مقالات وآراء سياسية

شعار ثورة ديسمبر غاب عنه بعده الفلسفي والجمالي ..

طاهر عمر

 

ثورة ديسمبر ثورة شعب عريق سابق لنخبه بألاف الاميال وهذا ليس بغريب عن نخب لاحقة للأحداث وقد لخصها عبد الله الغذامي بعبارته المميزة حيث قال أننا في زمن تقدم الشعب وسقوط النخب. ومسألة سقوط النخب وتخلفها عن أداء دورها قد وضح منذ فشل جمال عبد الناصر في ترسيخ قيم الجمهورية لذلك كانت بداية سبعينيات القرن المنصرم لحظة مفارقة العالم العربي و الاسلامي لدرب مواكب البشرية حيث لخصته تجربة المجتمع الغربي كمختصر لتاريخ البشرية وقد أصبحت الحضارة واحدة وهي الحضارة الغربية وقد أحرجت كل الحضارات التقليدية ومن ضمنها الحضارة العربية الاسلامية ومنذ فشل جمال عبد الناصر في ترسيخ قيم الجمهورية قد أصبحت حالة العالم العربي والاسلامي ذات علاقة معكوسة مع تاريخ البشرية.
ومنذ ذاك الزمن قد أصبح العالم العربي والاسلامي ذو علاقة عكسية مع مواكب البشرية وقد أصبح في حالة يرثى لها ولهذا مسألة ضياع عشرية تونس بسبب راشد الغنوشي وسبب ظهور السيسي في مصر لكي يلعب دور نابليون ليقطع طريق الثورة الفرنسية كما قطع السيسي ثورة مصر وها هو يؤسس لنظام حكم تسلطي لا يختلف عن إعلان نابليون لنفسه امبراطور وكله بسبب سقوط النخب.
والغريب نجد أن نخب العالم العربي والاسلامي في كثير من الاحيان تحاور وتدور في نقاط لا توضح إلا موقفها الذي لا تشرحه مسألة الموقف والسلب أي إصرارها على مفاهيم قد أصبحت أمام الرياح هباء مثلا كثير من النخب في العالم العربي والاسلامي كانت تراهن على أن الغنوشي قد فارق فكر الجماعة الاسلامية وقد فصل مسألة الدعوة عن السياسة وكلها حيل كانت تنطلي على النخب الفاشلة وأذكر جيدا بان الدكتور حامد فضل الله وعبد الوهاب الأفندي كانا من ضمن لجنة قد أعطت الغنوشي جائزة أبن رشد ولك أن تتخيل ان تعطى جائزة ابن رشد لراشد الغنوشي نصير الامام الغزالي خصيم أبن رشد ألم يكون هذا هو المضحك المبكي؟ .
ألم يكن الدكتور حامد فضل يعلم بأن ابن رشد كان كل همه بأن يزيل ما طرحه الغزالي في تهافت الفلاسفة وقد رد عليه بتهافت التهافت؟ أم يريد حامد فضل الله أن يستمر تيار الاحياء و قد نتجت عنه الصحوات التي قد أورثت العالم العربي والاسلامي الندم عندما لم ينتج غير داعش من صميم أفكار الامام الغزالي في إحياء علوم الدين ومن هنا فقد خرج أمثال الغنوشي من معطف الامام الغزالي الذي لا يخرج من معطفه إلا كل محارب لفكر ابن رشد فكيف أستطاع حامد فضل الله ان يعطي جائزة ابن رشد للغنوشي؟
وماذا يقول حامد فضل الله اليوم بعد أن ثبت بان الغنوشي هو المسؤول عن ضياع عشرية تونس أم الربيع العربي؟ والمضحك نجد ان حامد فضل يستمر في كتاباته التي لا تخدم غير الموافق والمتفق مع الفكر التقليدي في العالم العربي والسودان قد ارتضى ان يكون في التخوم بسبب أمثال حامد فضل الله وإذا أردت أن تفهم ما أقول فانه كامن في مقالين لحامد فضل الله عن الاستشراق الالماني و للأسف الشديد جاءت أفكاره في المقالين موضحة إصراره على المتفق مع الفكر التقليدي حيث تكمن عدم القدرة على المفارق و المتجاوز للفكر التقليدي إذا قارنا كتابات حامد فضل عن الاستشراق بأفكار محمد أركون عن الاستشراق.
