?فجر جديد وتحديات قديمة? في الملتقى التداولي لتشغيل المصانع المتوقفة .. فهل تعود خطوط الإنتاج إلى الدوران مجدداً؟

الخرطوم ? نازك شمام
عشية رفع العقوبات الاقتصادية الأمريكية عن البلاد، أجرت الصحيفة اتصالاً بوزير الدولة في وزارة الصناعة، الدكتور عبدو داود، لمعرفة تداعيات القرار على واقع الصناعة السوداني، وقتها لخص الوزير القرار بأنه (فجر جديد للصناعة السودانية)، ومنذ ذلك الوقت ووزارة الصناعة تضع الهدف نصب أعينها بأن تكون البلاد إحدى الدول الصناعية التي يشار إليها بالبنان، وهي تملك من الموارد ما يؤهلها لذلك، فبدأ السعي نحو تحقيق ذلك جاداً مع الجهود المبذولة لحل المشكلات التي أرهقت الواقع الصناعي وجعلت مساهمته في الناتج المحلي الإجمالي لا تتجاوز الـ(21 %)، وهي نسبة بسيطة إذا ما قورنت بالموارد الهائلة الكفيلة بهزم أي معوقات تعترض طريق القطاع.
الرسوم والجبايات وتقاطع السياسات المالية وعدم وجود تمويل طويل الأجل، كلها مشاكل أرهقت كاهل القطاع الصناعي منذ قديم الزمان، يضاف إليها المشكلات المتعلقة بالتقنيات في فترة العقوبات، فضلا عن مشاكل اجتماعية وثقافية تتعلق بملكية المصانع التي تعمل بنظرية الفرد أمام المؤسسة، كل هذه المشكلات طرحها الملتقى التداولي لتشغيل المصانع المتوقفة أمس (الثلاثاء) باتحاد الغرف الصناعية، الذي شاركت فيه وزارة الصناعة وسوق الخرطوم للأوراق المالية.
قاعة اتحاد الغرف الصناعية بدت مكتظة بأصحاب الشأن وفاضت حتى جانبيها، فالجميع جاء ليتداول حول مشاكل الصناعة السودانية وإيجاد حلول لها في المرحلة المقبلة، غير أن الملتقى هدفه الأساسي تشغيل المصانع المتوقفة التي قال عنها وزير الدولة بالصناعة إنها لا تتعدى نسبة الـ(20 %).
وكان وزير المالية د.محمد عثمان الركابي قد حضر جزءاً من الملتقى وقام بمخاطبته بأريحية مطلقة أثرت الساحة.
محمد عثمان الركابي، وزير المالية، اعترف بإهمال القطاع الصناعي في البلاد منذ الاستقلال، وكشف عن توقف عدد كبير من المؤسسات الصناعية بالبلاد لأسباب أرجعها لـ(عجز القادرين على الكمال) ? على حد قوله، إن ?كل الطاقات العاطلة خسارة علينا?، مبينا أن الخسارات الكبيرة ناجمة عن توقف المصانع، داعيا أصحاب المصانع لحل مشكلة التمويل عبر البحث عن مصادر التمويل المتعددة وعدم الاكتفاء بتمويل المصارف. وشكا الركابي من ضعف الاستثمار في القطاعات الإنتاجية وحصره في الاستثمار في الأراضي والذهب، منتقدا ضعف شيوع ثقافة الادخار والاستثمار في أسواق المال، وشدد على أهمية تحويل كل المنشآت الصناعية العائلية إلى شركات مساهمة عامة، تجنباً لفشلها بعد وفاة المؤسس. وقال ?لدينا مشكلة في السودان.. نحن كأفراد كويسين جدا ولدينا أفكار، ولكننا نفشل في العمل الجماعي?. وألمح إلى وجود عشرات المنشآت الصناعية التي كانت تتبع لعائلات كبيرة اختفت، مؤكدا على أهمية التحول إلى شركات مساهمة عامة لضمان الاستمرارية. ودعا الركابي إلى الابتعاد عن (الكنكشة) في المؤسسات الناجحة وتصدير المؤسسات الفاشلة في أسواق المال، وتعهد بتقديم كافة السياسات الاقتصادية لتشغيل المصانع المتوقفة عن العمل.
