مقالات وآراء

خسرنا حلايبَ بالصمتِ وفي صمت

النور حمد

كنت قد كتبت مقالاً قبل أكثر من أسبوع نشرته صحيفة “التنوير” أوردت فيه أن “بوابة الوسط” الليبية قد أوردت نقلاً عن موقع “ريسو انترناشونال” الفرنسي، أن المحادثات الجارية بين المملكة العربية السعودية والسودان بشأن ترسيم الحدود البحرية بين البلدين قد تضمَّنت أن الترسيم لن يكون على حساب مصر، أو مصالحها المتعلقة بمثلث حلايب – شلاتين – أبورماد. كما جرت الإشارة، أيضًا، إلى أن أي اتفاقٍ بين البلدين سوف لن يؤثر بصورةٍ مباشرةٍ على منطلقات الحدود البحرية وتوزيع الجرف القاري والموارد الطبيعية، بالإضافة إلى السيطرة على الممرات الملاحية الحيوية في البحر الأحمر. ومنذ يومين انطلقت حملةٌ إعلاميةٌ مصريةٌ على وسائط التواصل الاجتماعي محتفلة بعودة حلايب إلى مصر. وفي تقديري أن كل هؤلاء المصريين الذين ملأوا وسائط التواصل الاجتماعي في الفترة الأخيرة هم من رجال المخابرات المصرية. ففي حين تصمت حكومة عصابة بورتسودان عن خيانتها العظمي بالتخلي عن تراب البلد في حلايب وبيع الأراضي من وراء ظهر الشهب لمن يرغب في الشراء تفضل السلطات المصرية أن تعرض إنجازاتها للشعب المصري عن طريق رجال المخابرات مفضلة ألا تستبق عصابة بورتسودان التي ألزمها خزيُها الصمت. وتقف وراء هذه الحملة أيضًا خطة سيكلوجية للعب بعقول السودانيين وإفهامهم أنهذا الأمر قد تم ولا رجعة منه وأن حكامكم في قبضتنا تماما ونستطيع أن نأخذ منهم ما نريد.

السودان على كف عفريت

في مقابل هذه الحملة الإعلامية المصرية، التي أوكل النظام المصري مهمتها إلى رجال المخابرات، الذين يظهرون بأزياء مواطنين عاديين لتبدو الحملة وكأنها نشاط شعبي مصري عادي في وسائط التواصل الاجتماعي، نجد هناك صمتًا سودانيًّا مطبقًا ومريبًا. صمت السياسيون؛ من يقفون في صف الكتلة الديمقراطية الواقعة تحت السيطرة المصرية، كما صمت سياسو “صمود”، الذين تستضيف مصر نصف قياداتهم، تقريبا. و أحب في هذه المقالة أن أعيد قراءتي لهذه الخيانة العظمى التي ارتكبتها سلطة عصابة بورتسودان، وسبق أن نشرتها صحيفة “التنوير”. وهي تتلخص في الآتي:

هناك سعيٌ مصريٌّ سعوديٌّ لانتهاز فرصة الحرب وحالة الاضطراب السائدة حاليًّا في البلاد لخدمة أهدافٍ عديدة. على رأسها: دفع عصابة بورتسودان المدعومة سياسيًا من السعودية، وسياسيًّا وعسكريّا من مصر، لكي تعترف بتبعية مثلث حلايب السوداني لمصر. مع منح مصر الحق الحصري في تنفيذ خطة إعادة إعمار السودان. يقابل هذا حصول السعودية على أكبر قدرٍ ممكنٍ من الثروات المختلفة في المياه المشتركة بينها وبين السودان، وربما أمور أخرى تتعلق بالاستثمارات السعودية في السودان.

اشتراط مصر الذي ذكره الموقع الفرنسي المتعلِّق بألا يؤثر الاتفاق السوداني السعودي بمنطلقات الحدود البحرية وبثروات الجرف القاري في المياه الواقعة بمحازاة ساحل حلايب، القصدُ منه هو أن تشرع السعودية في التنقيب في كنوز البحر الأحمر، وأن يفعل ذلك البرهان وعصابته أيضا. ويقتضي هذا اتفاق الجهتين حول الحدود البحرية، بما يخدم أهداف مصر. أي أن ما يجري من مفاوضات للترسيم بين السودان والسعودية يجب ألا يضع الساحل البحري لحلايب ضمن حدود السودان.

