“ولادة عبر الهاتف”.. كيف تعاني الحوامل بسبب الاشتباكات في السودان؟

الخرطوم: مصطفى هاشم
لثلاث ساعات بقي طبيب النساء والولادة، محمد عوض، على هاتفه المحمول للعناية بسيدة كانت على وشك الولادة، لكنها لم تتكمن من مغادرة منزلها للحصول على العناية الطبية بسبب اشتداد المعارك وسط العاصمة السودانية الخرطوم.
“كان قد حان موعد ولادتها لكن الاشتباكات في منطقتها كانت شديدة للغاية في الأسبوع الأول من المعارك” بين الجيش وقوات الدعم السريع، “منعتها من الحصول على المساعدة اللازمة، يقول عوض لموقع “الحرة”.
وتابع: “بالرغم من أن القابلة لم تكن تبعد عنها إلا بمسافة عشرات الأمتار فقط، لكنها لم تتمكن من الوصول” إليها.
وأضاف: “ولّدت السيدة في بيتها عبر التليفون. كنت أعطي التعليمات لقريبتها، وكنت أضطر لترديد عباراتي بسبب أصوات الرصاص التي كانت مرتفعة للغاية. كنت أشعر أن الرصاص كان يمر فوق رؤوسهم”.
يعمل عوض في مستشفى “سعد أبو العلا” الحكومي للنساء والولادة التابع لجامعة الخرطوم، مشيرا إلى أن “سيدة أخرى حامل كانت في طريقها للمستشفى في الأسبوع الأول من الحرب، حيث كانت في مرحلة المخاض، لكنها لسوء الحظ أصيبت برصاصة فلقيت حتفها”.
كانت طبيبة النساء والولادة، درية الريس، في مستشفى سعد أبوالعلا أيضا، الذي أغلق أبوابه بعد أيام من المعارك التي بدأت في الخامس عشر من أبريل الماضي.
يقع المستشفى جوار منطقة عسكرية تابعة للقوات الجوية، “وكانت المعارك ضارية للغاية. توقفت كل المحوّلات والعيادات الخارجية التي تعتمد فيها الحوامل علي المتابعة الدوريه لحملهن بسبب انقطاع الكهرباء ونقص الوقود، فضلا عن نقص المستلزمات الطبية، ثم بدأت المستشفيات في الانهيار والإغلاق قهرا”.
وقالت الريس: “باعتبارنا كوادر طبية لم نكن نستطع الذهاب إلى المستشفى بسبب المعارك، فضلا عن المرضى، كان عدم الأمان هو السائد في كل الشوارع المركزية في الخرطوم وبحري ولاحقا أم درمان، بل إنه تم قصف بعض المستشفيات”.
وأضافت: “كل هذا أدى إلى دخول السيدات الحوامل في حالات حرجة لعدم وجود المتابعة في غرفة الولادة والعمليات والطوارئ، ما زاد من أعداد الوفيات سواء بين الحوامل أو المواليد”.
وتابعت أن “عدم وجود خطة علاجية متفق عليها للسيدات في أقسام الولادة والعمليات أدى إلى تضخم في أعداد الحالات الطارئة التي تصل الحوادث”، مشيرة إلى أن “الرعاية الصحية للحوامل والأم الوالدة، تأثرت بشكل بالغ، وتضاعفت الوفيات والمشاكل الصحية”.
وتشير الريس إلى أن هناك كثيرا من النساء الحوامل انتقلن إلى ولايات أخرى خارج الخرطوم حتى تجد مكانا آمنا تستطيع أن تضع فيه مولودها، مضيفة أن كثيرا من الطبيبات والأطباء وضعوا أرقام هواتفهم في هذه القوائم معلنين عن استعدادهم لأي مشورة طبية بشكل مجاني.
وبحسب الأمم المتحدة، تسببت الحرب في مقتل نحو 900 مدني في السودان بينهم أطفال، ونزوح ما يقرب من 1.1 مليون شخص من ديارهم، من بينهم أكثر من 250 ألف فروا إلى دول مجاورة.
ويقول عوض إن “أربعة مستشفيات فقط الآن تقدم خدمات النساء والتوليد والأطفال حديثي الولادة من بين 15 كانت تعمل قبل اندلاع المعارك، في مدينة يسكنها 10 ملايين شخص”.
يتطوع عوض حاليا في مستشفى التركي في منطقة الكلاكلة في الخرطوم، مشيرا إلى أنه المستشفى الحكومي الوحيد الذي يقدم خدماته حاليا للحوامل والأطفال حديثي الولادة”.
وقال: “حتى المستشفى الحكومي يعاني من انقطاع الكهرباء ويجدوا صعوبة في أن يجدوا الوقود الكافي لتشغيل المولدات، ولذلك خدماتنا متقطعة للأسف”، مشيرا إلى أن الحوامل يعشن معاناة كبيرة جدا بسبب قلة المستشفيات وطول الطريق.
ويقول “الوصول أصلا صعب لهذه المستشفيات، وعلى السيدة الحامل أن تمر في مناطق اشتباكات وهذا يمثل خطرا كبيرا عليها”.
أما الريس فاضطرت إلى مغاردة السودان مؤخرا وانتقلت إلى العاصمة المصرية، القاهرة، متمنية أن يكون اليوم الذي تنتهي فيه الحرب قريبا حتى تعود إلى وطنها ومريضاتها وطلابها في جامعة الخرطوم التي تدرس بها.
وبدأ القتال بين الجيش السوداني بقيادة الجنرال عبدالفتاح برهان، وقوات الدعم السريع شبه النظامية بقيادة محمد حمدان دقلو الشهير بحميدتي، بعدما تبادل الجانبان الاتهامات بمحاولة الاستيلاء على السلطة في بداية الصراع، في 15 أبريل.
وشهدت الخرطوم معارك وغارات جوية، ليل الاثنين الثلاثاء، رغم بدء سريان الهدنة التي تمتد أسبوعا بين الجيش وقوات الدعم السريع، والتي من المفترض أن تتيح خروج المدنيين وإدخال مساعدات إنسانية إلى السودان، وفق وكالة “فرانس برس”.
وقال سكان إن الخرطوم شهدت أجواء هادئة نسبية في وقت مبكر من صباح الثلاثاء، غداة بدء سريان وقف إطلاق النار الخاضع لمراقبة من السعودية والولايات المتحدة، والذي يهدف للسماح بتوصيل المساعدات الإنسانية، حسب وكالة “رويترز”.
وبينما يحتاج 25 مليون سوداني من أصل 45 مليونا، إلى مساعدات إنسانية وفقا للأمم المتحدة، تزداد ندرة الغذاء بينما باتت المستشفيات كلها تقريبا خارج الخدمة، كما أغلقت المصارف أبوابها ودُمّرت أو نُهبت معظم مصانع الأغذية الزراعية.
الحرة