انتبهوا أيها السادة.. السودان…حكم مدني أم سيناريو يوغسلافيا(1-3)

مجدي عبد القيوم (كنب)
ليست حربا عبثية انما سيناريو معلوم الاهداف
غربة الخطاب السياسي عن الواقع الماثل
توطئة
((تتسم هذه الحرب الراهنة بخصائص وسمات نوعية عنوانها تدمير البلاد وحرقها وربما تقسيمها إلى دويلات استجابة لمخططات مدروسة وفى جانب اخر منها فإنها حرب بالوكالة عن اطراف خارجية عينها على السودان الشاسعة الخصبة ومياهه الوفيرة ومعادنه النفيسة ويعزز من ذلك موقع السودان الجيوسياسي والذى جعله فى مرمي نزاعات وصراعات الموانىء والممرات المائية الدولية والاقليمية))
د/الشفيع خضر
القدس اللندنية
٩ أكتوبر٢٠٢٣
مقدمة
اندلعت الحرب بين الجيش والدعم السريع ولم تكن منبتة عن الحروب فى المنطقة ولا تخرج عن سياقاتها وان اختلفت الذرائع التي اتسم بها الخطاب السياسي لاطرافها فهنا كان العنوان مدنية الدولة وإبعاد المؤسسة العسكرية عن الحكم وفى تقديرنا أنه عنوان مخادع يخفى بين طياته أهداف اخري لا صلة لها بالحكم المدنى وقيم الديمقراطية فاي ديمقراطية تلك التى تأتي باحتلال منازل المواطنيين واستباحتها ونهب ممتلكاتهم ومقتنياتهم واغتصاب الفتيات القصر؟
يقيني الذي لا يخالجه شك بأن هذا السلوك الممنهج الذي لا يمكن انكاره أو تبريره خبيث الغرض يهدف الي التكريس للغبن الاجتماعي بين أبناء الوطن فى اطار خطاب الكراهية والتسويق للعنصرية والجهوية ادخارا ليوم كريهة بدت نذره تلوح فى الافق
دارت رحي الحرب بكل ما تحمله من مأسي وما تفرزه من تداعيات لتطحن المواطن المغلوب علي أمره طحنا وتدهسه دهسا هلعا وجوعا ومسغبة وموتا مجانيا وفزع ونزوح وتشرد بحثا عن ملاذات امنة وظروفا افضل .
انتشرت الفوضى فى الخرطوم ومثلما لعلع صوت الرصاص ودك القصف الممنهج والعشوائي المنشأت والمباني كذلك اشتعلت احزمة الفقر والبؤس من ضحايا راس المال المعولم والشركات عابرة القارات وتفجرت غبنا اجتماعيا فى ابهي تجلي لسلوك البرولتاريا الرثة قضى علي الاخضر واليابس
اقفرت الخرطوم ولم تعد تلك التى ترتدي اجمل ثيابها مساء وتتعطر بمياه العشق والياسمين وتتسكع راجلة علي شارع النيل ثم تتكيء علي جانبيها وتغتسل بمياهه والذى بدأ وكانه قد فارق مجراه وتاه عن “الدرب الاخضر ” ولم تعد خطواته نشوي كعادتها
جرفت الحرب الضروس الخرطوم من مظهر انساني حتي دعك عن جمالي وتحولت إلي سرادق عزاء لوطن .