من جانبه، أرجع عبدو داود، وزير الدولة في وزارة الصناعة، أسباب توقف المصانع لعدم التمويل والتقنية والاجتماعية، موضحا أن أسباب التمويل ستجد حلولا عبر التمويل من خلال سوق الخرطوم للأوراق المالية أو التمويل عبر المصارف أو بتمويل القطاع الخاص للقطاع الخاص. أما الأسباب التقنية فحلها في قرار رفع العقوبات الأمريكية الذي يسمح باستيراد قطع غيار المصانع، مبينا أن الأسباب الاجتماعية والثقافية فيكمن في تحويل المصانع إلى شركات مساهمة عامة، وكشف عن إجراء مسح صناعي لحصر المصانع المتوقفة في الولايات، وقال ?لا نحتاج إلى إنشاء مصانع جديدة وتبديد الموارد?، ويمكن العمل على تشغيل المتوقفة منها.
وكشف مساعد محمد أحمد، رئيس اتحاد المصارف، أن مساهمة القطاع الصناعي في الناتج المحلي الإجمالي لا تتعدى الـ(21 %)، لافتاً إلى أن نسبة المخاطر لدى تمويل القطاع الصناعي أقل بكثير من مخاطر القطاعات الأخرى، مشددا على أهمية أن تعمل المصارف على تمويل القطاع والنهوض به، لجهة أنه يعمل على توفير فرص عمل وتشغيل الطاقات العاطلة. وأوضح مساعد أن التمويل يكون للتشغيل والتحديث وللبنيات التحتية، ودعا أصحاب المصانع إلى الاهتمام بمتطلبات التمويل من المصارف لضمان الحصول عليه.
وأكد أزهري الطيب، مدير سوق الخرطوم للأوراق المالية، قدرة السوق على تمويل المنشآت الصناعية بمبالغ لا يمكن أن توفرها المصارف وبضمانات أقل، مشيراً إلى القيود على القطاع المصرفي وعدم قدرته على تمويل المشروعات الكبيرة، لمحدودية قدراته، مؤكدا جاهزية السوق لتمويل القطاع الصناعي بتكلفة أقل وبشروط ميسرة وبتمويل طويل الأجل.
من جانبه، حصر معاوية البرير، رئيس اتحاد الغرف الصناعية، معوقات القطاع الصناعي في وجود إشكاليات وتقاطعات بين المصانع والسياسات المالية والرسوم والضرائب والتهريب إلى دول الجوار، ممتدحا قرار المواصفات بإيقاف السلع غير المطابقة للمعايير، لجهة أنها عملت على تحريك صناعات تعطلت لفترة من الوقت. وشكا البرير من عدم تضمين الصادرات الصناعية إلى دول الجوار في الموازنات، وشدد على أهمية وجود حوافز مشجعة لتشغيل الطاقات العاطلة، وأبان أن تحويل المصانع إلى شركات مساهمة عامة يتطلب حوافز وإعفاءات ضريبية وإعمال الشفافية. وأقر بتركيز الصناعات في ولايتي الجزيرة والخرطوم، مما يعمل على تشويه التنمية المستدامة، وأكد على أهمية تحويل المصانع إلى الولايات، باعتبارها مصدر الموارد لإتاحة الفرصة للصناعات التحويلية. ووصف البرير قرار تخصيص محفظة الحبوب الزيتية وعدم استخدامها للتجارة المحلية، الصادر من البنك المركزي بالقرار الإيجابي.