لقد أصبحت السعودية بسبب خططها الطموحة المسماة “الرؤية 2030″، بحاجة لاستكشاف كنوز البحر الأحمر. كما أن عصابة بورتسودان، التي دمرت البلاد تدميرًا غير مسبوق، تحتاج لكي تدفع فاتورة إعادة التعمير. وتحتاج، كذلك، إلى تقديم شيء من التنمية والعمران للجمهور السوداني لتسرتضيه. وتقول التقارير ومن ضمنها تصريحات وزير المالية، جبريل إبراهيم، إن حكومة عصابة بورتسودان تقف الآن على حافة الافلاس. فإلى جانب كلفة الحرب الباهظة، انخفضت الصادرات، وعائدات الجمارك، ورسوم الإنتاج بنسبٍ عالية بسبب الانهيار الكبير الذي أصاب الأعمال التجارية. كما انخفضت الجبايات بسبب الخراب الذي شمل كل المنشآت الصناعية والتجارية، وبسبب تشرُّد الملايين وفقدانهم أعمالهم. لهذا، ربما اتجهت أنظار البرهان وعصابته إلى كنوز البحر الأحمر لسد هذه الفجوة الضخمة غير المسبوقة.

في مفاوضات ترسيم الحدود المائية بين السعودية ومصر تنازلت مصر للسعودية عن جزيرتي تيران وصنافير. ورغم أن الجزيرتين كانتا تابعتين للسعودية في الماضي ومُنحت إدارتهما إلى مصر، إلا أن القضاء المصري والجمهور المصري اعترض على إعادتهما للسعودية. وقد ذكر محلِّلون عديدون أن سبب التنازل هو حاجة عبد نظام الفتاح السيسي المضغوط اقتصاديًا للعون السعودي. لذلك، يصبح التنازل عن حلايب تعويضًا لمصر عن خسارتها صنافير وتيران، وفي نفس الوقت، يصبح تبييضًا لوجه السيسي أمام شعبه. وهذا هو سبب الحملة المصرية التي يقودها رجال المخابرات احتفاء بتثبيت حلايب ضمن الأراضي المصرية. فهي للتغطية عن تنازل مصر للسعودية عن الجزيرتين عبر القول أن الدول الشقيقة تتنازل لبعضها عن أراضيها، لأن المصلحة، في النهاية، مصلحة مشتركة. أرجو الاستماع لحديث رجل المخابرات المصرية على “يوتيوب”، تحت عنوان: “أخيرا حلايب وشلاتين مصرية”، وغيره من عشرات، وربما مئات الفيديوهات المصرية، التي تتحدث عن مصرية حلايب وشلاتين.

خلاصة القول: إن أي اتفاقٍ تقوم بإبرامه أي جهةٍ خارجيةٍ؛ سواءً كانت مصر أو المملكة العربية السعودية، أو غيرهما، هو اتفاقٌ باطلٌ، لأنه قد تم في الظلام، من وراء ظهر الشعب السوداني. فسلطة عصابة برهان سلطةٌ غير شرعية، ولا يحق لها إبرام أي اتفاقاتٍ نيابةً عن الشعب السوداني. بل إن الدول التي تسعى لاستغلال فرصة غياب السلطة الشرعية في السودان، لتقوم بتمرير أجندتها الجيوسياسية والاقتصادية في السودان، إنما تمارس أفعالاً غير شرعية. بل، هي تمارس نهجًا ينضح انتهازيةً، واستخفافًا بالبلاد وبقوى شعبها الحية. وعلى القوى السياسية ذات المواقف الرخوة أن تصرف النظر تمامًا عن أي فكرة تتعلق بأن يكون للبرهان وعصابته متعددة الرؤوس أي مشاركةٍ، في أي ترتيباتٍ سياسيةٍ تلي نهاية هذه الحرب. فقد أرتكبوا في حق البلاد ما يُسمى: “الخيانة العظمى”.