تمددت السنة الحرائق كما مدت ايادى الاف النساء المكلومات يسألون الناس فى انكسار وذلة عساهن يجدن ما يسد رمق زغب حواصل تحجرت الدموع فى مأقيهم من عضة الجوع وهم يبيتون على الطوي ليلة وراء ليلة
غادر شباب الوطن عاصمة بلاده لا يحملون من متاع الدنيا سوى احلام تداعب اخيلتهم عساها تزيح عنهم هذا الكابوس
خرجوا زرافات ووحدانا اصدقاء واخوة يتسابقون على ارصفة الموانىء وصالات المغادرة جلهم يفاضل ما بين ما يسد الرمق أو سداد كلفة الاجراءات وهو يتوسد الثري ويلتحف السماء
اتسعت رقعة الحرب لتنتقل حسب ما هو مخطط لها فى دهاليز اجهزة استخبارت دول محور الشر ووكلاءها الاقليميين وحلفاءهم الداخليين من اصحاب مشروع مثلث حمدى أو دولة النهر والبحر او الانكشاريين الجدد ممن يزعمون بأن الديمقراطية يمكن أن تخرج من فوهة البندقية تحت رعاية ممثلو الانظمة الظلامية من ممالك النفط وامارات الشر الي دارفور كهدف استراتيجى
وربما لاحقا إلى اقاليم اخري لتدخل البلاد فى نفق الفوضى وعدم الاستقرار كاولي مراحل التقسيم والتفكيك ولعل السماء ستمطر قريبا بعد أن تلبدت سماء الفاشر بالغيوم ولا اخالها ستمطر حصوا أو بدون براق بل ربما برقا عباديا
كان حريا بالساسة والكتاب من صناع الراي تناول هذه الحرب من هكذا جانب لا حصرها فى هذا الحيز الضيق واعتبارها جزءا من الصراع علي السلطة ما بين المدنيين والعسكر
انها حرب الكفلاء والصراع علي الموارد بامتياز مع التأكيد علي أغراضها الاخري)*
—————
لم تشتعل هذه الحرب بغتة فقد سبقتها مراحل من التحضير ابتداء من جريمة فض الاعتصام و تخريب الانتقال وتعطيل مساره بشتى انواع المكابح ومن ثم انقلاب الخامس والعشرين من اكتوبر وانتهاء بالاتفاق الاطاري الذي أشرف علي صياغته المبعوث الأممي فولكر ومعاونيه من الكتبة من قبيلة اليسار اللبرالي وعهد بتنفيذه إلي دعاة النيولبرالية ومن يتمشدقون بالثورة بلا نظرية ثورية والذي كان بمثابة الشرارة التى اضرمت النار فى الهشيم ودق آخر المسامير فى نعش البلاد
ليس من مشتغل بالسياسة إلا بائس الفكر أو من تنكب طريق الوطنية وحاد عنه ترهيبا او ترغيبا من يمكن أن بتعامي عن العامل الخارجي دوليا وإقليميا فى هذه الحرب ليحشد خطابه السياسي بمفردات تتناسب وسياقات تجاوزها الزمن وابعد ما تكون عن الواقع الماثل وهو خطاب مضلل بامتياز ويمكن وصفه وبكل ثقة بانه عرضة خارج الحلبة
لا يمكن إغفال العامل الخارجي كمعطى اساسي عند تحليل المشهد ومن المؤكد أنه وعلى الرغم من الاعتداد بالمجتمع الدولي بكل تبايناته وتقاطعاته إلا ذلك لا يعني باي حال ان نمضى فى طريق مفروش بحسن النوايا فى المجتمع الدولي ومؤسساته على الرغم مه أنه واقع لا يمكن تجاوزه أو القفز فوقه عند تناول الشأن الداخلي لاي دولة سيما دول العالم الثالث ولكن الإقرار بهذا الأمر لا يعنى ان ترهن الدول قرارها للهيئات الاممية أو الإقليمية ايا كانت فقد ظلت البرغماتية هي السياسة المفضلة بكل ما تحمله من تناقضات
علينا أن نقرر فى شأن بلادنا بأيدينا وأن لا نترك الفرصة لايدى”عمرو” لتعبث بنا
نقرأ المشهد السودانى على ضوء متابعتنا لسنوات للواقع فى المحيط ومن قبل متابعتنا لحد ما للمشاريع أو الاستراتيجى الغربي تحديدا فى المنطقة العربية والإفريقية فبلادنا وما يجري فيها ليست استثناء أن لم تكن حجر الزاوية على طريق إنفاذ تلك المشاريع التى تهدف إلى تفكيك الدول ونهب مواردها لإيقاف تطورها ونموءها
