف

وأنا في الطريق فكرت بعد ذلك فيما حدث هؤلاء سودانيون وجدوا أنفسهم فجأة بلا رقيب ولا حسيب كان بإمكان عامل المخبز أن يأخد المبلغ ولا يضع الخبز والسيدة تأخد كل الموجود في الكيس وكذلك الشاب وجميعهم تصرفوا بأدب وأمانة .لكن بالرغم من تصرفهم الشريف في هذه الواقعة قد يتصرفون بطريقة مختلفة في مواقف أخرى.

مثلا لو كان فرضت الدولة ضريبة علي المتبرعين وقالت لهم سأصرفها في شراء الخبز للفقراء هل سيدفعون؟ فلن يدفع أحد وسيتهربون من الدفع بأي طريقة

ولو كان المتبرع للخبز هي الدولة وليس مواطنون عاديون فهل كان سيتصرف المواطنون كما رأينا؟ طبعا لا وسيأخدون من الخبز زيادة على حاجتهم

المتبرعون وجدوا انفسهم امام قضية عادلة الذي سيأخذ الخبز انسان محتاج لذلك تبرعوا بدون أي تردد وكذلك المحتاجين أخدوا ما يحتاجون فقط لعلمهم بالمتبرع مواطن

أما ضرائب الدولة لن يتأخروا ابدا في الهروب منها لأنها قضية كاذبة فلن يدفعوا لانعدام الثقة بين المواطن والحكومة ويتوقعون منها الكذب والشر والضرائب لا يدفعها جميع المواطنيين وليس هناك عدالة في فرضها ولا تصرف في خدمة المواطن وإنما تصرف للفاسدين وفي تمويل المليشيات وأجهزة الأمن التي تقتل المواطنين. وليس من حقك ان تسأل اين صُرفت الضرائب التي دفعتها للدولة ولا توجد ثقافة التعامل مع المال العام

ظهر خلف رئيس وزراء بريطانيا ديفيد كاميرون في مكتبه ماكينة قهوة بإعتبارها غالية (147 استرليني) الدنيا انقلبت ووجهت له أسئلة:على شاكلة من اين اتيت بهذه الماكينة هل من فلوسنا ام من فلوسك؟ من حق دافع الضرائب ان يعلم ورده نشر الفاتورة التي تثبت بأنه اشتراها من ماله الخاص لذلك تجد الناس في الدولة الديمقراطية يتعاملون مع المال العام بحذر ويحافظون على ممتلكات الدولة ويعلمون أين ستصرف الضرائب التي يدفعها ومن حق المواطن أن يسأل في ماصرف الرئيس وفي ما أنفق والثقة بين المواطن والدولة متوفرة ويستدلون من البيانات الرسمية على ما تؤكده فإذا أعلنت وزارة الصحة عن خلو مدينة من مرض ما تأكد لهم أن المرض غير موجود لأن الوزير لم يكذب على الشعب وهكذا

ليس المقصود أن السودانيون شعب بلا عيوب ، بل إن النظام الفاشي قد أصابهم بعيوب سلوكية عديدة من واجبنا أن نحددها وننتقدها ونعالجها حتى تعود الثقة بين الدولة والمواطن ويقبل بدفع الضرائب لأنه يعلم اين ستصرف امواله

ياسر عبد الكريم

[email protected]

 

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..