من أين أتى هؤلاء؟!

كثيراً ما طرق تفكيري السؤال عن: كيف نجح هؤلاء في أن يحكمونا كل هذه المدة؟ وهو سؤال شائك تتعدد إجاباته حسب المكان الذي يلمس منه كلٌّ منا ?نحن العميان- الفيل.
إلا أن ثمة ملاحظة ظلت تلحّ على تفكيري في الآونة الأخيرة، على علاقة ?ربما- بالإجابة على هذا السؤال. هذه الملاحظة ظلت تتكرر في الكثير من المحكّات التي هي على علاقة في الغالب بالأنثى داخل الحيز الذي نتحرك فيه هنا= السودان.
كنت قبل سنوات قد أشرت إلى أن النسق/النظام لم يتقبل تعليم البنات، فقط تغير جلد الحرب ضد الفكرة لتتخذ مبررات وأدوات أخرى تتوافق مع تغير الزمن ([url]http://hurqilya.blogspot.com/2012/05/blog-post_26.html[/url]) وأن الفكرة في جذرها الجوهري تتعلق ?في رأيي- بامتلاك الأنثى ومقاومة كل ما يمكن أن يضعف من هذا الامتلاك أو يجعلها مالكة أمرها… الخ. وغير بعيد مما أشرت إليه في المقالة تلك؛ أثار اهتمامي التعاطي مع التحقيق الذي تم تداوله إسفيرياً نقلاً عن صحيفة (الانتباهة) ويتعلق بشبكات الدعارة واجتذابها للطالبات!

فقد لاحظت أن ردود الأفعال تجاه ما ورد بالتحقيق المذكور، أكثرها ينحو منحى عاطفياً يغطي على ما سواه من الاتجاهات التي كان يمكن النظر منها إلى الموضوعة ونقاشها داخل حيزها الإنساني (بالمعنى القريب)؛ بالتركيز على الاستغلال الإنساني الذي تنطوي عليه الدعارة والنظر في حلول شاملة أكثر من التركيز على محاصرة البنت ووضعها تحت الرقابة الذكورية كعلاج لـ(انحرافها) المحتمل ووقوعها في براثن الاستغلال هذا، والموقف في هذه الحال يمثل ارتداداً عن أن البنت، في النهاية، ذات كينونة مستقلة (أو هذا المفترض) لها حرية اتخاذ قراراتها في كل ما يتعلق بها ويخصها، وليست موضوعة الجنس استثناء ليتم الدخول إليها من باب الخوف عليها من شبكات الدعارة وإعادة إحكام القبضة الذكورية عليها.
وبالعودة ?كذلك- إلى مطالبتي من قبل بثورتين متزامنتين؛ واحدة ضد (هؤلاء) والأخرى ضد ما يشبههم فينا، مع ملاحظة أنني عنيت كل من يعرِّف نفسه بشكل أو بآخر كمدافع عن الحرية بأشكالها المختلفة، وبالتالي يضعه هذا في مواجهة الحكام الحاليين للسودان وأيديولوجيتهم. أعود وأقول إن من أهم أسباب نجاح هذا الكابوس في البقاء كل هذه الأعوام هو أنه يعبر عن نسق من القيم المستترة التي تعشعش في لا وعي الكثيرين ممن أخذوا على عاتقهم محاربة هذا النظام/الحكومة.

ما يمكن قراءته من ردود الأفعال تجاه الكثير من القضايا والمواضيع، وليس آخرها موضوع طلب العمالة السودانية النسوية في السعودية للعمل في البيوت، وموضوع دخول الطالبات في خضم ما سمي (شبكات الدعارة)؛ هو أن الكثير من السودانيين الذين ينظرون إلى أنفسهم بوصفهم مستنيرين؛ لا يزالون عندما يتعلق الأمر بالأنثى؛ يلتقون مع (الحكومة) و(غير المستنيرين!) في الكثير من النقاط التي تحكم النظرة إلى (البنت). وهنا يمكن القول ابتداء؛ إن الحكومة هذه بقيت حاكمة لكل هذه المدة، بسبب أنها تعبّر عن بنية وعي بدوية (إن صح التعبير) هي السائدة لدى الغالبية العظمى من أفراد المجتمع، ولا استثناء لشريحة معارضي الحكومة المدافعين عن الحريات، أي أنها حكومة تشبهنا. فردود الأفعال العاطفية للمتابع لقضايا مثل التي ذكرناها أعلاه تخبرنا بأن الذهنية البدوية التي يحملها الكثير جدا من المستنيرين والمدافعين عن الحريات هؤلاء، ربما تجعلهم يتحرجون ?مثلا- من إرغام الأخت أو الابنة أو الزوجة على تغطية جسدها بنوع معين من اللباس؛ إذ يخالف هذا الأمر المستوى النظري من بنية تفكير الواحد منهم وإن ظل غير مرتاح لحرية هذه الأخت/ الابنة/ الزوجة في ارتداء ما تشاء مثلا، لكن عندما تفرض الحكومة عليهن زياً محددا فهي ترفع عنه الحرج وتريحه، ويظهر هذا الارتياح من قبله في رد الفعل البارد تجاه تحكّم الحكومة في أحد الأمور الشخصية مثل الزي، وهو اعتداء على الحرية ينبغي أن يدافع عنه بحرارة توازي الحرارة التي أبدى بها استنكاره لـ(استغلال) الطالبات/البنات في شبكات الدعارة=الجنس.

