هل الاستثمار في السودان يحتاج إلى سن قوانين استثنائية؟! 2-2

تحدَّثنا في الجُزء الأوَّل من هذا الموضوع عن إصدار قانون الاستثمار الذي أجازه مجلس الوزراء السوداني في الحادي والثلاثين من شهر يناير الماضي، والمُسمَّى بقانون الاستثمار لعام 2013، وأشرنا للامتيازات العديدة التي يرتقي بعضها لمُستوى الوصف بالـ(خَطِرْ)، وأنَّ مُفردات ونصوص القانون التفصيلية ما زالت محجوبة عن العامَّة وانتهينا بتساؤُل حول: الأهم هل قوانينا قاصرة للحد الذي يحول دون قدوم المُستثمر وللدرجة التي نُفصِّل له فيها قوانين تمنع مُقاضاته إذا أخطأ حتَّى ولو كان وجهة نظر قاصرة؟ فالطبيعي أنَّ قوانينا راعت كل جوانب حياتنا وإلا فليكن تعديلاً كاملاً لكل القوانين وليس بطرح قانون فقط مُخصَّص ومُفصَّل لجلب الأموال من الخارج (بحسب وجهة نظر من قاموا بإعداده)!
وفي هذه الجُزئية الثانية للمقال، تستمر التساؤُلات الهامَّة والـ(مُلحَّة) والتي تبدأ بالسؤال عمَّا هو تفسير مُصطلح (أراضي حكومية أو أراضي الدولة؟) وبمعنىً آخر.. من هو الـ(مالك) الـ(فعلي) للأراضي الموصوفة بأنها (حكومية)؟ هل هي حقٌ مكفولٌ فقط للمسئولين الحكوميين (وزراء، وُلاة … إلخ) أم أنَّنا (كشعب) شركاء في ملكية هذه الأرض؟ وإذا كان لنا حقٌ فيها ألا يجوز ? ولو أدبياً ? استشارتنا في أمر بيعها أو رهنها أو حتَّى إيجارها وإتاحتها للمُستثمر؟ وإذا كان لنا حقٌ فيها أيضاً، فكيف لا يحق لنا مُقاضاة من يأخذها منَّا عُنوةً وحرماننا (كشعب من خيراتها) طالما كنَّا قادرين على استغلالها؟ ولماذا لا يُتاحُ لنا ما هو مُتاحٌ للمُستثمر المزعوم لا سيما في ظل النجاحات العديدة والمشهودة التي حقَّقها المُنتج أو المُستثمر المحلي؟ ألم يسمع أو يُشاهد من أعدَّ (أعدُّوا) هذا القانون إنجازات الشيخ مُصطفى الأمين ? كمثال ? الذي سجَّل (ريادة) مُنقطعة النظير في تنمية وتطوير الاقتصاد الوطني والاستثمار الشخصي في آنٍ واحد؟ وتحديداً حينما جعل (الشيخ مُصطفى عليه الرحمة) محصول زهرة الشمس محصولاً اقتصادياً عبر الاستفادة منه في تصنيع الزيوت؟ هل طالب هو ومن معه من الرأسمالية الوطنية، أمثال النفيدي وأبو العلا وإبراهيم مالك وحجَّار وخليل عُثمان وغيرهم كُثُر بقوانين جديدة تمنع مُقاضاتهم إلا عبر محاكم خاصَّة رغم شرعية هذه المطالب، على الأقل باعتبارهم مُواطنين سودانيين من أبناء هذه الأرض ولهم الأولوية في الاستفادة منها، ولكنهم لم يُطالبوا بذلك، لأنَّهم وطنيين حقيقيين ولأنَّهم كانوا مُنضبطين (يعرفون ما لهم وما عليهم) ولا يحتاجون أساساً لمثل هذه القوانين.
ثمَّ لماذا يُتاح للمُستثمر محاكم خاصَّة تحسم إشكالياته ? إنْ وُجِدَت ? خلال شهر بينما يطوف العامل السوداني في محاكم العمل عامين وثلاثة، حتَّى وإنْ جاء الحُكم في صالحه لا يستطيع تنفيذه وتعجز مُؤسَّسات الدولة على اختلافها عن جلب حقوقه من ذات الأجنبي ويكتفون بالـ(فُرْجَة) والـ(مُشاهدة)؟ وهذا واقعٌ حياتي مُعاش، عانى منه ? ولا يزال ? الكثيرون من أبناء السودان على أيدي الغُرباء الذين يظلمون أبناء البلد ويتماطلون في منحهم حقوقهم المشروعة التي قضى بها قانون العمل السوداني! ويظل ابن البلد ما بين دهاليز مكاتب ومحاكم العمل سنوات ولم يُفكِّر من أعدَّ (أعدُّوا) هذا القانون الاستثماري الـ(جديد) في كيفية ضمان حقوق هؤلاء، وإنَّما ساعدوا في تهيئة غطاء شرعي إضافي لمزيد من التجاوُزات على أيدي من يُوصفون بالـ(مُستثمرين) ! بل حتَّى وإنْ تمَّ إنصاف ابن البلد عبر حُكْمٍ ما أتاحوا له فُرصة التقدُّم بشكواه لرأس الدولة! نُتيح كل هذه المزايا وبعض (أشقَّائنا) ما زالوا مُحجمين عن إتاحة حُرِّية العمل والتنقُّل للسودانيين وآخرين يمتنعون عن منحنا الإقامة بل ويتلكأون في تأشيرات دخولنا لبلادهم!!
