أخبار السودان

“شاهد وضحية” ..ما يشبه الاتفاق على أن الواقع الاقتصادي انعكست ظلاله القاتمة على فرحة العيد

الخرطوم – الزين عثمان
شاهداً على كونه (ضحية)، يحمل أحمد حسن العامل في مجال البناء متبقي متاعه ويستغل البص في رحلة العودة إلى الخرطوم قبل أن يرتد إلى العيد طرفه.. أحمد لا يعدم الإجابة على سؤال: لماذا قطع عطلة العيد تاركاً دفء الأهل والعشيرة في ولاية النيل الأبيض؟ يقول لحظتها وقد اعتلت وجهه مسحة عدم الرضا: “هو وينو العيد؟”، ويحسم الجدل سريعاً أنه ليس بإمكانك أن تعمل (كصراف آلي) لأكثر من ثلاثة أيام. مثل من يشاركونه الرحلة ساعتها انبرى الجميع لحظتها في حالة شكوى جماعية مما يحدث في البلد وأسواقها والأسعار التي مسخت عليهم عيدهم، ومؤكد أنها ستمسخ عليهم ما تبقى من أيام سبتمبر وحتى نهاية أكتوبر.
يقول جار حسن في المقعد وكأنه يحاول أن يتحايل على الزمن الذي يمر بطيئاً في البص الذي يتوسط (طوف) تتقدمه سيارة رجال المرور، مما يجعل المسافة تزداد ساعتين أكثر من التي تقطعها في الظروف العادية، ودون أعياد يتوشح ساعتها أسفه، يرفع نظره إلى أعلى ويسترق السمع لصوت أبوعركي البخيت وهو يترنم داخل البص مستمتعاً يعيد النداء “كل البنات أمونة”.. البص ساعتها كان متجها إلى أم درمان لكن الرجل الذي يعمل في السوق يستعيد قصيدة العيد لهاشم صديق ويكتفي منها بتلك الكلمات (سبحان الله.. ناس يا عيد بِتْضَحي خروف.. وناس عدمانه كفاها الشوف.. وناس تعبانة تفتش تيس).. ويكمل: “ياخ مافي ضحية غيرنا نحنا.. هرمنا وتعبنا”,, كان مدهشاً لحظتها حينما أدخل الرجل يده في جيبه وأخرج ورقة كان قد سجل فيها مصروفات العيد التي ابتدرها بثمن الخروف الذي حدده بـ 1700جنيه، ولم يستطع مقاومة ضحكته حين قال إن دخله طوال الشهر قد لا يصل إلى هذه القيمة من المال. بعدها يقول الرجل الذي بات يتابعه الجميع إن مبرر إخراجه لهذه الورقة وفي هذه اللحظة كان بغرض تحديد أنه خرج من العيد (مديون). وكمن يريد أن يجد له مناصرين، يطلق سؤالا عاما: “إنتو فيكم زول ما مطلوب قروش في البص ده”؟.. الضحكات والهمهمات قطعها توقف البص في محطة الدويم من أجل تغيير عربة الطوف بأخرى ومواصلة المسيرة إلى الخرطوم.
بالنسبة لسؤال العيد كيف؟ فإن ثمة اتفاقا شبه عام على أن الواقع الاقتصادي رمى بظلاله القاتمة على الفرحة التي خرجت منقوصة ومحاطة بمشكلات تسديد فواتيرها في مقبل الأيام لكن في المقابل فإن عيد الناس في النيل الأبيض يبدو أكثر سعادة من عيد السودانيين في النيل الأزرق. القصة أيضاً تحضر حين يعلق شيخ كبير على متن الرحلة: “الحمد لله فنحن نبدو في حال أفضل.. الحمد لله على نفس العافية الطالع ونازل”.
في محاولة لتجاوز حال الناس إلى حال من يبحثون طرق إصلاح حياتهم من القيادات السياسية؛ ففي المنشية مثلاً اكتفى الشعبيون بذرف الدموع على شيخهم الغائب، في وقت اكتفى فيه زعيم الأنصار بإرسال خطبته إلى أنصاره في أم درمان والجزيرة أبا.. كان المشهد الأبرز في عيد السودانيين هو ظهور مولانا محمد عثمان الميرغني في القاهرة وهو يستقبل وفدا من الحركة الشعبية قطاع الشمال. الاجتماع لم يفصح عما دار فيه، ولعل الجميع اكتفى بأن مجرد ظهور رئيس الحزب الاتحادي الديمقراطي الأصل وراعي السجادة الختمية هو خبر تتراجع لصالحه الأخبار الأخرى.
فيما يتعلق بالعيد الرسمي الذي ترعاه الحكومة فإن الجميع كان يتداول في بيانها الخاص برفض تشريع (الكونغرس) الأمريكي بمقاضاة السعودية واعتبرته انتهاكاً صريحاً لسيادة الدول وهو القانون المعروف في الأضابير الأمريكية بـ (قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب).. الحكومة السودانية اعتبرت القانون انتهاكاً صريحاً لميثاق الأمم المتحدة الذي يقر مبدأ السيادة وأنه يشكل خطورة كبيرة على العلاقات الدولية.