إن تخويف المجتمع بشبح العار الذي ستجلبه البنات على رجال الأسرة حال امتلكن حريتهن كاملة، حتى حرية التصرف في أجسادهن، وأمسكن بزمام أمورهن ليخترن كيف يردن أن يعشن؛ مثل هذا التخويف لا زال يؤتي أكله حين استخدامه، وهو في ظني يتغذى ويغذي في نفس الوقت الذهن البدوي الذي يجعل الكثيرين يفترضون أن حرية المرأة يجب أن تظل مقيدة، فهي تمثل مفهوم (العرض) المختبئ في ذهنية الكثيرين، والفعل الجنسي معها ولو بموافقتها يعتبر اعتداء على مالكها (الأب، الأخ، الابن). وهو التخويف الذي يمثل طوبة ضمن الكثير من الطوب الذي تبني به (الحكومة) هذه جدار حمايتها من الفعل المؤثر الحقيقي الساعي إلى زوالها.

إن اعتناق الحرية بسطحية لا تتعدى الحناجر وما يتخيله كلُّ منادٍ بها في ما يمسّه منها؛ فوق أنه أسهم في بقاء هذه الحكومة/النظام كاتماً على أنفاس الكثيرين طوال ربع قرن من الزمان؛ هو كذلك بذرة لمزيد من التخبط المفاهيمي القادم بعد إزاحة الحكومة الوشيكة، فعند المحكات ? حتى الصغيرة منها- كما رأينا؛ نرى أن ما وراء الأقنعة متشابه، ويشبه ?مع أسفي- هذه الحكومة/النظام.

حسناً.. يصعب على المدافعين عن الحرية ?إلا القلة منهم- تصور أنهم لا يمتلكون أخواتهم أو بناتهم، وأن (تفريطهن) في أجسادهن هو إهانة مباشرة لهم هم. هذا منبع الفيروس ? في ظني- الذي يفرخ أعراضاً أخرى مثل عدم احترام المختلف ?على إطلاقه، النزوع نحو الإقصاء واستبطان امتلاك الحقيقة، الارتداد نحو أنماط ذكورية مكرسة لسلطة الرجل وإن كان ذلك بطرق أكثر نعومة.

فليسأل كل من ينظر إلى ذاته بوصفه مدافعاً عن الحريات أو ما جاورها من صفات نفسه هذا السؤال: لو علمت بطريقة ما، أن أختك أو ابنتك، ترتدي ملابسها الآن في الحجرة المجاورة استعداداً للذهاب إلى مكان تختلي فيه بشاب ما، أنت تعرفه، ليمارسا الجنس دون أن يكون بينهما رباط زواج أو حتى علاقة حب.. ما رد فعلك؟ أعني رد فعلك النظري ورد فعلك الحقيقي. كذلك ما الشعور الذي سينتابك؟
إن الإجابة على سؤال كهذا تحدد الدرجة التي يقف فيها كلٌّ منا الآن في سلم احترام الآخر وحريته. وربما تجعلنا نمعن النظر لنرى كيف تنظر القوانين للمرأة وحريتها، وننظر إلى كيف أن رد الفعل على مثل هذه القوانين لا يوازي ما ندعيه.

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. كيف لا يحكمونا وفينا الصادق المهدي وإبنه عبدالرحمن كيف لا يحكمونا وفينا أمثال أحمد بلال والدقير والزهاوي وفتحي شيلا والميرغني والمحروس إبنه ومسار وإشراقه !! إذا لم يزال أمثال هؤلاء بيننا فلا عجب أن تري الذين يهرولون كلما سمعوا رنين ذهب المعز . فأمثال هؤلاء لا يتحملون الجوع وتعودوا علي الرضاعة المستديمه فيصعب فطامهم هؤلا الذين أكلوا بثدييهم ولذا ليس فيهم حر لأن الحرة لا تأكل بثدييها لكن أمثال هؤلاء يأكلون بثدييهم وبما دون ذلك وفعلا إستطاعت الانقاذ أن تدجنهم وتريد أن تجعل منهم كلاب حراسة بعد أن شبع الانقاذيين وأُتخموا . وهم كذلك لا يتعدون أن يكونوا كلاب حراسه ! ألم ترو تلك الغضبة المضرية لأحمد بلال وكيف فقد أعصابه أمام الصحفي الشجاع اللذي سأله عن السر في إصرار الإنقاذ علي الكذب إستخفافا بعقول المواطنين دون حياء وقف أحمد بلال كبلطجي الكباريه أو إن شئت فقل صبي العالمه علي قول إخواننا المصريين يصرخ في الصحفي تأدب تأدب وكالموس التي تدعي الشرف اصبح يتحدث عن الأدب وأحمد بلال يعلم في قرارة نفسه أنه كذاب وأن النظام كله يقوم علي شئين إثنين الكذب والسرقه منذ أول يوم ظهرت فيه الانقاذ. لكن ماذا نقول فيمن باعوا زممهم وشرفهم هذا إن كان لأمثال أحمد شرف . أفهمت سيدي كيف إستطاعت الانقاذ أن تحكمنا طيلة 24 سنه لأن فينا هذا الغث وأشباه الرجال وليسوا برجال .