ولعلَّ السؤال الأكثر إلحاحاً يتمثل في من المُستفيد من هذا الاستثمار أساساً؟ أليس هم أبناء هذه البلد (مسئولين ومُواطنين في آنٍ واحد)؟ وإنْ اتفق معنا من أعدَّ (أعدُّوا) هذا القانون الاستثماري الجديد في هذه الجُزئية فأين هي الضمانات والمُؤشِّرات حول هذا؟ ولماذا لم يُوضِّحها القانون ويُثبِّتها جلياً كما فعل بالنسبة لحقوق المُستثمر الأجنبي؟ وفي الأساس لماذا تُتيح الدولة أراضٍ تدور حولها شُبهة النزاع أو تعلوا فيها احتمالية نشوب النزاع للأجانب؟ لماذا لا تعمل على دراسة وتحليل هذه الجوانب ومعرفة أسبابها ومُعالجتها كسباً لوقتها ووقتنا وحقوق الجميع وفي مُقدِّمتهم البلد وأهلها؟
وثمَّة تساؤُل قانوني وأخلاقي خطير جداً يتعلَّق بمسألة حيوية وردت في الـ(قانون) الاستثماري الجديد، وهي تتعلَّق بالتسريع في تكملة إجراءات المشروع خلال 24 ساعة على أنْ تُسْتَكْمَلْ لاحقاً (ولا ندري متى!)، وهذا يتنافى مع مُتطلَّبات الاستوثاق من الـ(مُستثمر) نفسه! هل هو فعلاً أهلٌ لأن نُدخله بلدنا ونُتيح له أراضينا؟ أليس من المنطق والحكمة التعرُّف على مصدر أمواله التي يجلبها لنا مهما بلغ حجمها؟ ألا يدخل هذا الإجراء ضمن احتياطات مُكافحة غسيل الأموال وهي عملية مُدمِّرة للاقتصادات المُختلفة سواء كانت مُتقدِّمة أو نامية؟ وإذا اتفق معنا واضعي هذا القانون حول هذه الجُزئية فكيف لهم بتطبيقها وهم يمنحون الأذونات باستكمال المشروع في 24 ساعة؟ وكيف أصلاً يحدث القبول دون الاستوثاق أولاً من مصدر هذه الأموال التي يأتينا بها الـ(مُستثمرون)؟ ثمَّ السؤال الأهم من بين هذه الأسئلة العديدة.. قانونٌ حيوي ومصيري كهذا (لكونه يُتيح أراضي البلد التي لنا فيها حقٌ كشعب للغير بالبيع أو الإيجار) أليس من حقِّنا الاستفتاء عليه ومعرفة نصوصه كاملةً بتفاصيلها الدقيقة لنعلم ما لنا وما علينا، ونزنها ونُقيِّمها لنعرف الفوائد العائدة علينا وعلى بلدنا ومن ثمَّ نقبله أو نرفضه؟ ثم ألا تتقاطع بعض مضامينه مع قوانينا الأخرى (جنائية، مدنية، قوانين عمل وغيرها من القوانين)؟
كثيرة هي التساؤُلات والاستفهامات حول قانون الاستثمار الـ(جديد) هذا، إلا أنَّ الأهم يتمثَّل في أنَّ أسباب تراجُع وانحسار الاستثمار في السودان كثيرة ومُتعدِّدة ولا نعتقد أنَّ من بين أولوياتها إنشاء قانون كهذا. ولعلَّ الناظر لواقعنا الاقتصادي يُدرِك ? دون عناء ? بأنَّ هذا التراجع مردَّه للرسوم الباهظة جداً المفروضة على الإنتاج والتي تُسمَّى إيراداً وهي عكس ذلك! فالإيراد الحقيقي هو ما يأتي من خارج البلد عبر التصدير، وليس من الضرائب وغيرها من صور وأشكال الرسوم الداخلية التي هي في الواقع عَثَرة كبيرة، ساهمت في خروج العديد من المُؤسَّسات والأفراد والجماعات من دائرة الإنتاج.
سيظل الأمر في تراجُعٍ كبير، ما لم نُحفِّز المُنتِجْ أو المُستثمر الوطني على الإنتاج والتعمير، وإتاحة (رُبع) المزايا والتسهيلات الممنوحة للـ(مُستثمرين الأجانب) له. إنَّ الدولة لو كانت في حاجة لإجراءات تُنظِّم حركة الاستثمار وتدعمها، فهي لن تكون بأي حالٍ من الأحوال استصدار قانون جديد يبيع أراضينا للأجانب ويمنع مُقاضاتهم إلا عبر محاكم خاصَّة بما يُحفِّزهم على المزيد من التجاوُز استناداً لتلك الضمانات غير الـ(مُبرَّرة) وغير الـ(عقلانية). فالاستثمار الحقيقي والنموذجي ? أياً كان ? يجب أن يكون هدفه رفاهية هذا الشعب، وهو ما يجب أن يكون المُحرِّك الأساسي لأي توجُّه في هذا الإطار، وليكن التساؤُل الرئيسي حول ما هو العائد للوطن والمُواطن وليس فقط ماذا نُقدِّم للوافد الذي يتركَّز كل همَّه على مصالحه دون أي اعتبار لدولتنا، وهذا في الأحوال العادية فما بالكم بما نُتيحه له من أسباب للتجاوُز وعدم المُحاسبة في ظل هذا القانون.. وإذا ما أصرَّت الدولة على تطبيق مُحتويات ومضامين هذا القانون، فلتقُم بتثبيت حق المُواطن السوداني والبلد كما فعلت للمُستثمر ومن ذلك مثلاً، كما ذكرنا أعلاه، ما يندرج تحت المفهوم الواسع للمسئولية الاجتماعية كنسب العمالة السودانية في المشروع الاستثماري المعني، ونصيب المناطق التي تُقام عليها تلك المشاريع من أرباحها ومدى مُساهمة المُستثمرين في التنمية الريفية والاجتماعية وإقامة المُؤسَّسات الخدمية وغيرها من المنافع، فهكذا تكون الحقوق والاستحقاقات وللحديث بقية.. والله من وراء القصد.

