مقالات سياسية

تجارة الأزمات، والرزق الحلال بين البركة والكثرة

نهى محمد الأمين أحمدطالعت في واحدة من مجموعات مدينة شندي على الفيسبوك إعلانا عن منزل مفروش للإيجار، يطلب صاحبه مبلغ ٦٠٠ ألف في الشهر، لا تفقروا فاها، أجل ستمية مليون بالقديم، بالمناسبة هذا مبلغ معقول للغاية مقارنة بآخرين، طالبوا بمبالغ تصل إلى ٧٠ الف جنيه بالجديد في اليوم، صراحة ما استفزني وأثار حفيظتي أن صاحب العقار طالب بمقدم ٣ شهور كشرط نهائي،

لا أخفيكم سرا إن قلت أني قد اختلطت مشاعري بين السخرية والأسى، ولم أعرف هل أضحك أم أبكي،  فشرطه الجزائي حمل بين طياته استمرارية هذه الحرب وتشريد الناس من منازلهم لثلاث شهور قادمة على الأقل، توقع محبط للغاية، أرجو من الله تعالى ألا يتحقق، وأن يعود الناس ليعمروا بيوتهم سالمين آمنين وأن يعوض الله من فقدوا منازلهم وممتلكاتهم،

حقيقة لم أستطع تماما تجاوز الشعور السئ للغاية تجاه تجار الأزمات الذين استغلوا وضع الحرب ليغتنوا، فلا يعقل يا أخي الكريم، في مدني وشندي وعطبرة وغيرها من مدن السودان، أن تقبل على نفسك هذا المال الملطخ بدماء الحرب، فأنت تعلم تماما أن بيتك العامر هذا قبل هذه الحرب لا يساوي إجاره عشر هذا المبلغ الذي تطلبه الآن، ألم تفكر ولو للحظة أن هذا استغلال لظرف موجع للغاية، وأن هؤلاء الذين شردوا وأخرجوا من ديارهم، هم إخوانك، ويستحقون منك التعاطف والمواساة، وأن تقف معهم وتسندهم بدلا من أن تكون أنت والحرب عليهم، ولا تنسى أن هذه الدنيا غير مضمونة، ومن يدري؟!  فقد تدور الدوائر وينقلب عليك الدهر بغتة كما انقلب عليهم وتجد نفسك في ذات مكانهم، تحتاج للعون والدعم من الآخرين، قل لي بربك كيف سيكون شعورك حينها؟!لا شك أن هذه الحرب قد سلطت الضوء على كم من التناقض في شخصية الإنسان السوداني، وهو أمر يستحق التأمل، الدراسة، والعلاج،  فهناك الذي يعرض منزله في شندي بأسعار كاليفورنيا، مستغلا الظرف بأبشع صورة، وهناك من فتحوا بيوتهم وقلوبهم بالمجان واقتسموا اللقمة واللحاف مع إخوانهم الفارين من أتون الحرب، وبينما قام نفر من الشباب بنقل المرضى والجرحى بسياراتهم الخاصة معرضين حياتهم وسياراتهم للخطر، قام آخرون بمضاعفة تذاكر المواصلات إلى أكثر من ١٠ أضعاف، الخير موجود وكذلك الشر على حد سواء، ولكن التناقض مثير حقا للدهشة،

أرجع مرة أخرى إلى أولئك الذين قاموا بتأجير عقاراتهم بأسعار بڤرلي هيلز، وربما يكون مقالي في هذه النقطة صادقا لأنني أتحدث من موقع الحدث وأكتويت بنار استغلال ظرف الحرب، أقول لهم وأخص بالقول أهلنا في شندي، صدقوني البركة في الرزق أهم من الكثرة، وهذه الأموال لن تزيدكم ولن تغنيكم، بل على العكس، ربما أخذت معها ما ادخرتموه قبلها من مال حلال، فهي مملوءة بدموع الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق مرغمين لا مختارين، وهي ملطخة بدماء الجرحى والأبرياء، ولن تكون إلا وبالا عليكم،،،،وتذكروا قول الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم وارحموا من في الأرض يرحمكم من في السماء ،،،

[email protected]

‫2 تعليقات

  1. تحياتي أستاذة نهي، هناك مثل يقول ان معدن الإنسان الحقيقي يظهر عند الأزمات. وهذه الازمة التي نحن فيها كشفت القناع واظهرت الوجه القبيح للكثيرين جدا من اهل السودان لقد خدعنا انفسنا بالشعارات الكاذبة باننا اهل كرم ومروءة وامانة، اين الكرم والاسعار تضاعفت الي عشر أمثالها واين المروءة والناس تمنع بعضها البعض من ابسط مقومات الحياة واين الأمانة والذي يدخل بيتك لينهبه بغير وجه حق هو سوداني مثله مثلك، سقط القناع وعرفنا اننا من اسواء شعوب العالم في استغلال الأزمات.

  2. ١-
    اقتباس من المقال اعلاه:
    (…فلا يعقل يا أخي الكريم، في مدني وشندي وعطبرة وغيرها من مدن السودان، أن تقبل على نفسك هذا المال الملطخ بدماء الحرب، فأنت تعلم تماما أن بيتك العامر هذا قبل هذه الحرب لا يساوي إجاره عشر هذا المبلغ الذي تطلبه الآن.).
    ٢-
    تعليق:
    (أ)- اصحاب هذه البيوت يعملون بالمثل المعروف :” إذا هَـبَّتْ رياحُك فاغْتَنِمْها”، فلماذا اذا لا يستفيدون من فرصة وقوع البلايا والمحن علي الاخرين ايا كان نوعها ويغتنوا ويثروا؟!!،.. انهم يطبقون علي انفسهم المثل المعروف “مصائب قوم عند قوم فوائد”.. اتمني من الله تعالي الا يصل حالنا حال كثير من الاسر الفقيرة المدقعة في افغانستان التي اضطرت لبيع اطفالها الصغار لتؤمن الغذاء للاخرين.
    (ب)-
    عائلات أفغانية تعرض أطفالها للبيع بسبب الفقر
    https://www.youtube.com/watch?v=V-f1X3_rDUo

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..