لسنا معنيين بالأسئلة الغبية من شاكلة من أطلق الرصاصة الاولى أو أسباب الحرب فهي محض اسئلة تنم عن استهبال سياسي كما نبين اننا لسنا من دعاة الترويج للمصطلح التضليلى حول (عبثية الحرب) فتاريخ الشعوب يقول أنه ما من حرب عبثية انما تقوم الحرب لخدمة أهداف معلومة ذلك أن مثل هذه الحروب كالانقلابات العسكرية فى دول العالم الثالث لا يد لها من غطاء سياسي وأمني وما نستلزم من تحضير واعداد ودعم لوجستى وتسويق سياسي وبالتالى فإن ما يجرى فى بلادنا لا يختلف عما جري فى العراق وسوريا وليبيا واليمن إلا فى جزئيات متعلقة بطبيعة الدول
اذن هذه ليست حربا عبثية كما يشاع بل هى فى اطار مشروع دولى تقوم برعايته دول فى الإقليم وتنفذه جهات عسكرية وسياسية داخلية تحت ذرائع وشعارات زائفة لذلك تصدر هذا المقال مقتطف من مقال الدكتور الشفيع خضر يتسق مع ما نراه من وجهة نظر حول هذه الحرب وان كنا نختلف مع الدكتور ومع حفظ المقامات بالنظر إلى أن الرجل سياسي ضليع غزير المعرفة ثر التجربة أن ما أشار إليه بوضوح هو السبب الأساسي الحرب وليس (جانب منها) وبالتالي فإن المنطق يقول بأن المطلوبات و المقترحات بحل الأزمة ينبغي أن تركز علي علي الخارج حيث الفاعلين الحقيقيين والكفلاء لا الوكلاء عسكرا أو مدنيين ومن ثم كشف وتعرية الانفصاليين وتفنيد اطروحاتهم
فى ظل سعير الحرب واكتواء الشعب بلظي نيرانها ظل الخطاب السياسي لجل القوي السياسية ومعظم الكتاب من صناع الراي موغلا فى التاريخانية والماضوية بعيدا بل غريبا عن الواقع الماثل اذ لم تزل مفردات ومصطلحات الفترة التي سبقت اندلاع الحرب تشكل البنية الأساسية لذلك الخطاب وكان عجلة الزمن قد توقفت ليظل الخطاب السياسي اسيرا لدى محطات الثورة وسجينا لذاكرة الصراع مع الفلول قابعا فى قبو تاريخ العلاقة مع المؤسسة العسكرية المليء بدماء الجراحات النازفة مع أن الخطر الذي يهدد وجود الدولة ككيان لا يحتاج لزرقاء اليمامة لتصيح فى قومها اني اري شجرا بسير وكاننا لم نعايش مأسي تفكيك الجيوش الوطنية بشتي الحجج والذرائع ولا ما نجم عن ذلك من تفكك وتفتيت الدولة المركزية
ان لنا فى ما فعله”بريمر” عبرة وما فعله طيران التحالف فى باب العزيزية عظة وحري بنا التفطن الى مألات اتفاق الطائف وقياس المسافة بينه وجدة .
جدير بقادتنا أن يعوا الدرس بان نهاية الرقص مع الثعابين لدغة قاتلة
ينبغي أن نبحث فى تشابه القسمات بين قانون “اجتثاث البعث” والشعار الذي يصادم أهم مقتضيات العدالة ولا يكفى أن نحتفى بمقولة المفكر الاستاذ محمود بأن “الحرية لنا ولسوانا” بل نجعلها سلوكا فى مواجهة الآخر المختلف.
علينا مراجعة العنوان فقط لاطروحة المفكر عبد الله بولا فربما كانت شجرة نسب الغول تقودنا إلي حقيقة أن الاسلاميين لم يأتوا من السماء.
ينبغي أن نأسس لخطاب سياسي يتسق ودقة المرحلة وخطورة المنعطف الذي تمر به بلادنا
تعلمنا فى كتابنا الاول الا حياد فى القضايا الوطنية وانه ينبغى التزام جانب الشعب ووحدة تراب هذي البلاد .
فى الجزء الثاني من المقال نكتب حول تفكيك الدول عبر تفكيك الجيوش الوطنية بالاستناد إلى التجارب التاريخية ونستعرض كذلك التقرير الذى أعدته مجلة فورين بولبسي ونشرته الحرة فى موقعها بتاريخ ١٣ يوليو ٢٠٢٣ وكيف تحول الصراع فى السودان إلى منافسة بين السعودية والامارات للسيطرة علي السودان.
لقد أسمعت إذ ناديت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي.. الكفلاء اشتروهم كلهم مع قطيعهم..الخروج من هذه الورطة يتطلب التدافع العملي عبر كل المنابر الاعلامية لحشد الشعب حول الأجندة الوطنية قبل فوات الأوان.