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. جزاك الله خيرا يا دكتور على هذا المقال الضافي الوافي
    ولي بعض التعليقات:

    – لا توجد دولة في العالم تفضل الأجنبي على مواطنها إلا نحن والسبب خليط من الغشامة والفساد.

    – هذه الأراضي هي الأراضي التقليدية للقبائل في مختلف أنحاء السودان تعتمد عليها وتنقل عبرها لممارسة الرعي وزراعة البلدات وغيرها من الأنشطة من تسجيل رسمي ولكنها أراضي أجدادهم – تأتي السلطات الآن لمصادرتها ولتخصيص عشرات الآلاف من الأفدنة للشيخ فلان والثري فرتكان- أقول لا يجوز منحها حتى للسودانيين، ناهيك عن الإتيا بالأجانب ليكونوا كفلاء وإقطاعيين للمجتمعات المحلية مستغلين فقرهم. هذه الأراضي هي لأهلها وهم شركاء في الماء والكلأ أي المرعى ولا يجوز الاستحواذ عليها لصالح هؤلاء الغرباء. في الخليج مثلا يستحيل أن يشتري أجنبي أي مزرعة فالقانون يمنعه بل لا يستطيع أن يشتري سكنا إلا في مناطق سياحية محددة مثل جزير النخيل في دبي والريم في أبوظبي وبأسعار باهظة جدا جدا. أما باقي البلد فلا يجوز أن يتملك فيها إلا حاجياته الشخصية وسيارة إن استطاع، كما أنه يفنش دون سبب ويبعد دون إبداء أسباب بل وتمنع كثير من هذه الدول حاليا الإقامات على السودانيين دون سبب. وعندما ضربت إسرائيل السودان مؤخرا لم تنبس الدول العربية سوى مصر ببنت شفة بل التزمت الصمت وكأنها تؤيد ذلك. ولو كان العكس لسارع السودان إلى إدانة إسرائيل.