هل من حياةٍ لمن ننادي؟

من الناحية العملية، سواء أن أعلنت مصر رسميًا تبعية حلايب وشلاتين لها بموافقة البرهان، أو لم تعلن، وسواء أن أعلن البرهان ذلك أو لم يعلن، فقد أصبحت حلايب مصرية. والذي ينبغي أن ننتبه له الآن أن هذه مجرد مقدمة لإلحاق السودان بمصر إلاحقًا تاما وأن الخطة الآن موضوعة على الطاولة وقد بصم عليها البرهان بالعشرة. ورأس الرمح في هذه الخطة هم ما سمي “إعادة إعمار السودان” التي منح البرهان وعصابته مقاولاتها للجيش المصري حصريًّا، ومن غير أي منافسة ومن غير أن يعرف عنها الشعب السوداني شيئا. تحقق مصر الآن عبر البرهان وعصابته حلمًا قديمًا ظل عالقًا بالمخيال المصري منذ استقلال السودان، ومنذ أن رفضت القوى السياسية الاتحاد مع مصر. هذا الحلم هو وضع السودان تحت الإدارة المصرية مثلما كان في الحقبة الخديوية (1821 1885). يريد البرهان وعصابته البقاء في السلطة مهما كان الثمن. وإذا سارت الأمور على هذا النحو فسيجد البرهان أو من يخلفه ممن هو على شاكلته محافظًا لمحافظة مصرية جديدة، هي وسط وشمال وشرق السودان. هذا إن لم تقتطع إريتريا أو إثيوبيا جزءًا من هذا النطاق.

هذا اللحظة القاتمة من التاريخ السوداني هي تجسيد ما ظل يحدث عبر مراحل التاريخ الإنساني لكثير من الأمم التي قفقدت زمام أمرها، وأصبحت قشةً في مهب الريح. هذه إعادة تمثيلٍ على مستوى الواقع العملي، لللحظات التي تشل فيها المصالح والمطامع ضمائر النخب، ويصبح الشعب بلا قادة. هذا، على وجه التحديد، ما حدث لكل الأمم التي فقدت أوطانها وخرجت من مسار التاريخ منزلقةً في مسار جانبي ينتهي بها إلى هاوية الصمت والنسيان والدثور.

[email protected]

‫3 تعليقات

  1. في معركة كرري داست جيوش مصر وإنجلترا علي جثث آلاف من السودانيين وهم يدافعون عن بلدهم
    ورفع علمي الدولتين المستعمرتين مصر وبريطانيا وظل الحكم الإستعماري ثنائيا حتي الإستقلال
    في ١٩٥٦ حمل الجند البريطانيين بقجهم وغادروا السودان
    ذهب مستعمر وهو البريطاني وبقي مستعمر آخر هو المصري
    وإنتقلنا من إستعمار مصري تقليدي إلي إستعمار مصري حديث
    فبدلا من الحامية العسكرية (في مايو ١٩٦٩ عملوا حامية عسكرية مصرية في جبل أوليا ونقلوا بعض من سلاح الجو المصري لوادي سيدنا)
    بقي الري المصري والخزانات المصرية في أرض السودان
    ولا يتم بالتصديق لمزرعة علي النيل إلا بموافقة مصر
    وبقيت البعثة التعليمية المصرية وجامعة القاهرة فرع الخرطوم
    وبقيت رخص التجارة مع مصر التي لا تمنح إلا للأوفياء لمصر من السودانيين
    وبقيت المخابرات المصرية تسرح وتمرح في أرض السودان كما تسرح في قنا وأسيوط

    وأهم من ذلك بقي الجيش السوداني تابعا ذليلا وعميلا وفيا لمصر
    وتكونت أحزاب سودانية بأموال مصرية تدعو لمصر وحدة أو تكاملا أو كل ما ترغب فيه الشقيقة مصر
    وبقيت الهيئة الفنية المشتركة لمياه النيل
    في هذا العصر الوطنية السودانية الوحيدة والمطلوبة هو العمل للتحرر والأستقلال من الجارة المستعمرة مصر …. ما بنقدر نقول الشقيقة ونحن لم نك لمصر إلا شوية برابرة بوابين وجنانية وحرس حدود (هجانة)

    1. يا سوداني ،، مصر لم ولن تفرط في ارض السودان حياة وموت مصر في يد شوية برابرة بوابين وجنانية وحرس حدود (هجانة)،،،،مصر تسرق ٨٦مليار متر مكعب من المياه ومليار طن متري من الطمي ، وكل اسماك النيل وكل الخيرات من حبوب وجمال ومواشي ،، مصر تحتاج فقط لعسكري واحد مثل عبود ونميري والبشير والبرهان ،، واحد فقط تنجز امرها وتؤدب كل الشعب السوداني وتلجمه ، مصر لا تحتاج لبرلمان ولا لجان ولا هلافيت الديمقراطية ولا الليلرالية ، لم ولن تنجح اي ثورة شعبية والمصريين جيراننا ، الا تشيل السودان باكمله وترحل بعيدا الى اوروبااو واق الواق

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..