نخب ونخب 2-5

نخب ونخب 2-5
# عندما تحدثنا في مقالنا في الجزء الاول منه اوضحنا بجلاء وشفافية بان معظم نخبنا السودانية بشقيها كانت متواطئة مع بعضها لتقويض أي مشروع ينهض بالوطن في مرحلته الاولي ويعبر به الي الضفة الأخرى التي ينشدها الناس من الحرية والديمقراطية الاجتماعية والعدالة والمواطنة المتساوية والتنمية المتوازنة والسلطة العادلة وبأن الناس شركاء جميعا في وطن واحد .
ولم يخذلنا تاريخهم الذي راجعناه بعقول مفتوحة بما اوردناه من شواهد وفواجع مختصرة قبحت الوطن وجعلته يتراجع الي الوراء كثيرا مرورا بكل العهود للدولة السودانية الحديثة. ولان الجذور التاريخية لتلك النخب في تفكيرها للواقع السوداني كانت مبنية علي الكذب والتدليس واستغلال الدين والعاطفة السودانية للوصول الي اهدافها الخاصة بدلا من مواجهة جذور المشكلات وخدمة الوطن والمواطن . حتي المشاريع التنويرية التي ظهرت بين الفينة والأخرى استطاعت تلك النخب المسيطرة قديما وحديثا بشكل مباشر او غير مباشر في اعتقالها واعدامها في ميلادها او وضع المتاريس امامها لأغلاق أي كوة ضوء امام الامة السودانية ان تنهض ان تتقدم خطوات الي الامام كغيرها من الامم . ولذلك سوف نعيد قراءة تاريخنا لكل حقبة مستشهدين فقط بالنتائج التي نكتبها وبالطبع لا ندعي امتلاك الحقيقة .
# فشل النهوض بالوطن لا يتحمله العامة من الناس بل تتحمله لوحدها تلك النخب هنا وهناك وتجارب التاريخ دوما تحدثنا بان نخب جادة من حولنا استطاعت بمشاريعها العبور بشعوبها الي بناء الديمقراطية والسلام والتنمية والحداثة والرفاهية كما حدث في تجربة جنوب افريقيا وكما حدث في اسيا الهند كمثال للتقدم السريع وكانت شبيهه بما نحن فيه الان من حروب وانقسام .وغيرها من الدول في العالم .
# من هنا نبدأ : ومن قدر السودانيين لبناء دولتهم الوطنية السودانية ان تكون ثورتهم الاولي علي المستعمر الاجنبي في اواخر القرن 19 قادتها جماعة احتكرت الدين والسياسة معا بالرغم من القبول الشعبي والالتفاف سرعان ما انفضوا من حولها سريعا ولم تشفع لها معاداتها وانتصاراتها علي المستعمر الاجنبي ومحاولة بناء رابطة وطنية واحدة مقارنة بالممالك السابقة التي كانت تحكم هنا وهناك في الوطن بالتوريث وبالرغم من اشراك اثنيات متعددة في الحكم. ولكن ارغام الناس علي قبول دولة دينية متشددة لا تعترف حتي بالتنوع الديني والمذاهب ومعاداة الطرق الصوفية ,وبعض مشايخها واحكام قوانين متشددة والتدخل في امور حياتية للناس مثل منع التعليم المدني والغناء والرقص واحراق كتب المذاهب وحمل الناس على قراءة راتب المهدي فقط …..الخ ,واستغلال فكرة ( المهدي المنتظر الذي يظهر ويملأ الدنيا عدلا ) انظر منشور ما يعرف بمنشور الدعوة المهدية (منشور عرف بمنشور الدعوة:
«…واعلمني النبي بأني المهدي المنتظر وخلفني بالجلوس على كرسيه مراراً بحضرة الخلفاء والأقطاب والخضر وجمع من الأولياء الميتين وبعض من الفقراء الذين لا يعبأ بهم، وقلدني سيفه وايدني بالملائكة العشرة الكرام وان يصحبني عزرائيل دايما، ففي ساحة الحرب امام جيشي وفي غيره يكون ورائيا، وان يصحبني الخضر دايما ويكون امامنا سيد الوجود وخلفاؤه الأربعة والأقطاب الأربعة وستين ألف ولي من الأموات) انتهي* .