    – الاستثمار الأجنبي يجب أن يكون بين حكومات وموجه لتطوير المجتمعات المحلية مثل كنانة، لا أن يأتوننابأفراد عرب أثرياء يريدون أن يزدادوا ثراء على حساب هذه المجتمعات المغلوبة على أمرها وتشغيل المواطنين كفلاحين وعمال وكأنهم غرباء في بلدهم!!!. إن تلاعب المسئولين بأصول البلد ومقدراتها وبيع المصانع والمشاريع الزراعية والفنادق والمستشفيات والوزارات والخطوط الجوية والنهرية والبحرية هو من أسوأ مساوئ الإنقاذ، ومع ذلك نرحب بالشفافية التي أبداها السيد الرئيس مؤخرا وتوجيهه بمحاسبة المسئؤلين عن تدمير سودانير وتشديد الرقابة على المال العام ومحاصرة الفساد. ولكن يا سيادة الرئيس أعتقد أن قائمة المحاسبة يجب ألا تتوقف عند مفسدي سودانير والأوقاف بل يجب أن تشمل مشروع الجزيرة وفندق قصر الصداقة وأسمنت عطبرة وأصول البنك العقاري وكافة صفقات البيع المشبوهة وكافة الأراضي الشاسعة المخصصة للأثرياء من السودانيين والأجانب، كيف ولماذا ومتى وكم.

    – قد أعدوا قائمة طويلة من المشاريع الحكومية للبيع ولا شك أن الدولة يجب أن تحتفظ بأغلبية الأسهم أو تبيع أسهمها للمواطنين السودانيين، وأن تخصص 49% للشركات الأجنبية المتخصصة التي يرجى منها ويمكن أن تفيد وتستفيد وليس من شاكلة شركة عارف.

  2. الأستثمار إغراء قبل أن يكون بالتوسل والإستجداء ؟؟؟ ورأس المال وصاحبه ذكي يعرف أين يجد الفرص المناسبة ومن أين تؤكل الكتف ؟؟ ولا مجال للعواطف في العمل التجاري فكثيراً من الطيبين المثاليين يتسائلون لماذا لا يستثمر العرب أموالهم بالسودان ؟؟؟ ويعتقدون أنه بحكم أنهم عرب ومسلمين يجب أن يستثمروا في السودان بدل بقية دول اليهود والكفار ؟؟؟ الإستثمار يجب أن يكون لمصلحة الطرفين والا كان نوع من الخيانة والسرقة ؟؟؟ وهنالك إتفاقيات شبه متعارف عليها بين الدول الوطنية التي تراعي مصالحة شعوبها ؟؟؟ والحكومات الوطنية دائماً تضع مصلحة وطنها وشعبها في الأمام ولها شروط لا تجامل فيها ولا تتعامل بالعواطف وتفرط في سيادة دولتها ؟؟؟ ففي ظل حكومة فاسدة تركيبة حكومتها مبنية علي الفساد لا يمكن أن ينجح في دولتها أي إستثمار الا بواسطة مستثمرين فاسدين ولصوص دوليين ومشبوهين والذين يساهمون في تفصيل قوانين الإستثمار لصالحهم مقابل إستفادة العصابة الحاكمة (إن الطيور علي أشكالها تقع ) ودائماً ما يفضلون نوع الإستثمار بإستراجية أضرب وأهرب أي الغف وأهرب ؟؟؟ ففي دولة كالسودان بها جهاز حكومي مترهل بالمرتشين من الغفير للوزير لا يمكن لأي مستثمر أن ينجح الا إذا كان فاسداً وحريف يستقل نقاط ضعف النظام الفاسد الذي يكمم أفواه كل الصحفيين وكل معترضيه الوطنيين ؟؟؟ فالبيئة المتعفنة في السودان طاردة حتي للمستثمرين المحليين والذين الآن يتجهون الي إثيوبيا وغيرها ؟؟؟ أمثال الكاردنال الذي يستثمر بإثيوبا في مصنع لحوم بأكثر من 70 مليون دولار أخرجها من السودان كيف ما معروف ووللأسف الشديد مجدي إعدم في بضعة الاف من الدولارات في حكم ظالم ودون وجه حق ؟؟؟ وعائلة الميرغني التي كونت رأسمالها من أموال الندور والمحاصيل التي يجود بها أتباعهم المغيبين دينياً تستثمر مبالغ مهولة في مصر والسودان لهم عبارة عن مزرعة خلفية ؟؟؟ سنة الحياة تقول أن القوي يأكل الضعيف ؟؟؟ فتجار ولصوص محترفين كصالح الكامل صاحب بنك البركة وغيره بالنسبة له أفندية وعسكر السودان طير وضعفاء نفوس يمكن الضحك عليهم ليبيعوا وطنهم بسهولة من أجل حفنة من الدولارات ؟؟؟ والثورة في الطريق ؟؟؟

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..