
واشتعلت الحرب بغتة بدون مقدمات ، داهمتنا هكذا، نمنا آمنين مطمئنين في أسرتنا ، احتضنا أحلامنا الصغيرة في غد أجمل للوطن ، مستقبل أفضل لأبنائنا ، تلبية حاجاتنا الأساسية ، من الغذاء ، الكساء والدواء .
استيقظنا على صوت الرصاص والقذائف ، في لحظة تغير كل شيء ، تغيرت المفاهيم ، تغيرت الثوابت ، انقلبت الحياة رأسا على عقب ، تهتز منازلنا تحت القصف ، الدانات والرصاص اندكت الأرض تحت اقدامنا أصبحت حياتنا العادية المملة التي طالما تزمرنا من روتينها ، هي مبلغ غاياتنا وأقصى أمنياتنا ، نريد حياتنا اليومية المضجرة ، نتمنى ذلك الضجر الآمن الملئ بالطمأنينة ، نريد أن نصحو على صوت الأذان لا أصوات القصف والطائرات الحربية التي تجوب فوق رؤوسنا جيئة وذهابنا فتملؤنا رعبا مما يجئ بعدها ، كم كانت جميلة أصوات بائعي الخرد وصفارة سيد اللبن ، كم كان زاهيا تجمع الجارات عند السوق الصغير في قريتنا ، وهن يتبادلن الحكايات وآخر المستجدات و(الشمارات) ، كم كان رائعا (عدم الموضوع) هذا، الذي طالما أضمرته في نفسي ولم أعلق ، ليتني لم استعجل الذهاب حينها متعذرة بالكثير من المشغوليات ، ليتني جلست معهن بالساعات وانخرطت في هذه المتعة من (عدم الموضوع)، التي استحالت الآن وأصبحت حلما بعيد المنال ،
كنا نرفل في زحام من نعم الله ولا نستشعر ذلك ، نأخذها كأمر مسلم به وحق أصيل لا نتناقش فيه مع أنفسنا ،
أتت الحرب ونبهتنا بصفعة قاسية أليمة ، أخبرتنا أن الأمان والاطمئنان لا تقدر بمال ، أن النقود والماديات هي أتفه ما في هذه الدنيا ، تساوى الجميع في لحظة ، أصبح فيها الصراع فقط من أجل البقاء ، دمرت المباني الفارهات والعمارات الشاهقات وفي لحظة أضحت هشيما تذروه الرياح ،
الحرب قاسية ومؤلمة ، لن تستطيع كل معاني اللغة أن تعبر عنها ، تعجز أن تعبر عن جحيمها ولهيبها وخرابها ،
حتى ولو انتهت هذه الحرب اللعينة وربما أعيد بناء وتعمير المدينة التي أضحت خرابا ، وربما أعيد بناء المستشفيات والمرافق العامة ، ربما بعد سنوات عادت الخرطوم بوجه جديد ، ربما كان الخير في باطن الشر الظاهر هذا والكثير من الاستفهامات التي هي في علم الغيب ولا يعلمها إلا الله سبحانه وتعالى ،
ولكن
ماذا عنا نحن؟؟
الناس الذين اختبروا هذه المأساة اللعينة ، هل من الممكن رأب الصدوع ، الجروح الغائرة في دواخلنا والتي ستخلف بدون شك ندوبا غائرة تظل باقية إلى الأبد ، كيف يمكننا استرداد ذواتنا التي فقدناها في هذه الحرب الذميمة ،
الحطام في دواخلنا أضعاف هذا الحطام على الأرض ، فقدنا البوصلة والهوية مع تدمير مدينتنا ، فقدنا ذكريات عزيزات ، فقدنا الإحساس بالزمن أصبح لا نفرز الأحد من الجمعة ضاعت من بين أيدينا منطقية الأشياء ، طال الخراب كل جوانحنا ، أصبحنا مدمري الدواخل ، بقايا بشر ، فقدنا كل جميل عندما فقدنا الأمن والطمأنينة ، تيقنا أن جميع متع الدنيا بأسرها من مأكل ومشرب وملبس وكل الرفاهيات التي طالما رجوناها وغبطنا من يمتلكها ، كل هذه المتع مشروطة وتؤول قيمتها إلى الصفر إذا لم يتوفر شرطها الرئيسي وهو الطمأنينة،،،
نسأل الله الحق عز وجل أن يفرج الكرب ويزيل الهم ويبدل العسر يسرا ، وأن يعيد لنا أمننا وأماننا ، أن يتقبل الشهداء في جنات الخلد وأن يصرف البلاء ويحفظ البلاد والعباد ، ويجعل ثأرنا على من ظلمنا وتسبب في خراب وطننا ، أن ينتقم منهم انتقاما يذهب غيظنا وألمنا ويبدل حزننا سعادة ويأسنا أملا ولا يخيب ظننا ،
وصل اللهم على سيدنا ونبينا وحبيبنا محمد وعلى اله وصحبه اجمعين،،،
شكرا على المقال الجميل وشرحك لوضعنا قبل وبعد…ونحنا فى المهجر أصبحنا بالاقيمة أهلنا هاجروا والبلد اتدمرت واصبحنا بلا وطن نحن اليه وأهل تشردو. حسبى الله ونعم الوكيل .