في حراك رسمي آخر كانت تخرج وزارة الصحة الاتحادية وبلسان وزيرتها سمية أكد لتؤكد على أن معدلات الإسهالات المائية التي أصابت عدداً من المواطنين طبيعية و”أن الوضع الصحي بالبلاد مستقر”. وتقول وزيرة الدولة بالصحة بالاستقرار العام رغم أن الإسهالات المائية التي ضربت ولاية النيل الأزرق قد خلفت أكثر من 17 حالة وفاة في وقت تقول فيه الأنباء القادمة من هناك عن تكدس العنابر بالمصابين والمصابات بذات المرض.
على كل فإن عيد وزارة الصحة محاط بالطمأنة وأنه لا شيء يدعو للخوف والوجل لكن في العيد مثل ما قبله تقول الحكومة كلاما ويعيش الناس واقعهم المختلف.
لا تنتهي حكاية العيد السوداني هنا فقبل يوم الفداء كان الجميع يتداول تفاصيل حكاية الخراف الصينية في الأسواق السودانية قبل أن يتم كشف النقاب عن مقيم صيني قام بتربية الخراف السودانية قبل العيد وعرضها للبيع في ساعة الصفر لكن قصة الثروة الحيوانية سرعان ما تنقلب لثروة زراعية ووزير الزراعة الدخيري يخبر وكالة الأنباء الرسمية (سونا) عن زيارة مرتقبة لوزير الزراعة الصيني إلى السودان في الحادي والعشرين من سبتمبر الجاري وبرفقة عدد من المستثمرين الصينيين والتي تأتي من ضمن مبادرة الرئيس الصيني للاستثمار في الدول العربية وتوفير الأمن الغذائي.. الوزير الصيني سيزور مشروع الجزيرة ومشروع الرهد الزراعي الذي تمتلك فيه الصين استثمارات بمليون فدان الزيارة تستهدف توقيع عدد من الاتفاقيات لتعزيز التعاون المشترك بين السودان والصين في مجال الزراعة.. تعاون ينتظر الكثيرون أن يعود بالنفع على أهل السودان وفي بالهم المشروع الذي كان الأكبر في إفريقيا مشروع الجزيرة هل سيعود عبر الصينية إلى سيرته الأولى أم على المزارعين هناك تبني رؤية عراب الإنقاذ الاقتصادي عبد الرحيم حمدي وزراعته بالزهور؟
ربما كانت فرحة العيد السوداني هي ذلك الإنجاز الذي حققه منتخب السودان للشطرنج وهو يحقق ذهبية إفريقيا في باكو محققاً المركز الثالث على مستوى إفريقيا في البطولة التي أقيمت بأذربيجان.. حكاية الفوز ببطولة الشطرنج تعيد للأذهان حكاية إسرائيل حين ضجت البلاد بحكاية بطل السودان الذي واجه إسرايئلي في إحدى البطولات. وإن احتدم الجدل حول (التطبيع) مع الكيان في هذا التوقيت ومخرجاته دون أن يمضي الأمر بعيداً عن مشهد الولايات المتحدة الأمريكية حيث يقول وزير الخارجية إبراهيم غندور إن الأمور تمضي إلى الأفضل.
وآخر أحاديث العيد يضعها رئيس المؤتمر السوداني الباشمهندس عمر الدقير حين يقول إن الطريق إلى الاستقرار يمضي في اتجاه ما يقدمه الحزب الحاكم من تنازلات، الدقير يقول إن الكرة الآن في ملعب المؤتمر الوطني الذي يعيد تفاصيل ما قال به سابقاً حين يؤكد رئيسه بأن الملحمة ستكون في العاشر من أكتوبر وأنه لا سبيل غير ذلك الطريق المرصوف بالحوار الوطني المنعقد في قاعة الصداقة بالخرطوم.
بالنسبة لأحمد حسين الشاهد على كونه ضحية العيد والهابط من بصه داخل العاصمة القومية لابتدار رحلة اللهث اليوماتي في البحث عن لقمة عيش معطونة في عرق الحلال فإن “عيد الزول هو من يصنعه، وأن المستقبل يمكن أن يكون أفضل حالا مما هو عليه، وأن المطلوب لا يبدو مستحيلاً، ومن الممكن الحصول عليه في حال اتفق الناس على أن هذا السودان يمكنه أن يسعنا مثل (البص)؛ اتساعا يقوم على أسس المساواة، كل يدفع قيمة تذكرته فالعلاقة هي علاقة حق وواجب لا أكثر ولا أقل”.. يختم حديثه، قائلا: هذا عيد مضى بأحزانه ليتنا نجد الفرح في مقبل الأعياد

اليوم التالي

تعليق واحد

  1. اخبار هايفة وفارغة ومملة اها وبعدين مافاضل ليك الا تقول لينا وقد استقبل صاحب الجلالة عمر البشير السادة امراء المناطق السودانية اسوة بالتلفزيون السعودي

  2. اخبار هايفة وفارغة ومملة اها وبعدين مافاضل ليك الا تقول لينا وقد استقبل صاحب الجلالة عمر البشير السادة امراء المناطق السودانية اسوة بالتلفزيون السعودي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..