وكشفت الإحصاءات التي أوردتها وزارة الصناعة أن جملة المصانع المتوقفة في ولاية الخرطوم بلغت (1120)، وتأتي في المرتبة الأولى نسبة المصانع المتوقفة في قطاع الغزل والنسيج بنسبة (46 %) مقارنة بنسبة المصانع المتوقفة في القطاعات الأخرى، تليها صناعة المنتجات الورقية والطباعة والنشر بنسبة (43.2 %) ثم صناعة المدابغ والمنتجات الجلدية بنسبة (43.1)، ثم الصناعات الغذائية عموماً بنسبة (40.6 %)، فيما بلغت جملة المصانع المتوقفة بالولايات (664) مصنعاً بسبب التمويل، و(444) مصنعاً بسبب التقنية، و(210) مصانع لأسباب اجتماعية وقانونية، و(104) مصانع لأسباب أخرى. وتصدرت مشكلة التمويل أسباب توقف المصانع بنسبة (46.7 %)، تليها التقنية بنسبة (31.2 %)، ثم الأسباب الاقتصادية والاجتماعية بنسبة (14.8 %)، ثم الأسباب الأخرى بنسبة (7.3 %).
وطرح سوق الخرطوم للأوراق المالية حزمة من الفرص المتاحة لتمويل قطاع الصناعة عبر آلية سوق المال والمصارف، وتشمل التمويل عبر إدارة محفظة استثمارية, التمويل عبر إصدار صندوق استثماري، التمويل عبر تأسيس شركة مساهمة عامة، والتمويل عبر آلية تصكيك الأصول. وأشارت الورقة إلى دور المصارف وشركات الوساطة في توفير التمويل للمصانع المتوقفة، وتشمل سهولة تمويل المؤسسة المدرجة بالسوق من المصارف، وتستخدم الصكوك كضمان للتمويل من المصارف, البنوك والمؤسسات المالية العالمية تمول الشركات المدرجة في الأسواق بشروط ميسرة, تلجأ المصارف إلى الأسواق لتمويل بعض مشروعاتها الخاصة بها (صكوك نماء)، ويمكن للمصارف وشركات الوساطة المالية أن تلعب دورا كبيرا في توفير المال اللازم لإعادة تدوير المصانع المتوقفة عن العمل، وذلك بخلاف التمويل التقليدي الذي تقدمه المصارف.
وكشفت ورقة اتحاد الغرف الصناعية حول الطاقات العاطلة في قطاع الصناعة السودانية وسبل تحريكها، عن توقف نسبة عالية من المنشآت الصناعية العاملة في مجال المنتجات النشوية، بسبب عدم توفر الدقيق كمادة خام، فيما تقلصت المصانع العاملة بعد التوقف المتكرر بسبب عدم توفر الدقيق اللازم بالمواصفات المطلوبة. وأشارت الورقة إلى أن الاحتياج الشهري حسب الطاقات المتاحة للمصانع المتعددة حوالى (15.349) طن دقيق، وفي أحسن الحالات يوفر لها ما يغطي (71 %) من طاقات تلك المصانع، مع العلم أن طاقتها المركبة تحتاج إلى ما يعادل (192.000) طن دقيق في العام، ولضمان الاستغلال الأمثل لتلك الطاقات نحتاج بصورة أساسية لتوفير المادة الخام الأساسية، ويعتبر عدم توفر الدقيق لهذه المصانع المهدد الحقيقي الذي يقود لانخفاض الإنتاج، وربما يقود عملياً للتوقف الكامل. وأشارت الورقة إلى أن انخفاض الإنتاج للحبوب الزيتية مع سياسات التسويق السائدة الآن رغم تكوين المحفظة تقود عملياً لتعطيل جل الطاقات المتاحة بالبلاد من المعاصر، ويصل ذلك التعطل إلى (60.70 %) خلال العام. وكشفت الورقة عن خروج طاقة إنتاجية تعادل (31.590) طن غزل، ويمكن أن تزيد بحوالى (7.300) طن في حال الخروج التام لمؤسسة النيل.
اليوم التالي.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..