حين يلتقي قائد “الجنجويد” ضحاياه.. من محليات “أمبرو- كرنوي- والطينة”!!

جذبت الجدة يد الطفلة الصغيرة الباكية زائغة النظرات أمام قائد “الجنجويد” حسبو محمد عبد الرحمن، فسمعنا الفتاة وهي تنتحب تقول إنها لا تعرف شيئا عن أمها وإخواتها. لم تعرف من الصغيرة ومن أهلها أو كيف فقدوا.. كلام قليل غير مفهوم جري تبادله، لكن انتهت المشهد هنا لتعلو في الخلفية أغنية “جهادية”!
أي مفارقة هذه أن تكون كلمات الأغنية التي أختارها “الجنجويد” للتعبير عن حب للقائد الميشليات ونائب الرئيس السوداني، تقرن ذاك الحب والوفاء بإبادة جماعية عرقية.
بقيت تلك الأغنية ترافق الدقائق الطويلة والثقيلة لجولة حسبو عبدالرحمن علي ضحاياه من (أمبرو، كرنوي، والطينة)، زارهم في ظهور وصف بأنه نادر ويعقب إعلانه الوقح أنه يستحق الزيارة لغرض “تطهير عرقي” جديدة.
من كان يستفظع مشاهد العنف والقتل والاغتصاب والتشريد والتدمير والدم المصور في دارفور خلال السنوات الأخيرة بوصفها نقلا أمينا وحسيا لمعني الألم والفظاعة، عليه ربما أن يوسع من نطاق تعريف القسوة وتشعباتها. فبعد 15 عاما من مشاهد “التطهير العرقي”, ها نحن أمام ذروة درامية تلك المأساة، وهي لحظة لقاء القاتل ضحاياه..
غلب علي مشاهد المقتلة الدارفورية اليومية خصوصا تلك التي جمعت القتلة بضحاياهم إن كانت مشاعر العنف صارخة، الضحية إما تتضرع أو تبكي أو تعاند أو تتلوي من الألم أو تلفظ أنفاسها الأخيرة، والقاتل لا يخبيء وجهه ويمارس عنفه وعنصريته وصراخه وأحيانا ضحكه بإصرار كامل..
لحظة لقاء حسبو بعشرات من النازحين المحليات الثلاثة هي لحظة لقاء قاتل بضحاياه..
لكن للحظة هذه تأويل آخر، تأويل لم تستطع الكاميرات الكثيرة التي حرصت علي نقل الالتفاتات المدروسة والهزلية للقائد “الجنجويد” “الحنون” وتدوين كل لفتة “حب”- أن تبدده. فثمة مشاعر مخنوقة رافقت واقعة زيارة نائب الرئيس وقائد ” الجنجويد” لضحاياه في هذه المحليات.
فحين يسأل نائب الرئيس وقائد الميليشيات سيدة دامعة تستجدي أن يجد لها زوجها المفقود، فلنا وحدنا أن نتخيل المعني المضمر من السؤال، والجواب: “هوني عليكي واشكري الله أنني لم أقتلك معه”, أو حين ربت علي كتفي الصبي الجالس في حلفة مع أطفال، لعله كان يعني ” كيف نجيتم من قصف طائرة “الانتنوف” ورصاص “الجنجويد” أيها الصغار، في المرة القادمة سأتحقق من أن تكون الاصابات أكثر دقة”.
تحلق النازحون حول قائد “الجنجويد” يصرخون “بالروح والدم”- تهافتوا للقائه، وواصل هو ابتساماته ونظراته الخاوية التي عجزت الكاميرات عن تمويه فراغها..
لا شك في أن الثورة السودانية بدارفور نجحت في صناعة صورة لم يسبق لثورة أو حراك آخر بلوغها، لكن في المقابل نجح النظام السوداني في إضعاف القرائن التي حملتها الصور والتشكيك فيها والقول إنها مفبركة وغير حقيقية..
لقاء حسبو بالنازحين في هذه المحليات الثلاثة هو المقلب الآخر لتلك الصورة.. إنه لقاء نائب الرئيس “حنون” بشعب عذبه وشرده “قوي المقاومة الثورية”..
هل تصدقون أن حسبو حنون!!
هذا ما يفترض صانعو الشريط أننا سنستنتجه تماما، كما يفترض النظام أننا سنصدق أن من يقتل الشعب السوداني هم المقاومة الثورية.. وهذا هو في نظرة أبواق ومليشيات حزب المؤتمر الوطني!!
أحمد قارديا خميس
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..