و أمثال حامد فضل الله لا تظهر قصر قامته إلا إذا قارنا ما كتبه فيما يريد أن يخوض بفكره التقليدي كما قلنا عن الاستشراق بأفكار محمد أركون والسبب بأن حامد فضل الله يكتب في ساحة سودانية قد هيأتها كتابات التقليديين بان تكون بيئة صالحة لاستقبال أفكار حامد فضل الله التي لا ترتقي الى أفكار مفكريين مشهود لهم في العالم العربي والاسلامي امثال محمد أركون حيث يشتهر بوسع منهجه الذي ينتقد عبره الاستشراق التقليدي وخاصة في تهاونه في استخدامه لمناهجه مع الاسلام كما استخدمها مع التراث اليهودي والمسيحي وقد استخدم محمد اركون مذهبه الواسع حيث وصل الى فكره في كتابه الفكر الأصولي و إستحالة التأصيل.
والغريب يكتب حامد فضل الله مجسد كتابة التقليديين ولكنه مطمئن لان الساحة السودانية مهيأة لمثل كتاباته والسبب غياب التفكير النقدي الذي قد أسس لفكر عقل الأنوار وأفكار الحداثة وقد أفتخر بها ذات يوم بول ريكور وهو فيلسوف مؤمن ولكن إيمان عقل الأنوار أيمان كانط وقدرته على فصل الدين عن الدولة حيث يقول ريكور بان الحضارة الغربية يمكنها أن تفتخر بأنها الوحيدة قد استطاعت ان تفصل ما بين الميتا عن الفيزيقيا وهنا ينام عقل الحيرة والاستحالة لأمثال حامد فضل الله وكتاباته التي لا تورث فكر غير فكر يعطي الغنوشي جائزة ابن رشد كواحدة من المضحكات المبكيات في ساحة الفكر السوداني.
حامد فضل الله سوف تجد كتاباته من يحتفي بها في ساحة قد هيأتها له كتابات مؤرخيين سودانيين لم يشغلهم غير فكرة صحيح الدين وكلها كتابات كانت متصالحة مع الخطاب الديني في السودان وكانت متصالحة مع أفكار احزاب الطائفية والحركة الاسلامية كما رأينا كتابات محمد ابراهيم أبوسليم وعلي صالح كرار ويوسف فضل وغيرهم من مؤرخيين سودانيين لم يفارقوا تقليدية المنهجية التاريخية.
المهم في الامر نرجع الى عنوان المقال مثل كتابات حامد فضل عن الاستشراق ومنحه لجائزة ابن رشد للغنوشي كمسؤول عن ضياع عشرية ربيع تونس لا تختلف عن استهبال نخب السودان واختباءهم خلف مناهجهم التقليدية التي لا تخدم غير خط الخطاب الديني ولهذا لم تستطع النخب السودانية إنزال شعار ثورة ديسمبر حرية سلام وعدالة لأن هذا الشعار نتاج وعي قد أوحت به روح الشعب ولكن بلادة النخب لم تتركهم ان يفهموا بأن شعار ثورة ديسمبر لا تضبطه غير معادلة الحرية والعدالة وهذه المعادلة تحتاج لفكر جديد نجده في موروث الانسانية ولا نجده في موروث المؤرخيين السودانيين ولا كتابات أمثال حامد فضل الله.
وعلى العموم ان مسألة فكاك الشعب السوداني من استهبال النخب السودانية أمثال حامد فضل الله مسألة وقت وسيعرف الشعب السوداني ان أفكار حامد فضل الله ما هي إلا ظلال لكتابات يوسف فضل وتلاميذه ومحمد ابراهيم ابوسليم وكتابات علي صالح كرار وكلها كتابات لا تخدم غير خط وحل الفكر الديني وتنام في مستوى فكرة صحيح الدين ومثل هذه الأفكار ما يشجع على انتشار وهم مفكر اسلامي كما نرى تشبث المحبوب عبدالسلام وعبدالوهاب الأفندي وحسن مكي وقبلهم الطيب زين العابدين وكيف كان بحيله الماكرة يسخر

دقائق في حياته يحاول انقاذ الحركة الاسلامية من السقوط والاندثار تحت أمواج ثورة ديسمبر العظيمة.
سوف يأتي اليوم الذي ستعرف فيه النخب الفاشلة في السودان بان أرتفاع مستوى الوعي في السودان غير مرتبط بكتابات النخب الفاشلة بل مرتبط بارتفاع الوعي الذي يأتي من موروث الانسانية وخاصة بأن كل الحجب قد زالت وقد أصبح موروث الانسانية أمامنا لا يحجبنا عنه حجاب .

 

[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..