اذنا هي قائمة اساسا علي الكهنوت ومصادرة الحقيقة والقدسية المطلقة والحكم باسم الله علي الناس لم يعرفها التاريخ السوداني من قبل واجبار الناس علي تقبل الفكرة . ولم تراعي بان الدين الاسلامي تاريخيا في السودان كان شعبيا استصحب كل العادات والتقاليد و الثقافات التي كانت موجودة واحترمها وكان مرنا متسامحا مع كل ثقافات الناس المحلية لذلك انتشر في كل الانحاء بصورة طبيعية . وحتي لا نظلم تلك الحقبة من الحكم وما الت اليه من ايجابيات وسلبيات باختصار كانت لا تحمل مشروعا نهضويا وتنويرا لكل الوطن . كانت العاطفة الجمعية هي المحرك الوحيد لكل الافعال لذلك ليس من المستغرب الرسائل المستعجلة للدعوة الرسالية ( الحروب الخارجية مع جيرانها قبل ان تظمئن علي حكمها في الداخل لذلك سرعان ما تهاوي هذا المشروع سريعا لعدم تعامله بواقعية وانما بعقل غيبي الهي واحتكار كهنوتي .
وهنا يقول د. منصور خالد* ( المهدية اول نظام اسلامي للحكم في السودان سعي لإعادة اسلمه المسلمين وكأنهم خرجوا من ملة الاسلام ( انتهي. **
علي كل حال تبقي هذه الحقبة مليئة بالمغالطات التاريخية والسياسية والاسئلة هل انها ثورة خالصة ادت الي تغيير سياسيي واجتماعي واقتصادي وثقافي للوطن ؟ ام قوي ظلامية اطبقت علي الوطن في مرحلة ما استفادت من الظروف الداخلية وحالة الظلم والغبن علي المستعمر التركي لتعسفه في ادارة البلاد وفرض الضرائب الباهظة بصورة انتقائية وتجارة الرقيق الفاحشة مالم يتحمله الناس والاستفادة من ظروف المستعمر الاقتصادية وضعفه وانشغاله بإخماد الثورات في بعض مستعمراتها ومهما يكن يمكننا النظر اليها تلك الفترة المبكرة بأنها ثورة تحرر وطني ناقصة فتحت الطريق لبناء وطني جديد امام مقدمات ناقصة .وستظل تلك الحقبة ما الت اليها ملوثة بتراب الدولة الدينية والتشدد واحتكار الدين دون تقديم رؤية للمستقبل وبناء الوطن .
# وعلى الرغم من كل ذلك، لم تتعلم النخب السودانية المتناسخة الدروس ولم تقرأ التجارب المجانية من حولنا . بل ظلت طوال عهودها تحتكر السلطة والثروة واحتكار الحقيقة وتمارس والخداع القهر الفكري ودينت السياسة وادخلت حديثا الجيش في اللعبة السياسية كطرف في الصراع وبالتالي تبادل ادعاءات احتكار الحقيقة المطلقة زيفا باسم الدين والوطنية أو الثورة أو الديمقراطية. تتحمل النخب مسئولية الإخفاق. ويتحمل المنضمون الجدد إليها والمدافعين عنها تلك الكارثية المطبقة علي الوطن وهذا ما نتابعه في المقال القادم ). نتابع )
مراجع :
* منشورات المهدية، تحقيق محمد إبراهيم أبو سليم، دار الجيل بيروت 1979
* * منصور خالد : كتاب الحرب والسلام
عبدالعزيز ابوعاقلة
[email][email protected][/email]