  2. (يعبر عن نسق من القيم المستترة التي تعشعش في لا وعي الكثيرين

    الذهن البدوي

    مثل الزي، وهو اعتداء على الحرية

    الفكرة في جذرها الجوهري تتعلق ?في رأيي- بامتلاك الأنثى ومقاومة كل ما يمكن أن يضعف من هذا الامتلاك أو يجعلها مالكة أمرها.)

    هذه العبارات كلها تشير إلى رفض الدين
    هنا نعرف سبب بقاء هذه الحكومة وهو ان الكثيرين من معارضيها يعادون الدين من حيث المبدأ وهذا ما لا يرضاه اهل السودان!!!!!!!!!!!!!

  3. كنت اعتقد ان المدعو محفوظ شخص لديه مبادىء ويحمل افكار سامية جعلته بلا تردد يقف فى الجانب المناهض للنظام الاستبدادى الحالى ولكنى الان ادركت كم هو فارغ ((حقيقيا ونظريا))وساجيبك على سؤالك لماذا بقيت الانقاذ حتى الان ببساطة لان معارضيها من امثالك من حملة الافكار ((النيرة)) هذه والاخرون يهاجمون الامنون فى ديارهم فيقتلون ويجرحون ويدمرون ثم يحدثونك عن الجلابة والسكان الاصليين وهلم جرا من هراء كثير فكيف لاتبقى الانقاذ هذا هؤلاء واؤلئك هم معارضوها.نحن ياعزيزى نريدها ديمقراطية وحرية منضبطة بقيمنا الدينية وتقاليدنا وعاداتنا التى نفاخر بها ومن يريدنا ان نعيش مثل البهائم بدعوى الحرية فليبحث له عن وطن اخر غير سوداننا الحبيب….

  4. هولاء أتوا من أرحام السودانيات الماجدات ،،هولاء أتوا من بلاد نهر النيل وأرتو و منه ،

  5. كل ما ذكرته لا يعد من مبررات بقاء الانقاذ، كما أن لكل أمة أو مجتمع مثله وقيمه التي يقوم عليها ويضبط بها علاقاته ووشائجه وثقافته العامةوفهمه للحرية ومابعادها، سواء ارتبط او استمدت من دين هذا المجتمع أو موروثاته وتقاليده التي تولد وتنمو وتتطور وتتغير عبر الازمان والاجيال. أما ان تأتينا بسؤالك الافتراضي الوارد في الفقرة الاخيرة من مقالك هذا، فهذا هو المنكر وليس معيار لفهم الحريات يا أخي، . فمن أين أتيت انت نفسك؟ إن كان هذا معيار الحرية عندك1؟

  6. اتفق معك استاذ محفوظ فى كثير مماذهبت الية واعتقد ان الاخ الذى وجة لك سوأل مباشر حول ردة فعلك الشخصية النظرية والفعلية وجة السوأل الاصعب للنخبة والمفكرين فنحن نرفض عمل السودانية كخادمة فى السعودية ونمارس رجولة غير مكلفة برفضنا هذا فى حين نعجز عن ازاحة من تسبب فى هوانها واحتياجها للعمل فى السعودية هذا بافتراض انة نوع من الهوان بالطبع اذا اعطينا انفسنا حق ان نستنكر حق من حقوقها الشخصية واختياراتها الحرة يجب ان نطرح البديل لها (هذا هو نسق متلاذمة الوصاية الذكورية)ان لم تكن (وصاية مجانية )وللاخ صاحب السوأل اقول محفوظ اجاب بنفسة على سوألك داخل المقال ولو تم سوألى شخصيا لما اختلفت عن كثير من الحمشيين حماشة فارغة اعتقد اننا فى وضعية ماذومة تماما ولذلك تظل حتى استنارتنا ماذومة ولك مودتى ياجميل الافكار .

  7. استاذ محفوظ اتفق معك ..ان لكل منا بوليسه السري الداخلي الذي ينافح للابقاء علي قيم باليه … والنظام فعلا يعتمد في البقاء علي الاوهام لدي شعبه اكثر من الاعتماد علي آلته العسكريه…. نعم فليثور كل منا علي (ما يعشعش في اللاوعي )خاصته.. بعدها يصبح تغيير النظام امر لا يستحق كل هذا العناء

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..