احتفالية تكريمية في منتدى بغداد للثقافة والفنون ببرلين لتكريم د. حامد فضل الله من السودان

د. كاظم حبيب برلين
يعتبر الصديق الدكتور حامد فضل الله واحدا من أبرز أعمدة وشخصيات الحياة الثقافية والاجتماعية العربية بألمانيا، ولاسيما ببرلين. تجمعنا صداقة ما بعد الخمسين من العمر التي غالباً ما تقوم على المبادئ وبعيداً عن المصالح، إذ تعتمد الأخوة والفهم المتبادل عند الاختلاف، والتضامن والتعاون والعمل المشترك في حقول الثقافة وحقوق الإنسان والمجتمع المدني وهموم العالم العربي المتراكمة والمتفاقمة. ومنذ بداية التسعينات أصبحنا أصدقاء لما تبقى من العمر. أرجو له ولعائلته ولكم طول العمر والصحة والعافية.
للصديق والأخ حامد فضل الله خصال لا تفوت على من يتعرف عليه. فهو إنسان متواضع، دمث الخلق وشفاف الطبع، طيب المعشر، كريم النفس، صريح ونزيه اللسان وصادق القلم، يمد يد المساعدة بأكثر من المستطاع، مما يكلفه صحته. له علاقات ودية واسعة مع العرب وغيرهم ببرلين، بغض النظر عن وجهات نظرهم السياسية، فالعلاقات الاجتماعية عنده ذات نكهة إنسانية حميمة يفترض ألَّا تضيع في أجواء اختلاف الآراء أو المواقف السياسية، له رأيه ومواقفه السياسية الإنسانية في الدفاع عن حقوق الإنسان وكرامته، وحقوق القوميات، وحقوق المرأة ومناهضة كل أشكال العنصرية والطائفية، والتمييز الديني والمذهبي، والتمييز ضد المرأة. الصديق حامد من الملتزمين بالحكمة المندائية التي تقول: “ويل لعالم لا ينفتح على غيره، وويل لجاهل منغلق على نفسه”.
حين بدأت أبحث عن شخصيات ديمقراطية من دول عربية تشارك معي في تشكيل منظمة تساهم مع منظمات أخرى في الدفاع عن حقوق الإنسان في الدول العربية، وبعد أن كنت عضواً في المنظمة العربية لحقوق الإنسان ومنظمة العفو الدولية منذ الثمانينيات من القرن الماضي، وجدت في حامد فضل الله ونخبة من الأخوة والأخوات من الدول العربية، خير عون وناشط في هذا المجال، وهو ما يزال يناضل على هذا السبيل. وفعلاً أسست “منظمة الدفاع عن حقوق الإنسان في الدول العربية” في العام 1991، وقدمت الكثير من المساعدات للاجئين والمقيمين من الدول العربية، ولكنها أصبحت ميتة سريرياً!
حامد طبيب نسائية، فأضفت عليه مهنة الطب النبيلة، ولاسيما النسائية، الكثير من نكهة المرأة والود الصادق والوفا للأصدقاء والدفء الإنساني في علاقاته مع الآخرين، كما وجدت طريقها إلى كتاباته وقصصه القصيرة، التي تحمل عبق النسوة والطرافة واللقطة المميزة والذكية والمؤثرة.
حامد كاتب مقل ومتميز، كتاباته تتميز بلغة سليمة ورشيقة، يختار كلماته كما يختار الطبيب الدواء الناجع لمريضه. ويمكن للقراء أن يجدوا ذلك في كتابه الوحيد والمهم الموسوم “أحاديث برلينية” وضع فيه خلاصة تجاربه وحياته وعلاقاته منذ أن غادر السودان ليحط بألمانيا ليدرس اللغة والطب والثقافة الألمانية.
حامد مثقف عضوي هادف ومؤثر بالمعنى الغرامشي. يكتب الشعر الشعبي بالسودانية، ومقل فيه أيضاً، ويحفظ الكثير من الشعر السوداني الشعبي، ويبدع في استخدامه.
حامد قارئ نهم باللغتين العربية والألمانية، أحب الترجمة إلى جانب الكتابة. يختار منها ما يراه نافعاً للعرب، ولاسيما المسلمين، بما يساعدهم على فهم الألمان وثقافتهم، وما يفترض أن يكونوا عليه وبعيداً عن التطرف الديني أو القومي والمغالاة بها، كما يترجم ما يراه نافعاً للألمان لفهم مواقف ونهج العرب بعيداً عن مواقف الذين اكتووا بنار الحروب والإرهاب التي تركت تبعاتها وتداعياتها وأخلاقها على سلوكيات بعضهم المشينة. يقف بوضوح إلى جانب اللاجئين ويطالبهم بالاندماج بالمجتمع الألماني والأوروبي وليس الانصهار فيه، ويثني على مواقف الألمان في استقبالهم للاجئين ويطالبهم بالمزيد من قبول الآخر والتفاعل معه والتلاقح الثقافي وتوفير مستلزمات تنشيط وتسهيل عملية الاندماج بالمجتمع الألماني.
محاولات حامد الفكرية والعملية جادة في إيصال الفكر والأدب الديمقراطيين السليمين في الثقافة العربية إلى الألمان، وهي مشاركة مهمة ومحمودة وتحتاج إلى رعاية للإكثار منها. يمتلك حامد حساً نقدياً رفيع المستوى مدركاً لدور النقد وضروراته وأهميته، صريحاً وجريئاً في ممارسته، ولكنه يرفض الإساءة والتجريح!
همٌ إنساني نبيل يؤرق حامد، إنها العلاقة المتوترة وضعف التعاون والتضامن بين جاليات وأفراد الدول العربية. فالاستبداد الحكومي والحروب والإرهاب والقمع والفساد والحرمان وغياب الحريات والحياة الديمقراطية والدستورية وتفاقم الفجوة بين مستوى حياة ومعيشة الأغنياء المتخمين، والفقراء البائسين، رغم غنى الأوطان، هي الظواهر السائدة منذ عقود بالدول العربية، والتي تركت آثارها السلبية العميقة على العلاقات بين مواطنات ومواطني الدول العربية بألمانيا وعموم أوروبا. وكثيراً ما بذل حامد الجهد لإصلاح ذات البين، ومنها مثلاً دوره النبيل لإصلاح العلاقات المتوترة بين الجماعات العراقية ببرلين، والتي لم ينجح في تحقيقها، وكذا الحال في سعيه للمّ الصف السوداني بعيداً عن السياسة، فالمشتركات الثقافية والاجتماعية والإنسانية أكثر بكثير من دور السياسة في التفريق والتباعد… الود وعدم نسيان الأصدقاء والأحبة والحنين والوفاء لهم هي من أبرز خصاله الطيبة.
لا يغيب حامد عن الندوات الثقافية التي تعقدها المنتديات العربية ببرلين إلا إذا كان في وعكة صحية. ويساهم بحيوية فيها ويدعو الآخرين للمشاركة فيها، لاسيما وهو يلاحظ الإحباط الشديد في صفوف مواطني ومواطنات الدول العربية واحجامهم عن المشاركة في مثل هذه الفعاليات، باعتبارها جزءاً من الكارثة التي تعاني منها شعوب الدول العربية بحكم الاستبداد السياسي والحروب والإرهاب والخراب الاقتصادي والتدخل الأجنبي الدولي والإقليمي والإحباط النفسي والتمييز ضد المرأة، إنها جزءٌ من المهمات التي يفترض أن ينهضوا بها، وهم في الخارج، مواطنات ومواطنو الدول العربية لصالح شعوبهم.
برلين في 3 تموز/ يوليو 2018